عراقيون معدمون في أكوام "القوت الأسود"

22 اغسطس 2022
في موقع لطمر النفايات بالعراق (العربي الجديد)
+ الخط -

باتت تلال النفايات التي تتصاعد منها روائح الغازات الكريهة والسامة في مناطق الطمر المنتشرة في غالبية مناطق العراق، مصدر الرزق الوحيد لآلاف الأشخاص الذين يرى الجميع كيفية نبشهم في النفايات ضمن عمل يومي شاق جداً يجبرون على تأديته بسبب أوضاعهم الاجتماعية السيئة، ويعرضهم لمخاطر صحية كبيرة قد تهدد حياتهم.
في موقع طمر بمنطقة النباعي شمالي بغداد يتجمع عشرات من الفقراء الذين يطلق عليهم شعبياً اسم "النبّاشة"، فوق أكوام النفايات بوجوه كالحة وثياب رثة لاهثين خلف شاحنات النفايات للبحث عن أي شيء يستطيعون إيجاده تمهيداً لبيعه من أجل مساعدة عائلاتهم التي تسكن في خيم وغرف متهالكة توجد غالباً قرب مكبات النفايات نفسها.

يقول أحد هؤلاء "النبّاشة" ويدعى وليد المولى (41 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أجلس مع زوجتي وأطفالي الأربعة في الساعات الأولى من صباح كل يوم، وانتظر مرور شاحنات وجرارات النفايات القادمة من مناطق مختلفة لإفراغ حمولتها، وألاحقها بأمل الحصول على أشياء تحملها يمكن أن أبيعها، مثل عبوات معدنية ولدائن (بلاستيك) وأكياس نايلون".
يضيف: "أنا مضطر لجمع القمامة كي أعيل عائلتي، ودخلي الشهري من بيع القمامة لا يقل عن 300 دولار، وهو قليل جداً ولا يتناسب مع حجم الجهد المبذول والمعاناة التي نواجهها في عملية البحث في أكوام النفايات".

جمع أي شيء يمكن بيعه لمساعدة العائلات (العربي الجديد)
جمع أي شيء يمكن بيعه لمساعدة العائلات (العربي الجديد)

من جهتها، تتنقل أم محمد، وهي أرملة لم تتجاوز الثلاثين من العمر واضطرت بعد وفاة زوجها إلى الخروج يومياً مع عشرات النساء المتشحات بالزي الأسود ولا يظهر منهن سوى عيونهن، من مكان إلى آخر لنبش مكبات النفايات وجمع البلاستيك والعلب القديمة وبيعها بأسعار زهيدة إلى معامل تدوير النفايات. وتقول لـ"العربي الجديد": "وصلت حال بعض العاملين في جمع النفايات من المكبات إلى التقاط فضلات أطعمة كي يتناولها أولادهم، بسبب تدهور أوضاعهم المادية لدرجة عدم امتلاكهم قوت يومهم. باتت أماكن الطمر الصحي في إطراف المدن ووسطها قوت من لا قوت له من الفقراء والمعدمين الذين لا يملكون حلولاً أخرى لتحصيل رزقهم للعيش".
ويعلّق الناشط في مجال حقوق الإنسان حسين مهدي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "انتشار النباشة في مناطق الطمر الصحي أصبح ظاهرة مقلقة بعدما زاد عددهم في السنوات الأخيرة، ما يعكس مدى تدهور الأوضاع المعيشية لهذه الفئة التي تحصل بالكاد من عملها الشاق تحت أشعة الشمس الحارقة على مبلغ قد يتراوح بين 8 و10 دولارات يومياً".
يضيف: "أملك معلومات عن أن عدد النباشة في العراق ارتفع بنسبة 30 في المائة في السنوات الأخيرة، ما يشكل مؤشراً خطراً إلى ارتفاع نشبة البطالة والفقر التي يدفع مئات من الشبان والنساء والأطفال إلى العمل في بيئة خطرة تهدد صحتهم".

قوت من لا قوت لهم (العربي الجديد)
قوت من لا قوت لهم (العربي الجديد)

ويشير إلى أن "هذه الظاهرة أوجدتها الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة منذ عام 2003، وغياب فرص العمل دفع كثيرين إلى الانخراط في جيوش النباشة الذين يبحثون عن لقمة العيش بين أكوام النفايات متجاهلين المخاطر الصحية التي يتعرضون لها".
ورغم امتلاك العراق احتياطات كبيرة من النفط والغاز، تشير بيانات وزارة التخطيط إلى أن نسبة 25 في المائة من المواطنين تعيش تحت خط الفقر، فيما تفيد إحصاءات صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة (يونيسيف) بأن 23 في المائة من الأطفال العراقيين الذين يقدر عددهم بـ 3.4 ملايين يعيشون في فقر مدقع ضمن دخل يقل عن دولارين يومياً.

بيئة خطرة للعمل (العربي الجديد)
بيئة خطرة للعمل (العربي الجديد)

وكشف تقرير أصدره أخيراً الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، أن كمية النفايات التي جرى جمعها عام 2020 بلغت 11.8 مليون طن، في مقابل 10.6 ملايين طن عام 2019، فيما بلغ معدل كمية النفايات التي ينتجها فرد واحد 1.5 كيلوغرام يومياً.

ويقول المهندس البيئي عبد الله الصجري لـ"العربي الجديد": "ظاهرة النبش في مناطق الطمر الصحي والنفايات المنزلية تشكل خطراً صحياً وتهديداً لجامعي النفايات، فمن المعروف أن حاويات النفايات وأماكن الطمر الصحي تحتوي على ميكروبات وغازات منبعثة خطرة يمكن أن تنتقل من شخص إلى آخر من طريق التنفس والاستنشاق".
يضيف: "تمتد الروائح المنبعثة من غازات مناطق الطمر الصحي عشرات الكيلومترات، ويتأثر بها سكان المناطق القريبة منها، فكيف حال من يعملون لساعات طويلة في أماكن جمعها، ويأكلون من فضلات الطعام؟ وجود النباشة في هذه الأماكن، خصوصاً الأطفال يشكل خطراً كبيراً على صحتهم".
ويشرح أن "الغازات المنبعثة من النفايات وأماكن الطمر الصحي تصيب بالدرجة الأولى الجهاز التنفسي بأمراض مختلفة، كما تتسبب في مشاكل بالجهاز الهضمي، من هنا ندعو الحكومة العراقية والجهات والمعنية إلى الحدّ من هذه الظاهرة ذات المخاطر الصحية والبيئية الكبيرة على حياة الفئة العاملة في الأماكن الموبوءة".

المساهمون