دبلوماسية الباندا... أول اختراق ثقافي صيني للعالم الخارجي

دبلوماسية الباندا... أول اختراق ثقافي صيني للعالم الخارجي

15 مارس 2022
هدية باندا للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عام 2017 (أليكس شميدت/ فرانس برس)
+ الخط -

يصادف هذا العام الذكرى الـ 50 لتقديم الصين زوجين من حيوانات دب الباندا إلى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون كهدية رمزية للصداقة بين البلدين، وذلك خلال زيارة نيكسون الجمهورية الشعبية عام 1972 التي مهّدت لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ووُضع زوجا الباندا في حديقة واشنطن الوطنية التي بات يتردد عليها مليون زائر على الأقل سنوياً لرؤية هذا النوع من الحيوانات الذي لا يوجد إلّا في الصين. 
أذابت الهدية الرمزية الجليد بين البلدين في أثناء الحرب الباردة، واعتُبرت نموذجاً للذكاء الدبلوماسي الصيني. ثم واصلت بكين منحها لتحقيق مكاسب سياسية مع دول أخرى، وشرعت في تأجير حيوانات الباندا لدول مقابل عقود سنوية تصل إلى مليون دولار، وربطت صورتها أيضاً بعلامات تجارية لشركات محلية عدة، واختارتها أخيراً تميمة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي استضافتها العاصمة بكين في فبراير/ شباط الماضي.

بدأت قصة "دبلوماسية الباندا" حين قرر نيكسون زيارة الصين في 21 فبراير/ شباط 1972، في خطوة تاريخية عُرفت بـ "الأسبوع الذي غيّر العالم"، نظراً للدور الذي لعبته في تعديل ميزان القوى بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حينها. وبينما أجرى نيكسون محادثات مع الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، زارت زوجته بات حديقة الحيوانات في العاصمة بكين، حيث وقعت عيناها للمرة الأولى على حيوانات الباندا، فأبدت دهشتها وإعجابها بها، ما دفع رئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي، إلى تقديم زوجين هدية لها، رمزاً للصداقة.
وفي 20 إبريل/ نيسان من العام ذاته، أي بعد شهرين من زيارة نيكسون للصين، وصل دبا الباندا تشينغ تشينغ، ولينغ لينغ، إلى حديقة الحيوانات الوطنية في واشنطن، واستقبلتهما بات و8 آلاف شخص حضروا لرؤيتهما، رغم الأجواء الماطرة.
وبعدها، أدرك القادة الصينيون مدى تأثير الباندا بعقول الأميركيين، وقدرتها على إظهار صورة غير سياسية للصين في الخارج. ومع اضطراب العلاقات مجدداً بين البلدين، طالب أعضاء جمهوريون في الكونغرس الأميركي إعادة زوجي الباندا إلى الصين، باعتبارهما جزءاً من الدعاية الشيوعية التي "لا يجب أن تسمح واشنطن بها على أرضها".

الصورة
شي جين بينغ وفلاديمير بوتين يشاهدان باندا عام 2019 (أليكسندر فيلف/ فرانس برس)
شي جين بينغ وفلاديمير بوتين يشاهدان باندا عام 2019 (أليكسندر فيلف/ فرانس برس)

تأثير سياسي
ورداً على سؤالين وجهتهما "العربي الجديد" عن كيف تحولت الباندا إلى رمز للقوة الصينية الناعمة، وكيف أظهرت صورة غير سياسة للصين في الخارج، يجيب أستاذ التاريخ السابق في جامعة تايبيه الوطنية، شان وو ليانغ بأنّ "تقديم الباندا هدية إلى الولايات المتحدة شكّل أول اختراق ثقافي صيني للعالم الخارجي قبل بداية الانفتاح التجاري والسياسي. وساعد ذلك بكين في تقديم نفسها بصورة مغايرة خالفت تلك التقليدية التي ارتبطت حينها بالأنظمة الشمولية الصارمة والمغلقة".
ويشير إلى أن "بكين استخدمت لاحقاً الباندا لتلميع صورتها بعد أحداث دموية، في مقدمها مذبحة ساحة تيان آنمن في بكين عام 1989، وحين حصلت اضطرابات عرقية في التيبت وإقليم شينغيانغ ذات الغالبية المسلمة. وحصل ذلك عبر صفقات لتأجير حيوانات الباندا لدول غربية مؤثرة، بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وخلال الانتخابات الرئاسية في تايوان عام 2005، أهدت بكين زوجي باندا إلى الحديقة الوطنية في تايبيه، بهدف التأثير بأصوات الناخبين كي يمنعوا وصول رئيس مؤيد لاستقلال الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجرأ من أراضيها.

علامة تجارية
وبعد نجاح التجربة الأميركية، سعت عواصم غربية عدة لاستضافة الباندا، نظراً إلى العائدات المادية الكبيرة التي يمكن تحقيقها من تهافت الزوار والسياح المحليين والأجانب لرؤيتها، لكن بكين لم تتجاوب إلا مع الدول المتقدمة ذات النفوذ الجيوسياسي، والقادرة أيضاً على تحمّل رسوم تأجيرها، التي تصل إلى مليون دولار سنوياً. 
وقبل تفشي جائحة كورونا نهاية عام 2019، تلقت الولايات المتحدة أكبر عدد من حيوانات الباندا في العالم بـ 11 زوجاً، وتلتها اليابان (9) وكوريا الجنوبية (4)، علماً أنّ الدول الثلاث تعتبر بين أكبر الشركاء التجاريين للصين. 
وللوقوف على مدى تأثير رمز حيوانات الباندا في حياة الصينيين، تكفي معرفة أن ملايين يتابعون قنوات تلفزيونية محلية تبث مباشرة على مدار الساعة من داخل محميات الباندا.  
ويقيم الصينيون مراسم على مستوى الدولة تنقل على الهواء مباشرة للاحتفال بأعياد ميلاد بعض الباندا، وخصوصاً تلك المعمرة، وتشهد تقطيع قالب حلوى وإطفاء شموع وإرسال أمنيات، وهو ما حدث مع الباندا الأنثى باسي، قبل أن تنفق عام 2017 عن 37 عاماً.

ويعتقد مؤرخون أنّ حيوانات الباندا ليست حكراً على الصين، وظهرت للمرة الأولى في فيتنام وميانمار، لكنّ الصين تخفي هذه الحقيقة للإيحاء بأنّها المصدر الوحيد لها. وتفيد مؤسسة "سميثسونيان" الأميركية للبحوث بأنّ أقل من 1900 من الباندا البرية، ونحو 600 من الباندا العملاقة توجد في العالم. 
وفي عام 2016، أعاد الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية، تصنيف الباندا العملاقة من نوع مهدد بالانقراض إلى مجرد نوع معرض للخطر.

المساهمون