شباب العراق إلى "العتالة"

شباب العراق إلى "العتالة"

04 يناير 2021
تتعدد أساليب العمل (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

باتت مهنة الحمّال المعروف بـ"العتّال" ملجأً كثير من الشبان العراقيين، حتى الجامعيين منهم والموظفين، مع تفاقم الأزمة المالية وارتفاع نسبة البطالة

لم تعد مهنة الحمّال (العتّال) تقتصر على شريحة الشباب الذين لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم والحصول على شهادة جامعية أو وظيفة في القطاع الخاص أو العام. حالياً، يلجأ الكثير من الجامعيين والموظفين الذين تتأخر رواتبهم، إلى هذه المهنة مع استمرار الأزمة المالية التي خلفتها جائحة كورونا منذ مطلع العام 2020.

وتعد مهنة العتّال من المهن القديمة التي تتطلب قوة بدنية وصبراً. وغالباً ما يعمل فيها فقراء من أجل كسب لقمة عيشهم. إلا أن الحال في العراق يختلف كون هذه المهنة تتطلب رأس مال، وتعتمد على قدرة العتّال على تحمّل الأوزان وحمل البضائع من الأسواق إلى السيارات.
ولهذه المهنة أعرافها وقوانينها. ففي كل سوق، وتحديداً الأسواق التي تُباع فيها البضائع بالجملة، يكون هناك رجل مسؤول عن مجموعة من الحمالين، ولقبه "رئيس الصنف"، وهو أحد أقدم العتالين، ويتولى توزيع الحمالين الآخرين في السوق بحسب الحاجة، وحل غالبية المشاكل التي قد تحدث بين عتال وآخر، بالإضافة إلى متابعة كل تفاصيل المهنة. ويعمل وفق الأعراف ولا يملك أي أوراق قانونية تثبت دوره. 

الصورة
شباب يعملون في العتالة - العراق (العربي الجديد)

وشهدت الأشهر الأربعة الماضية زيادة في عدد العتالين في مختلف الأسواق العراقية، بحسب عضو نقابة العمّال حميد العزاوي. ويقول لـ "العربي الجديد" إن النقابة رصدت ارتفاعاً في عدد العتالين في أسواق الحلة وبغداد وكربلاء، وهذه الزيادة ليست اعتباطية بل تدل على توجه الشباب وحتى الموظفين منهم إلى هذه المهنة بسبب الأزمة المالية وتأخر الرواتب.
ويشير العزاوي إلى أن أعداد الملتحقين بالمهنة تزداد من سنة إلى أخرى، ويلجأ إليها الشباب المتخرجون من الكليات والمعاهد، علماً أنها تخلّف إصابات كثيرة. ويوضح أن هناك الكثير من الشبّان الذين لا يملكون أي مهنة غير هذه، وبعضهم لا يقدر على حمل الأوزان الثقيلة، ما يؤدي إلى إصابات في الظهر والأكتاف والأيدي، و"هذا أمر مؤسف بكل تأكيد".
ويطلق العراقيون تسمية "الحمالة" على هذه المهنة. ويلجأ بعض العتالين إلى استخدام عربات الدفع أحياناً. أما في المناطق الشعبية، فتُستخدم الحمير والبغال والخيول، ما يؤدي إلى حدوث مشاكل مع أصحاب السيارات وعربات التوك توك و"الستوتات" (دراجة ثلاثية العجلات تستخدم لنقل البضائع).
من جهته، يقول علي سمران وهو من بغداد، إنّه "تخرج من كلية الزراعة عام 2012، لكنه لم يجد فرصة عمل رغم محاولاته الكثيرة، وقد عُرض عليه الالتحاق بأحد الأحزاب لقاء تعيينه لكنه رفض. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه يعمل عتالاً منذ سبع سنوات في سوق الشورجة، ويحصل في اليوم الواحد على نحو 25 ألف دينار عراقي (نحو 20 دولاراً أميركياً) من التجار والزبائن".
يضيف سمران أن "الأزمة المالية زادت أعداد العتالين في سوق الشورجة وسط بغداد، كما أدت إلى تراجع القدرة الشرائية في السوق، ما أدى إلى تكدس البضائع"، منتقداَ أداء الحكومة العراقية. ويرى أنها "فشلت في احتواء الخريجين في الدوائر الحكومية، ولم تعمل على تقوية وتطوير القطاع الخاص والشركات والمصانع والقطاع الزراعي".

الصورة
شباب يعملون في العتالة - العراق (العربي الجديد)

من جهته، يعمل فاضل الموسوي عتالاً منذ 15 عاماً في مدبنة بابل. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه ورث المهنة عن أبيه، وهي مهنة العائلة. كما يعمل شقيقه وأولاده في المهنة التي لا تتطلب جهداً عقلياً أو رأس مال، ويمكن لأي شخص العمل فيها، شرط أن يتمتع بصحة جيدة وقوة بدنية. ويوضح أن "أصحاب الشهادات يملؤون الأسواق. لكن البعض يعجز عن الاستمرار فيها فيتركها بعد أسبوع أحياناً. 
ويقول إنه "لا يرفض أي مبلغ يعطى له من التجار أو الزبائن في السوق، على عكس السنوات السابقة التي كانت تعتمد فيها تسعيرات خاصة لكل حمولة وبحسب المنطقة. على سبيل المثال، فإن حمل كيس من الأرز يختلف عن حمل نوع مختلف من البضاعة. ويلفت إلى أن الأجور تختلف من سوق إلى آخر، ولكن معدل الأجر اليومي الذي يحصل عليه العتّال هو 30 ألف دينار (نحو 25 دولار أميركي). "وفي بعض الأحيان نعود أدراجنا إلى البيت من دون أي أجر".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، يحمّل رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان، رعد الدهلكي، الحكومات العراقية بعد عام 2003 مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي والتغيرات المجتمعية في البلاد، مؤكداً في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن اتساع رقعة الفقر وزيادة نسبة البطالة تتحمله الحكومة. يضيف أن لجنة العمل سعت أكثر من مرة، وبالتنسيق مع وزارة العمل والمنظمات المدنية، إلى حل هذه الأزمة من خلال طرح مجموعة من المشاريع المبتكرة وفتح أبواب المصانع المغلقة، علماً أن بعضها يحتاج إلى مال قليل للصيانة. "إلا أن جهات سياسية تعمل على عرقلة أي حراك وطني جاد لحل أزمة البطالة في البلاد".

المساهمون