علاج عن بُعد في الصين

علاج عن بُعد في الصين

11 مارس 2022
في أحد مستشفيات الصين (زو زينكيانغ/ Getty)
+ الخط -

اتّجهت الصين في ظل جائحة كورونا، إلى إدراج الخدمات الطبية ضمن الخدمات التي يمكن تقديمها عن بعد عبر شبكات الإنترنت. وأنشأ تطبيق إلكتروني لهذه الغاية وعمّم في معظم المستشفيات الرئيسية. وبحسب الجمعية الوطنية الطبية، فإن نحو 6 آلاف مؤسسة طبية في جميع أنحاء البلاد باتت تستخدم نظام المعالجة وتقديم الخدمات الطبية عبر الإنترنت، بما في ذلك 580 مؤسسة تقدم رعاية متكاملة للمسنين. كما تم منذ مطلع العام الحالي إجراء أكثر من 550 ألف استشارة طبية عن بعد. وتهدف هذه الخطوة، بحسب القائمين عليها، إلى خدمة المسنين في المقام الأول، وتقليص طوابير المراجعين داخل المستشفيات.
وتعاني الصين من نقص كبير في عدد الأطباء مقارنة بعدد السكان البالغ 1.4 مليار نسمة. وبحسب اللجنة الوطنية للصحة، هناك طبيبان لكل ألف شخص في المدن، و0.05 طبيب لكل ألف شخص في الأرياف والمناطق الفقيرة، كما أن عدد المؤسسات الطبية لا يزال دون المتوسط، إذ يبلغ عددها في عموم البلاد 995 ألف مؤسسة مسجلة في وزارة الصحة. ويعتقد خبراء في مجال الصحة أن هذه العوامل مجتمعة تسببت في تكدس طوابير المراجعين داخل المستشفيات الحكومية والخاصة، وهو أمر غير محبذ بالنسبة للحكومة في ظل انتشار فيروس كورونا وارتفاع عدد الإصابات اليومية، ما دفعها إلى البحث عن بدائل تساهم في تخفيف الضغط على الكوادر والمرافق الطبية.
كيف تتم المراجعة الطبية عبر الهاتف؟ وما هي الخدمات المقدمة للمرضى؟ ومن هي الشريحة المستهدفة؟ يقول أخصائي جراحة الأعصاب في مستشفى تيانجين المركزي لي يان تشو، لـ"العربي الجديد"، إن العملية تتم عبر تطبيق "هاو داي فو" الطبي الذي يستخدمه أكثر من 100 مليون صيني. ويقدم البرنامج خدمات عديدة، تشمل الاستشارات الطبية وتشخيص الحالة المرضية، وصرف الدواء والمتابعة بعد العلاج. يضيف لي أن ذلك يتيح للمرضى الحصول على الخدمات الطبية من دون الخروج من منازلهم، وخصوصاً في الحالات الحرجة، مثل تقدم المريض في السن، أو حاجته الملحة للاستشارة الطبية. 
ويلفت إلى أن هذه الخدمات تختصر عناء الانتظار في طوابير المراجعين، كما تخفض تكاليف المراجعات والكشوفات الطبية في المستشفيات، فضلاً عن مساهمتها في تحقيق مبدأ التباعد الاجتماعي مع اشتداد جائحة كورونا وارتفاع عدد الإصابات اليومية في عدة مدن ومناطق بالبلاد.

من جهته، يقول دينغ يانغ، وهو موظف سابق في اللجنة الوطنية للصحة، إنّ المستشفيات الصينية قطعت شوطاً طويلاً في هذا المجال، مشيراً إلى أن الصين لم تكن لديها قبل ثلاث سنوات سوى 98 مؤسسة طبية تستخدم هذه الطريقة في التعامل مع المرضى، بينما وصل عدد المؤسسات التي تقدم الخدمات الطبية عبر الإنترنت إلى 5950 مؤسسة في نهاية عام 2021، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر لا يقتصر فقط على المستشفيات، بل يشمل أيضاً الصيدليات المسؤولة عن صرف الأدوية، والعيادات الصغيرة في القرى والأرياف"، مؤكداً أن "هذه المنظومة قادرة على مواكبة كل حالة مرضية على حدة وتقديم ما يلزم لها من علاج ودواء". 
ولفت الخبير الصيني إلى أن تقديم الاستشارات الطبية عبر الإنترنت قد يساهم مستقبلاً في الكشف المبكر عن الأمراض والأعراض الجديدة التي قد تظهر على المرضى، وبالتالي يستطيع الأطباء التعامل معها في الوقت المناسب، وضمان حالة صحية أفضل للمجتمع الصيني.

تقدّمان الرعاية الصحية لأحد المرضى (Getty)
تقدّمان الرعاية الصحية لأحد المرضى (Getty)

لاو آر لونغ، وهو معلم في مدرسة ابتدائية في العاصمة بكين، يقول لـ"العربي الجديد": "كنت أضطر إلى أخذ إجازات طويلة من المدرسة على مدار العام لمرافقة أبي إلى المستشفى، حيث يخضع لفحوصات دورية بعد إجراء عملية في النخاع الشوكي. لكن بفضل التطبيقات الجديدة، أستطيع الآن أن أواصل عملي بينما يتم فحصه عبر الهاتف وهو جالس في المنزل"، يضيف أن التطبيقات الطبية سهلت عملية التواصل وتحول معها كل منزل إلى مستشفى، وكل مستشفى إلى جسم طبي متحرك. وعن طبيعة الخدمات، يقول المعلم الصيني إنها تبدأ من الاستشارة عبر محادثة فيديو أو محادثة صوتية، وتنتهي بإمكانية جلب طبيب خاص إلى المنزل في حال استدعت حالة المريض ذلك، ويشير إلى أن ربط التطبيقات بالصيدليات أتاح للمرضى إمكانية الحصول على الدواء باستخدام البريد السريع، واستلامه في اليوم نفسه أو في اليوم التالي على أبعد تقدير.
في المقابل، يرى آخرون أن الخدمة الجديدة تفتقر إلى الفعالية لأنها تقتصر على الحالات المرضية البسيطة التي لا تحتاج في الغالب إلى الذهاب للمستشفى.

ويلفت هؤلاء إلى أن الشريحة المستهدفة (المسنون) لا تجيد بمعظمها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتواجه صعوبة في التعامل مع التطبيقات الإلكترونية، وتطالب السلطات الصينية بتوفير المزيد من المرافق والمؤسسات والكوادر الطبية بدلاً من محاولة تخفيف عبء المراجعين بفكرة العلاج عن بعد. 
هذا، وتسعى الحكومة الصينية إلى مضاعفة عدد الأطباء العاملين في البلاد بحلول عام 2025، وذلك ضمن خطة خمسية تهدف إلى الوصول لمعدل 3.2 أطباء لكل 1000 شخص، وكانت الحكومة قد اعترفت في وقت سابق بأن موارد الرعاية الصحية غير كافية بشكل عام، وأن جودة القطاع الصحي متدنية، وهياكل المؤسسات الطبية تعاني من سوء التنظيم، وأن أنظمة الخدمات مجزأة ولا تلبي حجم الطلب الكبير مقارنة بعدد السكان.