درعا البلد... ألم وخوف ومصير مجهول

درعا البلد... ألم وخوف ومصير مجهول

02 اغسطس 2021
الوضع مقلق هنا (محمد أبازيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

منذ نحو شهر، تفرض قوات النظام السوري حصاراً خانقاً على حيّ درعا البلد، وغيره من أحياء مدينة درعا. وقد عمدت إلى قطع الطرقات ورفع سواتر ترابية لفصل تلك الأحياء عن باقي أحياء المدينة، وسط خوف من الجوع والمجازر.

بعدما فشل النظام السوري في إخضاع أهالي الأحياء المحاصرة في مدينة درعا الواقعة بالجنوب السوري، حيث انطلقت شرارة الثورة في 18 مارس/ آذار من عام 2011، لجأ إلى سياسة "الجوع أو الركوع" لحصار سكان هذه الأحياء لا سيّما حيّ درعا البلد لما له من خصوصية، فاعتقال الأطفال الذي أشعل الثورة وقع فيه.

وأطبق النظام حصاره على تلك الأحياء في الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، لتبدأ قصة تجويع وتضييق للخناق. فبعد قطع الطرقات الرئيسية، رفعت قواته سواتر ترابية عند منافذ قد يستخدمها المحاصرون للحصول على الطعام وحليب الأطفال والأدوية وغير ذلك. وقد تمترس خلف تلك السواتر قنّاصون راحوا يستهدفون كلّ من يحاول تجاوز المنافذ. على الرغم من ذلك، فإنّ الأهالي يبدون صامدين منذ بدء الحصار عليهم وحتى يومنا، في وجه الجوع والموت.

ويستمر الحصار وكذلك محاولات النظام لإخضاع الأهالي، بحسب ما يؤكد الناشط الحقوقي في "تجمع أحرار حوران" عاصم الزعبي. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أحياء درعا البلد وطريق السد ومخيم درعا ما زالت تحت رحمة الحصار، من قبل الفرقة الرابعة من جهة درعا البلد ومن قبل الفرقة التاسعة والاستخبارات الجوية من جهة مخيم درعا والمنطقة الصناعية. كذلك فإنّ ثمّة عوائل تعيش أوضاعاً سيئة من الحصار في مناطق تابعة لهذه الأحياء وهي تلّ السلطان في منطقة غرز وطريق غرز درعا ومنطقة النخلة، وشرقي سد درعا، إلى جانب 100 عائلة تسكن منطقة الشياح وأخرى تقيم في منطقة الخشابي إلى الجنوب من جمرك درعا القديم".

الصورة
طفل سوري ودمار في درعا (محمد أبازيد/ فرانس برس)
(محمد أبازيد/ فرانس برس)

يضيف الزعبي أنّ "العائلات في الأحياء المحاصرة مهددة على الدوام بمخاطر مختلفة، منها إطلاق النار العشوائي بالأسلحة الخفيفة والمضادات الأرضية والقصف المتقطع بقذائف الهاون والاعتقالات التعسفية والإعدامات الميدانية وسرقة المنازل". ويشير إلى أنّه قبل أيام، "في التاسع والعشرين من يوليو/ تموز المنصرم، دخلت مجموعة تابعة للفرقة الرابعة إلى منزل أحد المدنيين ويدعى مأمون عدنان المصري. وبعدما سرقت محتويات المنزل، عمدت إلى إعدامه ميدانياً". ويتابع أنّ "العائلات التي تمكنت من مغادرة الأحياء المحاصرة تعرّضت إلى مضايقات من عناصر الفرقة الرابعة، أقلّها الشتم والتدقيق الأمني الكبير وملاحقة المتخلفين عن الخدمة العسكرية". ويوضح الزعبي أنّ "بعد ظهر أوّل من أمس السبت، 31 يوليو/ تموز، بدأت عائلات نازحة بالعودة إلى درعا البلد عبر حاجز السرايا بعد تطمينات من لجنة التفاوض وتحت إشراف اللواء الثامن المسؤول عن الحاجز. وفي الواقع، فإنّ هذه العائلات فضّلت العودة خوفاً من الاعتقالات. وعلى سبيل المثال، اعتقلت الأجهزة الأمنية أمس الأحد امرأة وابنتها في أحد المنازل في حيّ الكاشف، وكذلك ثلاثة رجال من بينهم منشقّ عن جيش النظام".

