سياسة "صفر كوفيد" خلّفت اضطرابات نفسية في الصين

سياسة "صفر كوفيد" خلّفت اضطرابات نفسية في الصين

05 فبراير 2023
لم ينج أحد من قيود مكافحة كورونا (فرنون يوين/فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت دراسة صادرة عن الجمعية الصينية للصحة النفسية أن نحو 48 في المائة من سكان المدن والمناطق الحضرية التي خضعت لإجراءات العزل والحجر الصحي خلال تفشي جائحة كورونا، عانوا من اضطرابات نفسية واجتماعية متفاوتة بسبب طول أمد الأزمة.

كما أظهر مسح أعده مركز خوبي للدراسات الاجتماعية أن 35 في المائة ممن استُطلعت آراؤهم في مدينة ووهان، بؤرة انتشار الوباء، اعترفوا بأنهم زاروا عيادات للاطمئنان على صحتهم النفسية بعد رفع القيود عن المدينة وعودة الحياة فيها إلى حالتها الطبيعية. 
ويرى خبراء أن سلسلة الاحتجاجات غير المسبوقة في العديد من المدن والجامعات الصينية خلال الأسابيع التي سبقت إلغاء سياسة "صفر كوفيد"، كانت مؤشراً على أن الإجراءات الصارمة لم تعد مقبولة، وفاقت التكاليف الاجتماعية لها فوائدها الصحية. ويفيد هؤلاء بأن الاضطرابات الراهنة وحالة عدم اليقين علامة على أن تلك السياسة أثرت بشكل خطير على حياة الناس، وأن إجراءات الإقامة الجبرية، والعزلة الاجتماعية، والوحدة، خلقت مشاكل صحية وتركت ندوباً ستبقى آثارها على المجتمع لعقود.
تقول يو تسانغ، وهي طالبة في جامعة ووهان للتكنولوجيا، لـ"العربي الجديد": "لا شك أنّ هناك الكثير من الندوب على المستوى الشخصي. عانيت من اضطرابات نفسية شديدة أثناء فترات الحجر الصحي المتقطعة التي فرضت على الطلاب خلال الأعوام الثلاثة الماضية. كنت أشعر باكتئاب شديد وكأن الحياة شارفت على نهايتها. تساءلت مراراً: ما جدوى الدراسة إذا كان سينتهي بنا المطاف في عزل قسري، وماذا يعني أن تكون الصين قوة اقتصادية لكن شعبها لا يقوى حتى على التنقل. لم تكن هناك أي بارقة أمل، وكنت أشعر بأن العالم مدمر، والصين وحدها تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، أو هكذا كان يخبرنا الإعلام الرسمي".
ويقول جي رونغ، وهو طالب يدرس في جامعة شنغهاي، إنه خلال الوباء، انتحر ثلاثة طلاب في المدينة، وكان اثنان منهم يعانيان من اكتئاب شديد، ويضيف لـ"العربي الجديد": "حاول آخرون الانتحار ولم ينجحوا. في الحقيقة، كنا جميعاً نعاني من مشاكل بسبب ضبابية المعلومات المتاحة بشأن الحالة الوبائية، وطول أمد الأزمة، وإجراءات الحجر المتكررة التي كانت تصل في بعض الأحيان إلى قرابة 40 يوماً".
ويوضح طبيب الصحة النفسية لين وي، لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن أحداً نجا من تداعيات استجابة الدولة لمكافحة الوباء. هناك شعور عام بحالة من الصدمة النفسية. فبعد إلغاء السياسة الحكومية في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اندفع الناس بشكل غير مسبوق إلى الانخراط مجدداً بالحياة، وكأنهم يختبرون قدرتهم على التعايش من جديد بعد فترات طويلة من العزلة والوحدة والخوف من المجهول. في أعقاب رفع القيود وعودة الحياة نسبياً إلى طبيعتها، بدأت تبرز مشاكل صحية واجتماعية خطيرة، وكأطباء لمسنا ذلك من خلال المراجعين والأبحاث الطبية التي كشفت عن العديد من التحولات في سلوك الأفراد". 

الصورة
ما زال هناك خوف بسبب تفشي كورونا في البلاد (كيفين فراير/ Getty)
ما زال هناك خوف من تفشي كورونا في الصين (كيفين فراير/Getty)

ويوضح وي أن "فئة من الناس أعادت النظر في علاقتها مع الآخرين بسبب الصدمات والشعور بأنها واجهت التحديات وحدها، وأن أحداً لم يساندها ويقف معها، وبالتالي خلقت الجائحة أزمة ثقة لدى هؤلاء، وبات من الصعب عليهم التصرف والتعامل مع المجتمع خارج إطار الأزمات التي عصفت بهم".

وعن الاضطرابات التي يعاني منها المجتمع والفئة الأكثر تضرراً، يقول: "على المستوى الصحي، يعد الاكتئاب عاملاً مشتركاً بين الجميع، ومعظم المراجعين يعانون من مشاكل لها علاقة بالوحدة والعزلة، كما أن نسبة الانتحار وصلت إلى معدلات غير مسبوقة، ما يشير إلى أي حد أحكمت الأزمة قبضتها على المجتمع. نسبة كبيرة من المنتحرين هم من المراهقين، كما أن الشباب يستأثرون بنسبة كبيرة ممن حاولوا الانتحار ولم ينجحوا. وهناك مشاكل أخرى تتعلق بالصحة العقلية بسبب فترات العزلة الطويلة، وخصوصاً بين الطلاب الذين عاشوا الأزمة بعيداً عن أهلهم وذويهم".

وصدر إخطار رسمي قبل أيام عن السلطات المحلية في مقاطعة جيانغ شي بشأن استئناف عمليات الفحص الجماعية بعد نهاية عطلة رأس السنة الصينية، ما أثار مخاوف كبيرة من تجديد القيود على السكان، فاضطرت الحكومة إلى سحب الإخطار في وقت لاحق، وتوضيح أن أي فحوص مستقبلية ستكون اختيارية، وأن الهدف هو مراقبة الحالة الصحية للناس بعد الرحلات المليونية التي شهدتها البلاد.

لكن مراقبين اعتبروا الخطوة تأكيداً على استمرار تخبط السلطات، وقالوا إن الأمر من شأنه أن يطيل حالة عدم اليقين لدى المجتمع الصيني، وبالتالي استمرار تداعيات سياسة "صفر كوفيد" حتى بعد إلغائها.

المساهمون