صالح المشني... شيخ صيادلة فلسطين يستذكر أدوية خمسين سنة

صالح المشني... شيخ صيادلة فلسطين يستذكر أدوية خمسين سنة

15 يوليو 2023
يواصل الصيدلي الفلسطيني صالح المشني العمل (العربي الجديد)
+ الخط -

في صيدليته الخاصة بوسط مدينة رام الله في وسط الضفة الغربية، يواصل الصيدلي الفلسطيني صالح يعقوب صالح المشني (80 سنة) عمله اليومي المتواصل منذ عقود، والذي بدأ قبل أكثر من 50 عاماً، عقب انتهاءه من دراسة الصيدلة في إسبانيا، ثم عودته إلى فلسطين ليعمل في صناعة الأدوية لفترة، ثم يتفرغ للصيدلية التي أطلق عليها اسم "الأقصى".
كان المشني من أوائل من عملوا في الصيدلة وإنتاج الأدوية في فلسطين، وقد قرر خوض غمار تلك المهنة الصعبة بعد أن أنهى دراسة الثانوية العامة في عام 1965 بالمدرسة الرشيدية في مدينة القدس. في عام 1966، بدأ المشني المرحلة الجامعية بعد أن سافر إلى إسبانيا. كانت الرحلة صعبة، إذ استقل الباخرة لمدة سبعة أيام انطلاقاً من بيروت، بتكلفة 24 ديناراً أردنياً، وكان ذلك بديلاً مناسباً عن السفر بالطائرة الذي كانت تكلفته حينها 56 ديناراً، ومكث في إسبانيا بعد دراسته إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يقرر العودة إلى فلسطين نهائياً، ويستقر في بلده لخدمة أهل وطنه.
أصر المشني على دراسة الصيدلة في إسبانيا رغم أن كثيرين أخبروه بصعوبة الدراسة هناك، لكنه حينها كان يريد الدراسة الأصعب كي يبدع، وعندما اجتاز امتحان القبول في جامعة مدريد، سأله مقابلوه لماذا لا يدرس تخصصاً غير المهن الطبية، لكنه أصر على دراسة الصيدلة، وقد اجتاز مرحلة تعلم اللغة الإسبانية، قبل أن يشق طريقه في دراسة الصيدلة. أصبح طالبًا بكلية الصيدلة في جامعة مدريد، وعاش صعوبات الدراسة الجامعية بكل تفاصيلها، لكنها بالنسبة إليه كانت ممتعة، وقد اجتاز سنوات الدراسة الخمس بتفوق.
يقول لـ"العربي الجديد": "كانت الدراسة في إسبانيا صعبة في تلك الفترة. كانت من أصعب دول أوروبا في مجالات التعليم، لكن كانت لي إنجازات خلال دراستي، سواء في ما يتعلق بطبيعة دراسة الصيدلة، أو خلال دراسة اللغة الإسبانية. رغم صعوبة الدراسة، إلا أنها كانت ممتعة بالنسبة لي، وخصوصاً التدريب العملي، إذ ينظم المحاضر للطلبة رحلة دراسية في الجبال كل 20 يوماً لقطف النباتات الطبية، ودراستها، وقد تمكنا كطلبة من جمع وحفظ المعلومات حول ثلاثة آلاف نبتة طبية، ثم تقدمنا للامتحان فيها، واجتزناه".
يضيف المشني: "تحديت وأصررت على استكمال المشوار، واستطعت إنهاء تعليمي في جامعة مدريد بتخصص صناعة الأدوية، وتقدمت للامتحان النهائي، ونجحت في اجتياز مرحلة الجامعة في الصيدلة. دراستي جعلتني متميزاً في مهنتي، نظرياً وعملياً، وأهلتني للعمل في مصنع للأدوية في إسبانيا. على غرار الدراسة، كان التدريب في المختبرات شاملاً، سواء في ما يتعلق بصنع الأدوية، أو تصنيع الأغذية، أو إجراء عمليات جراحية بسيطة، وتعلم الإسعافات الأولية، وصولاً إلى عمليات توليد النساء".
يتابع: "كان الإسبان يؤمنون بأهمية أن يتعلم الصيدلي الكثير من أمور الطب، لأنهم يفترضون أن الجميع قد يحتاجهم، وقد يعملون في أماكن بعيدة، وأهمية ذلك في أوقات الكوارث الطبيعية، كما يؤمنون بأن الصيدلي من الممكن أن يعمل في كثير من المجالات".