ويكشف الزعبي أنّ "الأمم المتحدة لم تضطلع بأيّ دور منذ بداية الحصار على درعا البلد ولم تقم بأيّ خطوات عملية لحماية المدنيين، عدا عن إصدارها بياناً يوم الجمعة الماضي لم يتضمّن إلا إعراباً عن القلق ممّا يجري". ويقول الزعبي في هذا الإطار إنّ "حماية المدنيين خلال النزاعات أمر يقع على عاتق الأمم المتحدة وهيئاتها بحسب ميثاق المنظمة واتفاقيات جنيف، لا سيّما المادة الثالثة المشتركة بين هذه الاتفاقيات التي تنصّ على ذلك. كذلك لم تتّخذ أيّ دولة عضو في مجلس الأمن أيّ خطوة بدعوة المجلس لمناقشة ما يجري على الرغم من عدم التفاؤل بأيّ دور له بسبب الانقسام في الرأي بين الدول دائمة العضوية والذي أثّر بشكل كبير على استمرار الانتهاكات والجرائم في سورية. وهذا ما يؤكد عدم قدرة الأمم المتحدة على ممارسة دورها المطلوب".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويوضح الزعبي أنّ "توفّر المواد الغذائية انخفض بشكل كبير خلال الحصار، وقد ازداد الأمر سوءاً في خلال العملية العسكرية التي نفّذها النظام السوري، لا سيّما أنّ الطرقات المؤدية إلى الأحياء المحاصرة مغلقة بشكل كامل ما عدا طريق السرايا الذي فُتح (أمس الأحد) لعودة العائلات، من دون أيّ إشارة إلى احتمال إدخال مساعدات غذائية أو إنسانية مختلفة". ويلفت إلى أنّه "يقع على عاتق الروس إدخال هذه المواد، إذ إنّهم القوة الضامنة لاتفاقات التسوية والوحيدون القادرون على الضغط على النظام لإدخال المساعدات في ظل غياب أيّ دور حالي للأمم المتحدة أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر". ويكمل أنّ النقطة الطبية الوحيدة في درعا البلد، أغلقت منذ اليوم الأوّل للهجوم نتيجة استهدافها من قبل قناصّي الفرقة الرابعة. وهو ما دفع إلى نقل الجرحى نتيجة الهجوم إلى مستشفيات درعا المحطة من قبل جمعية الهلال الأحمر السوري، وبإشراف اللواء الثامن المدعوم روسياً. وقبل الهجوم العسكري كان المرضى المحتاجون إلى علاج في المستشفيات يُنقلون بواسطة الهلال الأحمر السوري عبر حاجز السرايا".

من جهته، يقول الصحافي وليد النوفل، ابن مدينة درعا، لـ"العربي الجديد" إنّ "الأيام الثلاثة الماضية كانت الأصعب في ما يتعلق بالوضع الإنساني في الأحياء المحاصرة، بسبب الحملة العسكرية واستهداف النظام النقطة الطبية الوحيدة والانقطاع التام للمياه والكهرباء. والأهالي لا يملكون حالياً أيّ مصدر للطعام إلا ما يتوفّر في منازلهم، في حين أنّه غير قادرين على للخروج من المنافذ الفرعية لأحيائهم لتأمين ما ينقصهم بسبب الحصار".

والمخاوف الحالية هي استمرار الحملة العسكرية والقصف العنيف الذي قد يتسبّب في مجازر بتلك الأحياء، بالإضافة إلى دخول الميليشيات إليها. كذلك، من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تهجير الشباب من تلك الأحياء المحاصرة، لا سيّما درعا البلد.

