سوريون ناجون في تركيا: كأنه يوم القيامة

07 فبراير 2023
جرى نعي مئات من السوريين في تركيا (كان إروك/ فرانس برس)
+ الخط -

مع بدء رفع أنقاض المباني المتهدمة غداة كارثة الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، بدأت مآسي السوريين تظهر توالياً بالتزامن مع تعاظم أوجاع أحوال الناجين ما بعد الكارثة. 
وتقدّر مصادر سقوط مئات السوريين بين آلاف الوفيات المسجلة، في حين تجاوز عدد الجرحى العشرين ألفاً، وعدد المباني المدمرة 5775. وهذه الأرقام تزداد ساعة بعد أخرى بحسب الأرقام التركية الرسمية.
يروي الصحافي محمد حاج بكري لـ"العربي الجديد"، لدى توجهه من إسطنبول إلى ولاية أنطاكيا بعدما تبلغ خبر وفاة أفراد كثيرين من عائلته بالزلزال: "ألمي أكبر من أن يوصف، مات أخي وأولاده الثلاثة، وكذلك أختي وولدها تحت الأنقاض". يضيف وشهقات البكاء تغالب صوته: "تهدم البناء الذي تسكن فيه عمتي فقضت تحته مع 13 سورياً أقاموا عندها بعدما عزوها بوفاة زوجها قبل يومين. وأشكر الله أن أمي وأبي كانا خارج هذا المبنى المنهار، وهما في صحة جيدة كما قيل لي، وأنا ذاهب لأرى".

ونعى آلاف من السوريين في تركيا أهلهم وذويهم الذين قضوا في الزلزال المدمر، والذين كان من بينهم نشطاء حملوا لواء الثورة السورية، وتصدروا شاشات المحطات التلفزيونية للدفاع عنها، ومنهم القاضي محمود الخليل الذي قضى مع أفراد من أسرته تحت الأنقاض، والروائية اللبنانية دلال زين الدين وغيرهم.
من ولاية عثمانية جنوبي تركيا، يخبر عمر جميل "العربي الجديد" قصص ضحايا سوريين تأكدت وفاتهم بعد رفع الأنقاض، ويقول: "حاول السوري مصطفى أحمد غزال من مدينة سرمين بريف إدلب النجاة مع عائلته، فأخرج زوجته وابنتيه وهمّ بالخروج حاملاً طفلته الصغرى وطن البالغة عامين والتي كان متعلقاً بها كثيراً، لكن المبنى انهار وسقط عليه حين تواجد أمام الباب فقضى في حين نجت ابنته وطن التي انتشلناها على قيد الحياة".
ويختصر جميل المشهد بالقول: "كأنه يوم القيامة. شعرنا ونحن نائمون بأن المباني تهتز. هرب الجميع بسرعة إلى الشارع، ثم بدأت المباني تتصدع وتنهار. رأيت مشاهد موجعة لن أنساها ما دمت حياً. صرخنا وطلبنا النجدة وحاولنا سحب بعض العالقين، لكن هول الحدث وشدة الزلزال كانا أكبر بكثير من قدراتنا وإمكاناتنا المحدودة، وقد جعلتنا الصدمة مثل المجانين، نصرخ ونركض في كل اتجاه من دون تحديد هدف، لكننا ساعدنا أيضاً أطفالاً كثيرين وأبعدناهم عن الموت".

رأى الناجون مشاهد موجعة (كان إروك/ فرانس برس)
رأى الناجون مشاهد موجعة (كان إروك/ فرانس برس)

من بلدة الإصلاحية في ولاية غازي عنتاب التي سبق أن ضمت مخيمين للاجئين السوريين، تحدث محمد ابراهيم شحود لـ"العربي الجديد" عن كارثة شملت تهدّم عشرة مبانٍ في حي جلّ من فيها سوريون، علماً أن قائمة الضحايا ضمت كل أفراد أسرة ابن عمه عماد شحود. ويصف حالات الضحايا بأنها "مؤلمة إذ تهشمت بعض الجثث"، ويقول إن شقيق عماد الأكبر، صفوان، آثر نقل الضحايا المتوفين لدفنهم داخل سورية.
وفي مكان آخر يقول رضوان عبد الرزاق الذي توفي ولدان وابنتان من عائلة ابنه وزوجة ابنه أيضاً تحت الأنقاض لـ"العربي الجديد": "لا يعلم ابني محمد حتى الآن خبر وفاة أسرته، إذ يقبع مع ابنه الناجي في المستشفى، ونحن نصّبره ونقول له أن جميعهم بخير ويتلقون العلاج".

وصف ناجون الزلزال بأنه "يوم القيامة" (محمد علي أوجكان/ فرانس برس)
وصف ناجون الزلزال بأنه "يوم القيامة" (محمد علي أوجكان/ فرانس برس)

ويقول سوريون آخرون لـ"العربي الجديد" إنهم "رأوا الموت، ونجوا بأعجوبة". يروي محمد الحسين من نيزب بولاية غازي عنتاب أنه استيقظ مع أسرته على صوت تهاوي أثاث المنزل واهتزاز جدران البناء، فحمل طفليه بعدما أنذر زوجته، ويقول:  "صرخت بقوة فهرع الجميع إلى خارج المبنى الذي تصدع ولم يسقط".
يضيف: "لم نجرؤ على العودة إلى المبنى منذ تلك اللحظة، علماً ان البلدية حذرت من عدم الدخول إلى البيوت المتصدعة". ويشير إلى أن مئات من السوريين قضوا ليلتهم في مزرعة تقع على طريق فرعي، كما بات مئات من الناجين ليلتهم داخل سيارات أو في حدائق عامة".

ومن أنطاكيا يتحدث السيد جمال لـ"العربي الجديد"، عن أنه نجا بأعجوبة بعدما تهدم فندق دوار الهوندا الذي يقع عند مدخل الولاية، ويقول: "شعرت كأنه يوم القيامة. كل شيء اهتز وتداعى حولي. لم يبقَ إلا بعض الجدران فبدأت أصرخ، وسمح بعض النزلاء  صوتي فانتشلوني قبل ان ينهار المبنى كله".
ويتحدث رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل من مرسين لـ"العربي الجديد" أنه صحا على اهتزاز بيته، ويقول: "نقطن في الطابق 13 وكانت شدة الاهتزاز مرعبة. هرعت إلى تحت عمود عارضة الباب، وبدأت في الصراخ والتكبير لتصحو زوجتي والأولاد. لم أستطع الذهاب لإيقاظهم بسبب دوار أصابني، ثم جلسنا تحت الطاولة حتى توقفت الهزة وهرعنا جميعاً إلى خارج البناء". ويشير قرنفل إلى أن أكثر من مليوني سوري يعيشون في الولايات العشر التي طاولها الزلزال، ويقدر عدد القتلى السوريين بنحو 400 كحد أدنى حتى الآن.

المساهمون