شباب تونس يعجزون عن استئجار مساكن

شباب تونس يعجزون عن استئجار مساكن

19 سبتمبر 2022
يجدن صعوبة في إيجاد مساكن كونهن عازبات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يرفض كثير من أصحاب البيوت في تونس، التأجير للشباب، خصوصاً الطلاب، خشية قيامهم بممارسات غير أخلاقية، ليتحول الأمر إلى معاناة لا تنتهي.

بعد أكثر من شهر ونصف الشهر من البحث والانتظار، حصلت ربيعة (23 عاماً) على مسكن بالإيجار في أحد الأحياء بالعاصمة تونس. تقول إنّ "رحلة البحث كانت متعبة ومثقلة بالمشاكل. وبات العديد من أصحاب البيوت لا يرغبون بتأجيرها لغير المتزوجين، ناهيك عن استغلال سماسرة العقارات للباحثين عن مساكن للإيجار. فاللجوء إلى وسيط لإيجار بيت يكلف أموالاً من دون أن تجد ما تريد".

تضيف ربيعة: "حصلت على عمل في العاصمة وكان لا بد لي من استئجار مسكن صغير للعيش فيه. الميزانيّة التي خصصتها للسكن محدودة جداً. لا قدرة لي على استئجار بيت يتجاوز سعره شهرياً 200 دولار، فدخلي 400 دولار فقط في الشهر. بحثتُ عن مشاركة فتيات في منزل للإيجار وتقاسم بدل الإيجار، لكنني لم أجد. في المقابل، فإنّ غالبية البيوت التي تواصلت مع أصحابها رفضوا تأجيرها لفتاة بمفردها خشية تحويله إلى بيت دعارة كما يدعون".
وتعتبر ربيعة محظوظة لأنّها استطاعت الحصول على بيت صغير للسكن على الرغم من ارتفاع الإيجار، فغالبية التونسيين صاروا عاجزين عن تملّك أو استئجار منزل جيّد. والأزمة أكبر بالنسبة للشباب سواء كانوا طلاباً أو باحثين عن عمل في المدن بعيداً عن عائلاتهم. معاناة ربيعة تنسحب على الكثير من الشباب الباحثين عن بيوت للإيجار، وخصوصاً العزاب والعازبات.

ويقول خالد عامري (25 عاماً)، وهو طالب دراسات عليا في الاقتصاد، إنه كان يعيش في سكن جامعي سنواته الجامعية الأولى. لكن بعد ثلاث سنوات، لم يعد لديه الحق في الاستمرار في السكن فيه، فراح يبحث عن مسكن على مقربة من الجامعة يتشارك فيه مع أربعة من رفاقه. وبعد نحو شهرين من البحث عن مسكن، لم يصل إلى حلّ، فغالبيّة من تواصل معهم من أصحاب البيوت "لا يرغبون في تأجيرها للعازبين، بل فقط للمتزوجين".

ويقول خالد: "لم تكن هناك مشكلة كبيرة في الحصول على مسكن للإيجار. كان كلّ ما يهمنا حينها هو الحصول على سكن يناسب قدراتنا المادية على ألا تتجاوز حصة الفرد منا 50 دولاراً. اليوم، أسعار البيوت باتت مرتفعة جداً وبات الحصول على سكن أمراً متعباً جداً، بعدما أصبح غالبية أصحاب البيوت لا يرغبون في تأجيرها لغير المتزوجين. والسبب واحد، وهو الخوف من تحويلها إلى بيت دعارة أو القيام بممارسات غير أخلاقية".

يضيف: "ربما ذلك بسبب حصول العديد من المشاكل في بعض البيوت التي تؤجر لغير العائلات. وبعض البيوت الأخرى التي يقبل أصحابها تأجيرها لأي كان، غالباً ما تكون صغيرة ولا تتوفر فيها الأساسيات، وتكون سفلية أو على السطح، ولا تتسع لأكثر من شخصين، كما أنّ أسعارها مرتفعة جداً".  
في المقابل، فإنّ تجربة رقية (35 عاماً) مختلفة عن الآخرين نوعاً ماً، فقد لجأت إلى سمسار خلال البحث عن بيت للإيجار في منطقة باردو بالعاصمة، في مقابل حصوله على مبلغ مالي لا يتجاوز 100 دولار في حال ساعدها على إيجاد ما تريده. لكنّها اكتشفت أنه احتال عليها. فبعدما أخذ المبلغ المتفق عليه، تبيّن لها أنّ البيت الذي كان يفترض أن تسكن فيه قد أُجّر لشخص آخر. تُضيف أنّ البحث عن منزل للإيجار من دون مساعدة ليس سهلاً ويعد مضيعة للوقت.

الصورة
بدل إيجار البيوت يعد مرتفعاً (أنيس ميلي/ فرانس برس)
بدل إيجار البيوت يعد مرتفعاً (أنيس ميلي/ فرانس برس)

في الوقت نفسه، فإنّ اللجوء إلى سمسار قانوني مُكلِّف، ما دفعها للجوء إلى سمسار يعرض البيوت على مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية. ولا يملك غالبية السماسرة مكاتب أو أي صيغ قانونية تنظم عملهم، وبذلك لا يخلو عملهم من النصب والاحتيال في بعض الأحيان، كما تقول. وكانت قد حاولت البحث بمفردها عن مسكن، لكنّ العديد من أصحاب البيوت رفضوا تأجيرها كونها عزباء. 
أزمة البحث عن مساكن للإيجار تتفاقم، خصوصاً مع بدء العام الدراسي الجامعي. ففي وقت يتمتّع الكثير من الطلاب بالحق في السكن الجامعي، لا يشمل هذا الحق الجميع، ما يضطرهم للبحث عن مساكن بالإيجار ومشاركة الأصدقاء لتقاسم بدل الإيجار. ويواجه البعض مشاكل لإيجاد مسكن يناسب قدراتهم المادية، عدا عن رفض العديد من أصحاب البيوت تأجيرهم. 

وبحسب دراسة أعدتها الغرفة النقابية الوطنية للباعثين العقاريين، فقد ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 86 في المائة خلال السنوات العشر الأخيرة، وقد ساهم ارتفاع أسعار مواد البناء في زيادة أسعار المساكن سواء المعدّة للبيع أو للإيجار. كما تختلف أسعار المساكن بحسب المنطقة والمحافظة. ويعد قطاع العقارات في تونس من بين أكثر القطاعات غير المنظمة أو غير المراقبة، ولا تراعي الأسعار القدرة الشرائية للمواطنين، سواء الراغبين في شراء مسكن أو استئجاره.  
ولا يتقيّد غالبيّة من يعدّون مساكن للإيجار بالإجراءات القانونية وتوقيع عقود مع المستأجر مخافة دفع الضرائب. لذلك، يؤجر غالبيتهم بيوتهم بأسعار متفاوتة لا تناسب حجم البيت أو مكانه، ولا تراعي قدرة المواطن لا سيما الطلاب والشباب منهم.

المساهمون