تونس: هجرة داخلية لأسباب مناخية

تونس: هجرة داخلية لأسباب مناخية

22 سبتمبر 2021
أرضهما المحروقة سبب موجب للنزوح (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

 

وضع صندوق النقد الدولي تونس من ضمن مجموعة الدول المهدّدة بتنامي الهجرة الداخلية لأسباب مناخية وبيئية، محذّراً من أنّ التغيّر المناخي هو أحد أبرز عوامل الهجرة التي تزداد قوة يومياً بعد يوم. وأوضح في تقرير أخير أنّ التغيّر المناخي الذي يشهده العالم قد يجبر 216 مليون شخص في ستّ من مناطق العالم على الارتحال في داخل حدود بلدانهم بحلول عام 2050، من بينها تونس. وبحسب التقرير، فإنّ تغيّر المناخ يُعَدّ محرّكاً قوياً للهجرة الداخلية بسبب آثاره على سبل كسب عيش السكان وفقدان إمكانية العيش في الأماكن المعرّضة بشدّة إلى المخاطر، مع الإشارة إلى أنّ ذلك قد يمسّ 19 مليون مواطن في دول شمال أفريقيا.

وعلى الرغم من أنّ الهجرة الداخلية في تونس تُفسَّر بأسباب اقتصادية واجتماعية في الأساس، فإنّ عضو منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المتخصصة في الملف البيئي، منيارة المجبري، تقول إنّ الهجرة لأسباب مناخية بدأت تظهر في تونس في غياب أيّ وعي رسمي بذلك. وتوضح المجبري لـ"العربي الجديد" أنّ "المسؤولين في تونس لم يتنبّهوا بعد أو هم يتجاهلون تأثير المحيط الذي يعيش فيه السكان على حركة الهجرة الداخلية في البلاد، مكتفين بتفسيرها بأسباب اقتصادية بالأساس أو البحث عن ظروف عيش أفضل لجهة القرب من الخدمات". تضيف أنّ "العامل المناخي والبيئي سوف يكون مستقبلاً محدداً مهماً في حركة الهجرة الداخلية في تونس"، مشدّدة على "ضرورة وضع الاستراتيجيات اللازمة لتثبيت المواطنين في المناطق المهددة بالحرائق الغابية وقلة المياه".

وترى المجبري أنّ "حركة الهجرة الداخلية في تونس تسير في اتجاه واحد من الشريط الغربي نحو الشريط الشرقي والمدن الساحلية بحثاً عن مَواطن الرزق وفرص العمل، نظراً إلى تصاعد نسب البطالة في المحافظات الغربية". لكنّها تشير إلى أنّ "المواطنين في المحافظات الغربية، لا سيّما المناطق الغابية والحدودية، يهاجرون كذلك هرباً من الحرائق التي تندلع بشكل متواتر في مناطقهم في فصل الصيف وتسبّب لهم خسائر كبيرة نتيجة احتراق الغطاء الحرجي الذي يوفّر لهم العيش". وتتابع المجبري أنّ "العطش بات يتسبّب في موجات هجرة جماعية لمواطنين يعيشون في تجمّعات سكنية صغيرة في الأرياف تشكو من قلة منابع المياه الطبيعية وغياب الشبكات الخاصة بالمياه الصالحة للشرب".

التغيّر المناخي بحسب البنك الدولي يُعَدّ محركاً قوياً للهجرة الداخلية بسبب آثاره على سبل كسب عيش السكان وفقدان إمكانية العيش في الأماكن المعرّضة إلى المخاطر بشدة، بالتالي فإنّ التحرّك السريع لاتخاذ إجراءات فورية ومنسَّقة للحدّ من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة ودعم التنمية الخضراء الشاملة للجميع والقادرة على الصمود قد يحدّ من نطاق الهجرة بسبب تغيّر المناخ بنسبة تصل إلى 80 في المائة.