الصورة
يحتفظ صالح المشني بعلم إسبانيا في صيدليته (العربي الجديد)
يحتفظ صالح المشني بعلم إسبانيا في صيدليته (العربي الجديد)

ويروي الدكتور المشني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه بعد عودته إلى فلسطين، حصل على ترخيص أردني بعد تقدمه لامتحان القبول، والذي حصل فيه على المركز الأول من بين 33 طالباً وطالبة، كما حصل كذلك على ترخيص من وزارة الصحة التابعة للاحتلال الإسرائيلي كونه يحمل هوية القدس المحتلة، وفي امتحان مزاولة المهنة الذي تعقده وزارة الصحة الإسرائيلية، كان ترتيبه الأول بين المتقدمين أيضاً.
بعد حصوله على التراخيص اللازمة، عمل الصيدلي الفلسطيني الشاب وقتها في شركة "بلسم" لصناعة الأدوية، والتي أصبح اسمها في الوقت الحالي "شركة القدس للمستحضرات الطبية". يقول: "كان الصيادلة الفلسطينيون في ذلك الحين قلائل، وبعد عملي في شركة (بلسم)، بذلت جهوداً كبيرة في العمل، وكنت متميزاً، فتدرجت في السلم الإداري للشركة حتى أصبحت مديراً للإنتاج، وظللت أعمل فيها حتى عام 1986. عندها بدأت رحلتي مع مشروعي الخاص، وافتتحت صيدليتي في وسط مدينة رام الله".
في خزائن مكتبه بالصيدلية التي أسماها "صيدلية الأقصى"، يحتفظ المشني بدفتر قديم فيه أسماء وتركيبات ومعادلات كل الأدوية التي أنتجها أو شارك في إنتاجها على مدار الأعوام الـ50 الماضية، وهو يفخر بأنه شارك في الإشراف على إنتاج 106 أدوية خلال عمله في شركة "بلسم"، وبعضها لا يزال موجوداً في الأسواق باسم شركة "القدس"، وبذات التركيبة الدوائية.

يوضح: "للصيدلي دور مهم في خدمة المجتمع. أنا حريص على مساعدة جميع المرضى، وخاصة البسطاء منهم، عبر توضيح وتبسيط الأمور الطبية، والحديث معهم عن كيفية علاج الأمراض التي لا تحتاج إلى تدخلات كبيرة من الأطباء. أنا مؤمن تماماً بأهمية وجود كل من الطبيب والصيدلاني، فلكل دور في تخصصه".
لا يستطيع صالح المشني أن ينسى ما عاشه في إسبانيا بعد حرب عام 1967 التي يطلق عليها شعبياً "النكسة"، إذ كان الموقف الإسباني داعماً للطلبة الفلسطينيين، والذين حرى سؤالهم عن أوضاعهم في ظل الحرب، وإن كانوا قد انقطعوا عن أهلهم، وتوفير ما يحتاجونه من مال أو مستلزمات، رغم أن دولاً عربية كثيرة لم تهتم بهم.
يقول: "كيف لي أن أنسى ذلك الاهتمام الكبير. لقد أعطونا منحاً دراسية، ووجبات طعام مرتين في اليوم لمدة عام، ومصروفاً لمرتين بقيمة 200 دينار أردني، كما مُنحنا خصماً على المواصلات العامة بنصف القيمة".
يحب المشني إسبانيا وشعبها، ويقدر حبهم للعرب عموماً، وللفلسطينيين خصوصاً، ولا ينسى العديد من الصفات الحسنة التي يتمتع بها الإسبان، وطبيعة حياتهم الاجتماعية، وحتى الحياة الجامعية التي كان الطلبة يتمتعون فيها بعلاقات متميزة، وهو لا زال يحتفظ بشهاداته العلمية الإسبانية، وعدد من صور حفل التخرج، كما يضع علم إسبانيا في داخل الصيدلية.

المساهمون