الصورة
جرار في درعا في سورية (محمد أبازيد/ فرانس برس)
(محمد أبازيد/ فرانس برس)

سمية الخالد من سكان درعا البلد، واحد من هؤلاء الذين لا يستطيعون إخفاء مخاوفهم. تصف لـ"العربي الجديد" ما يجري الآن بأنّه "مأساة" لا سيّما أنّ "المحاصرين في المنطقة بالكاد يحصلون على المياه". وتقول: "من تمكّن من الخروج قبل القصف نجا بأطفاله وعائلته. فنحن لم نتمكّن من النوم منذ بدء القصف وإطلاق النار، إذ صوت الرصاص والقذائف لا يحتمل"، مضيفة أنّ "أحداً لا يعلم حجم الخوف الذي يعيشه الأطفال معنا. فالقصف لم يهدأ قط، في حين يشتد إطلاق نار الرشاشات الثقيلة التي بتنا نميّز أنواعها مع مغيب الشمس". وتتابع الخالد: "لا نعلم ما الذي ينتظرنا في الأيام المقبلة. كلّ رجائنا ألا تجتاح قوات النظام حيّ درعا البلد. نحن لم نعد نخشى الموت لكنّ الخوف هو على مصير أطفالنا".

وكان الاتصال بعائلات محاصرة كثيرة في الأحياء التي تتعرض للقصف قد انقطع لعدم توفّر الكهرباء، وسط محاولات النظام المستمرة لتعطيل أيّ وسيلة اتصال بهدف منع إيصال معاناة الناس وما يجري في تلك الأحياء. وفي هذا الإطار، يوضح أبو البراء الحوراني لـ"العربي الجديد" أنّ "نحو 100 عائلة في المنطقة الممتدة ما بين غرز والشياح في حالة يرثى لها، وبالكاد يمكن التواصل معها في الوقت الحالي، وهي تواجه مصيراً مجهولاً مع استمرار القصف".

في سياق متصل، يقول الناشط شادي العلي من درعا لـ"العربي الجديد" إنّ "وضع مياه الشرب في درعا البلد كان سيّئاً حتى قبل القصف والحصار، ويُصار إلى الاعتماد في معظم الأحيان وبشكل شبه دائم على صهاريج مياه الشرب التي تنقلها شاحنات وجرارات. لكنّ تحرّك تلك الآليات صعب في ظل سوء الحالة الأمنية والقصف. بالتالي، لا يستطيع كثيرون الحصول على مياه الشرب، فضلاً عن انعدام بقية الخدمات بما فيها الكهرباء والصحة وغيرهما. في اختصار، الحالة الإنسانية في غاية السوء".

من جهتها، تشكو امرأة تمكّنت من الخروج من حيّ درعا البلد في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، من أنّها لا تعلم ما الذي حلّ ببقية أفراد عائلتها، وقد حاولت أخيراً الاتصال بشقيقها من دون جدوى. تخبر المرأة التي فضّلت عدم الإفصاح عن اسمها: "خرجت رفقة أبنائي وأبناء أشقائي، فيما بقي بعض من أفراد الأسرة في الحيّ المحاصر. وأنا أسمع أصوات القذائف على الدوام". وتؤكد: "أجد نفسي عاجزة، في حين أنّ كلّ ما أريده هو الاطمئنان عليهم ومعرفة ما حلّ بهم، والتأكد من أنّهم على قيد الحياة" مناشدة "المنظمات الدولية بما بقي لديها من إنسانية أن تكشف مصيرهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 50 ألف مواطن سوري مدني يعيشون في الأحياء المحاصرة بمدينة درعا، علماً أن لا نقطة طبية ولا مركز صحياً فيها حالياً. وكانت محافظة درعا قد خضعت لاتفاق تسوية في عام 2018، هُجّر على إثره جزء من السكان إلى الشمال السوري فيما رفضت الغالبية العظمى الخروج.

المساهمون