من جهة أخرى، يحتلّ البحث عن العمل المرتبة الأولى في أسباب الهجرة الداخلية في تونس، بنسبة 64 في المائة، بحسب ما تُبيّن دراسة للباحث في الديموغرافيا حسان القصار أنجزها بالتعاون مع البنك الدولي. ولفت تقرير البنك الدولي نفسه إلى أنّ المناطق الجاذبة لموجات الهجرة الداخلية في تونس هي إقليم تونس الكبرى الذي حقّق في الفترة ما بين عامَي 2009 و2014 هجرة قُدّرت بنحو 46 ألف مواطن، إلى جانب الوسط والجنوب الشرقي اللذَين استقطبا 119.6 ألفاً من إجمالي عدد الوافدين على الأقاليم الساحليّة والبالغ عددهم 360.8 ألفاً. يُذكر أنّ بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي تفيد بأنّ أكثر من 70 في المائة من سكان تونس يعيشون على طول الساحل الشمالي والشرقي للبلاد.

الصورة
مراقبة لحرائق الغابات في تونس (ياسين قايدي/ الأناضول)
تراقب حرائق الغابات المحيطة استعداداً للرحيل (ياسين قايدي/ الأناضول)

لكنّ الهجرة لأسباب مناخية أو بيئية تغيب عن التقارير الرسمية التونسية، ما يشير إلى عدم الأخذ بعين الاعتبار لهذا المعطى المتصاعد محلياً وعالمياً بحسب الناشط البيئي حسام حمدي. ويقول حمدي لـ"العربي الجديد" إنّ "تونس ليست في معزل عمّا يعيشه العالم من تغيّرات مناخية عميقة، بدأت تداعياتها تظهر جلياً هنا من خلال الارتفاع القياسي في درجات الحرارة الذي سجّلته البلاد هذا العام وما سبّبه من حرائق ونقص في المياه مع تراجع مستوى المخزون في سدود البلاد". يضيف حمدي أنّ "المناطق التي تشهد حرائق متواترة تأتي على مساحات شاسعة من الغابات، صارت طاردة لسكانها الذين يفقدون مواطن الرزق المرتبطة بمحيطهم الغابي، من قبيل نشاطات الرعي وتربية الماشية وتقطير النباتات العطرية التي تنبت هناك". ويوضح حمدي أنّ "سكان المناطق الحرجية يعيشون أساساً ممّا يوفره الغطاء الطبيعي المحيط بهم"، لافتاً إلى أنّ "الحرائق المتواترة سنوياً صارت تشكّل تهديداً حقيقياً لمصادر رزقهم المستدامة، لا سيّما أنّ تجديد الغطاء النباتي وعودة دورة الحياة قد يحتاجان إلى أعوام".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويرى حمدي أنّ "المجتمع المدني في تونس أكثر وعياً من السلطات الرسمية في ما يتعلق بخطورة تغيّر المناخ وتداعياته على حياة السكان"، مؤكداً أنّ السياسات الرسمية ما زالت تتجاهل التغيّرات البيئية والمناخية ولم تستعدّ بعد لتداعياتها". ويطالب حمدي بـ"طرح نسق تنموي بديل يأخذ بعين الإعتبار عوامل الهجرة الداخلية الناجمة عن تغيّر المناخ في التخطيط الذي يتّسم ببعد النظر والذي يخصّ التنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة". ويشدد حمدي على ضرورة أن "تستعد تونس لتوسّع الهجرة بسبب عوامل المناخ، فتضع استراتيجية للتكيّف مع هذه العوامل والعمل على تثبيت المواطنين في المناطق المهدّدة بالتغيّر المناخي العميق، من خلال تحسين ظروف عيشهم ودرء المخاطر التي تهدّدهم بإعادة المساحات الخضراء والانخراط في عملية تشجير كبرى".

تجدر الإشارة إلى أنّ تونس سجّلت في صيف عام 2021 معدّلات حرارة قياسية لم تشهدها البلاد منذ أكثر من 50 عاماً، كذلك احتلت محافظات تونسية المرتبة الثالثة عالمياً في أعلى درجات الحرارة عالمياً. وتسبّبت موجة الحرّ القياسية في خسارة أكثر من 25 ألف هكتار من الغابات التي أتت عليها الحرائق في المناطق الغربية، الأمر الذي نتج عنه فقدان آلاف مواطن الشغل لدى سكان تلك المناطق الذين فقدوا مواشيهم وأشجارهم ليصيروا أكثر فقراً.

المساهمون