سلامٌ... لا أكثر

سلامٌ... لا أكثر

12 ديسمبر 2020
مساعدة في إعادة ترميم البيوت بعد انفجار مرفأ بيروت (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

في كلّ مرة أنوي فيها الخروج من المنزل، أحارُ في ما إذا كان من الأفضل إغلاق النوافذ أو تركها مفتوحة. ثوانٍ تنقلني من مزاج يستعدّ للعيش إلى آخر يودّع مدينة وناساً كانوا فيها يوماً. فبعض الأشخاص الذين تركوا نوافذهم مفتوحة نجوا، بشكل أو بآخر، من تحطّم الزجاج يوم انفجار مرفأ بيروت.
---
... وإذا ما احتسبنا نوعيّة أيّام حياتنا في لبنان مع ما أطلقنا عليه "عدّاد كورونا"، سنكتشف أنّ الرقم اليومي الذي يُظلّل رؤوسنا لا قيمة له. ألفٌ، أقلّ أو أكثر، لن يُحدث فرقاً في حجم الألم الذي نشعر به. "فلاش باك"... الأيام نفسها تتكرّر. ننظر إلى الوراء فنرى حرباً أهلية والكثير من الموت. الماضي يقنعنا بأن كورونا مجرّد مزحة. الأرقام المرتفعة لا تدفع الناس إلى اتخاذ الاحتياطات، كما يُفترض، فالماضي أسوأ كما هو المستقبل. الجميع يرى ذلك وينتظر. وفي فترة الانتظار حرائق وتفجيرات هنا وهناك. وللتخفيف من الإحباط، نُحمّل عام 2020 المسؤولية. نُتابع الحرائق تُلاحق بعضها البعض، وكأنّها عدوى ضحك. ونتفرّج على الانفجارات تتتوالى وكأنّها حكاية من أجزاء عدة ستُروى للأطفال. 
---  
الخارج لم يعد كما هو. لا الأماكن ولا الناس. وحتى الأمكنة الجديدة التي عثرنا عليها وسط الركام، نُعاملها كحاضر فقط. هكذا علّمنا انفجار مرفأ بيروت. وقد تأخرنا. كان يفترض بنا أن نتعلم ذلك قبل وقت طويل، لكن جلّ من لا يخطئ. ثم حدث الانفجار ليتغلغل في كل حواسنا. واليوم، يعيش معنا في تفاصيلنا، جارّاً وراءه تفاصيل بشعة بدوره. وما يليه من انفجارات أو حرائق هنا وهناك، تتكوّر وتلحقه وتلحقنا. لكنّنا تعلّمنا أن نعيش، وألّا نُفكّر في اللحظة المقبلة، قبل أن نقول في الغد. نحنُ فقط الآن، وعلينا الاستجابة للتعبير الإنكليزي (دلّل نفسك) لأن الضمانة الوحيدة في الحياة هي اللحظة، ووجودنا فيها. 

موقف
التحديثات الحية

حتى التفاصيل الشخصيّة التي كادت أن تنهش روحنا، باتت تُدرك أن وجودها بات مهدّداً هنا، في هذا البلد، وفي هذا المشرق، فتراها تغيب كثيراً لتطل بين فترة وأخرى...
---
أبتسم اليوم. وأحمل هذه العبارة: "لن يحدث أسوأ ممّا حدث". نعم: "لن يحدث أسوأ". أنظر إلى تفاصيل صغيرة أحبّها... بعض من ثيابي التي أحتفظ بها، والكثير من الصور، وأوراق لا قيمة لها... وغيرها. أطمئنّ على من حولي من الذين أحبهم، وأتابع مثلما يتابع الآخرون. لا أنتظر ماذا قد يحدث. لا أفكّر أصلاً. أتابع وأستحضر أولئك الإيجابيين. حين أخرج من البيت، أفكّر في ذلك السلام الداخلي، فلم يعد هناك شيء مضموناً.

    
 

المساهمون