شباب العراق يرتدون الزي العربي

11 ديسمبر 2021
شاب يرتدي الزي العربي في العراق (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

ظل الزي العربي التراثي محصوراً، خلال العقود الماضية، في مناطق غربي وجنوبي العراق وفي الأرياف، كما يلاحظ ارتداؤه خلال المناسبات، لكنه بات يشاهد مؤخراً بشكل متكرر في الشوارع، رغم ما عُرف عن الشباب العراقيين من الاهتمام بارتداء الأزياء الحديثة.
وللزي العربي التقليدي أهمية كبيرة عند المواطنين العراقيين، وبينما اعتاد غالبية من يسكنون المدن على ارتداء الملابس الحديثة المتمثلة في البنطلون والقميص خلال يومياتهم وأعمالهم، إلا أن كثيرين منهم يعودون لارتداء الزي العربي بعد تقدمهم في العمر لاعتقادهم بأنه يمنح الوقار والهيبة.
وحالياً، يشاهد كثيرون من الشباب الذين يرتدون هذا الزي، وأحياناً مع إضافات جمالية للثوب تشمل نقوشاً وتصاميم جديدة، وهم يلقون تشجيعاً من كبار السن الذين يرون ضرورة الحفاظ على هذا الزي المتناقل عبر الزمن والمتوارث عبر الأجيال. كما يلاحظ الانتشار المتزايد لعرض الزي التقليدي في أسواق المدن، فضلاً عن المحال المتخصصة في بيعه.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

يدير عمار الدهلكي محلاً للأزياء الرجالية، ويقول لـ"العربي الجديد" إنها مهنة عائلته، وإن والده وأعمامه يملكون محال لبيع الملابس الرجالية منذ ستينيات القرن الماضي، وورث هو وأشقاؤه وأبناء عمومته المهنة منهم.
يقول الدهلكي: "رغم أن عائلتنا لم تعمل سابقاً في بيع الألبسة الشعبية التقليدية، لكن قبل بضعة أعوام بدأنا بيعها في محالنا، وأحد أبناء عمومتي افتتح محلاً مخصصاً للأزياء التقليدية، يبيع فيه كل ما يتعلق بها، مثل الدشداشة والعباءة والعقال والغترة والأشمغة (أغطية الرأس) بأنواعها المختلفة".
وأوضح أن "هناك طلباً كبيراً على هذا الزي، خاصة الدشداشة الحديثة التي تضم نقوشاً جذابة، فضلاً عن الاهتمام بالألوان التي لم تكن معروفة سابقاً، كما أن هناك طلباً كبيراً على الدشداشة باللون الأحمر، وباللون الأزرق الداكن، واللون الأخضر الغامق، وأيضاً الدشداشة ذات اللونين، وهناك ابتكارات عديدة في الألوان والتصميمات، وهذا دليل على وجود إقبال كبير من الشباب، إذ لا يرتدي هذه التصاميم الحديثة سوى الشباب، فكبار السن يفضلون الثوب التراثي التقليدي".
"إنه جميل" عبارة يختصر بها غالبية الشباب الإجابة لمن يسألهم حول سر الاهتمام بارتداء الزي العربي التقليدي، ويقول العشريني مؤنس الحردان، لـ"العربي الجديد"، إنه فضلاً عن كون الثوب العربي جميل المظر، فإنه يشعره بالهيبة، ويجبره على أن يكون أكثر رزانة في تصرفاته.
يتابع الحردان أنه مثل غالبية أقرانه كثير المزاح، ولا تخلو تصرفاته من طيش، لا سيما إن كان بصحبة رفاقه، مستدركاً "لكن كل تلك الصفات تختفي عندما ارتدي الزي العربي. أحترم هذا الزي، ولا أعرف لماذا تحديداً. ربما لكونه يمثل قيمة، إذ أشعر حين أرتديه كأن رقيباً يتابع تصرفاتي".
ويعد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي من بين أبرز مشجعي ارتداء الزي العربي التقليدي، وهذا ما تكشف عنه أحاديث الشباب العراقيين عبر تلك المواقع، فكثيرون يستخدمون صوراً بالزي العربي لحساباتهم عليها، ما يحبب كثيرين في ارتداء هذا الزي، بالإضافة إلى أن ارتداء المطربين له في أغانيهم يشجع الشباب على الاقتداء بهم.

يعتقد كبار السن أن ارتداء الزي التقليدي يفرض قيودا (أحمد الربيعي/فرانس برس)
ارتداء الزي التقليدي يفرض قيوداً (أحمد الربيعي/فرانس برس)

ويؤكد طالب الجامعة أوس شاكر، لـ"العربي الجديد"، أن إعجابه بمغن كان يرتدي الزي العربي التقليدي في إحدى أغانيه هو ما دفعه إلى ارتداء هذا الزي والتعلق به، وليس فقط الالتزام بارتدائه في المناسبات، مضيفاً أن "المشاهير يدفعون معجبيهم إلى ارتداء الأزياء التي يرتدونها، وهذا واضح في مواقع التواصل الاجتماعي، فكثيرون ينشرون صورهم بالزي العربي، ومن هنا تبدأ مرحلة التقليد سريعا".
لكن أوس، مثل غيره من الشباب الذين تحدثوا إلى "العربي الجديد"، يؤكد أن ارتداء الزي التراثي لن يكون وقتياً مثل ما هو الحال مع ظواهر كثيرة، يتأثر بها الشباب فترات زمنية محددة ثم تختفي، والسبب، وفق قولهم، أن هذا الزي موجود منذ القدم، وأنهم يحبونه لأنه زي أبائهم وأجدادهم، كما يمثل هويتهم العربية في بلد ما زال للقبيلة دور مجتمعي بارز فيه.
في المقابل، تنتاب فئة من العراقيين مشاعر متباينة حين يرون الشباب يرتدون الزي الموروث، وخصوصاً كبار السن وزعماء القبائل ووجهاءها، الذين يرون أن لهذا الزي مكانة عظيمة، وأن هذه المكانة تفرض التزامات على من يرتديه.
يقول الشيخ عبد العظيم الكربولي، عضو مجلس شيوخ عشائر بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "للزي العربي هيبة ورمزية كبيرة، وعلى الرغم من الانفتاح الكبير والسريع الذي يشهده العالم، وينخرط فيه الشباب العراقي بشكل أكبر من بقية الفئات العمرية، فإن شبابنا ما زالوا يهتمون بالزي الذي توارثناه، وسيورثونه للأجيال القادمة، وهذا يسعد شيوخ العشائر وكبار السن".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وللزي التقليدي العربي دلالات شعبية، فحين يخلع الرجل عقاله وشماغه في مجلس، فإنه واقع في مشكلة، ويطلب من المجلس حلها، وحين يلبس كبير المجلس العقال والشماغ، فهذا يدل على أنه قد لبى النداء، ومن يأتي عند قوم ليمسك طرف شماغ كبيرهم ويعقده، فإنه بذلك يطلب حمايته، وهذا مثل طلب اللجوء الإنساني أو السياسي في وقتنا الحاضر، ومن العادات أن يخلع القوم عقالاتهم حين يطلبون الثأر، ولا يعودون إلى لبسها إلا بعد الأخذ بثأرهم.

المساهمون