تعديل مناهج مصر... قبول الآخر أم مصلحة إسرائيل؟

30 ابريل 2023
فلسطين حاضرة دوماً في مخيلة طلاب مصر (مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -

لذكرى "تحرير سيناء" التي توافق 25 أبريل/ نيسان من كل عام دلالة خاصة لدى الطالب المصري عدي طه، والذي يؤكد أنه يحمل "عداء عميقاً" للاحتلال الإسرائيلي، وأن "تكرار تعديل المناهج التعليمية فشل في تخفيف هذا العداء". 
لا تغادر مخيلة الفتى المصري صورة عمّه الجندي حاملاً سلاحه قبيل استشهاده في "حرب أكتوبر 1973"، لتختلط دماؤه برمال سيناء، وهي الصورة التي تعمّق في وجدانه شعور الكراهية لأشكال العدوان والاحتلال كافة.
تكرر تبدل المناهج التعليمية المصرية، فقبل عقد من الزمان كانت دروس التاريخ للمرحلة الابتدائية تؤكد أن إسرائيل اعتدت على مصر مراراً، واحتلّت أجزاء من أرضها، قبل أن يختفي أي ذكر لتلك الاعتداءات في مناهج المراحل التعليمية اللاحقة.
يحب الطالب طارق بدوي، وهو زميل عدي طه، ارتداء الكوفية الفلسطينية، رغم أن أحداً من عائلته لم يستشهد في الحروب مع إسرائيل، ومع استنكاره تعديل المناهج بما يفرغها مما يبين حقيقة جرائم الاحتلال، فإنّه يطالب الحكومة بمعاملة إسرائيل بالمثل، وحثها على تعديل كل ما يرسّخ السعي للعدوان على العرب، وأولها النشيد الإسرائيلي المتضمن عبارات تحضّ على الاحتلال.
لم ينل تعديل المناهج من مشاعر غالبية الطلاب السلبية، غير أن تقارير عبرية تشيد بقيام حكومة مصر بحذف كل ما هو مثير لمشاعر العداء تجاه إسرائيل من المناهج، معتبرة أنه "سيؤثر في أجيال من المصريين"، بحسب تقرير لمعهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم (IMPACT-SE)، وهو منظمة غير حكومية إسرائيلية تراقب محتوى الكتب المدرسية.
يشير التقرير إلى أن مصر بدأت في عام 2018 عملية إصلاح لمنهجها المدرسي الوطني، ستنتهي في عام 2030، وهي عملية "بطيئة" وفقاً لتقرير المعهد، ما يعني أن التغيير التدريجي لن يؤثر في ملايين من طلاب المدارس الابتدائية والثانوية، والذين "يتعرضون للصور النمطية البغيضة والمعادية لليهود في موادهم المدرسية".

يطمح الاحتلال إلى تضمين المناهج المصرية دروساً حول التاريخ اليهودي

لا تتضمن الكتب المدرسية الابتدائية التي أعيدت كتابتها في عام 2021 الصور النمطية التقليدية المعادية للاحتلال، واستبدلت هذه الصورة بقيم التسامح والتعايش بين الإسلام واليهودية، وإبراز الأرضية المشتركة مثل اعتراف الإسلام بالتوراة، لكن من بين ما يزال مطلوباً تغييره من وجهة نظر المعهد الإسرائيلي "لوم اليهود على التسبب بمعاداة السامية في أوروبا؛ ووصفهم بأنهم مجموعة عرقية تعمل في مجال التمويل؛ وتضمر كراهية يهودية جماعية للمسلمين".

ويؤكد معلمون في عدد من مدارس العاصمة المصرية القاهرة، لـ "العربي الجديد"، أن مواد الدراسات الاجتماعية والتربية الإسلامية هي الأكثر تعرضاً للتعديلات. يقول معلم للجغرافيا في إحدى مدارس محافظة الجيزة الإعدادية، طلب عدم ذكر اسمه: "العديد من الدروس التي كانت تتناول إسرائيل تم تعديلها بالحذف أو التخفيف. الخرائط التي كانت تذكر عبارة الأراضي الفلسطينية المحتلة في كتب الجغرافيا صارت تكتب بدلاً منها الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب اسم إسرائيل على بقية مناطق فلسطين".

ويضيف: "هذه الخطة لم تبدأ مؤخراً كما يتردد، بل بدأت قبل أكثر من ثلاثة عقود. أتذكر تسلم خريطة من الإدارة التعليمية في بداية حياتي المهنية في أواخر الثمانينيات، وكانت الخريطة فاخرة وملونة وجذابة في عرضها لبلدان الوطن العربي، غير أنها كانت تتضمن كلمة إسرائيل بدلاً من فلسطين. علمت وقتها أنها مقدمة ضمن برنامج المعونة الأميركية لمصر، فاخترت ألا أعرضها أبداً على تلاميذي كنوع من المقاومة الصامتة". 

لا تتضمن الكتب المدرسية المصرية الصور التقليدية المنددة بالاحتلال

تؤكد تلك الواقعة مبدأ "السلام البارد" بين مصر وإسرائيل، إذ لم تشفع "اتفاقية السلام" التي أبرمها الرئيس الراحل أنور السادات في المضي إلى تطبيع حقيقي على المستوى الشعبي، واضطر نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك للرضوخ للاتجاه الشعبي الجارف الرافض للتطبيع، لكن التقرير العبري الجديد يؤكد أن السلطة الحالية في مصر لا تسعى فقط لمحو الصورة السلبية عن إسرائيل، وإنما ترمي إلى تحسينها.
يقول التقرير: "اليوم يتعرف الطلاب المصريون على فوائد اتفاقية السلام لعام 1979، مع تغييرات إيجابية كبيرة تم إجراؤها مقارنة بالكتب المدرسية في عهد مبارك، إذ يتم التركيز بشكل أكبر على شرعية إسرائيل كشريك سلام ومنفعة اقتصادية".

كراهية المصريين للاحتلال مصدرها قصص العائلات (العربي الجديد)
قصص العائلات أحد مصادر كراهية المصريين للاحتلال (العربي الجديد)

في عام 2014، جرى حذف فقرات تتهم إسرائيل بالإرهاب من كتاب التربية الدينية للصف الثالث الإعدادي، ورصد متابعون  أن الحذف شمل شخصيات تاريخية تذكّر بقضية القدس، ومنها درس القائد صلاح الدين الأيوبي للصف الخامس الابتدائي، وفي مادة الدين حُذف كل ما يدعو إلى الجهاد، وتقلّصت دروس مادة التاريخ التي تتناول الحروب بين مصر وإسرائيل في المناهج الجديدة من 32 صفحة إلى 12 صفحة فقط.
من جانبه، يرى الخبير التربوي المصري محمد عبد العزيز أن كل التعديلات التي أُدخلت على المناهج خلال السنوات الأخيرة لن تنجح في تغيير نظرة الطلاب إزاء إسرائيل، وأنه "مهما سعت المناهج إلى تحقيق هذا الهدف، فإن جريمة واحدة للاحتلال يطالعها الطلاب عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي قادرة على تثبيت وجهة نظرهم تجاهها بوصفها كياناً محتلاً ومغتصباً لحقوق الشعب الفلسطيني".
يضيف عبد العزيز لـ"العربي الجديد" أن "إدخال بعض التعديلات على المناهج، أو محاولات تكريس قيم وسطية، قد يكون مرتبطاً بالتزامات دولية، لا خضوعاً لمطالب إسرائيلية، فقبول الآخر بات سمة للمناهج، وليس مرتبطاً بالاحتلال بقدر ارتباطه بالتزامات فرضتها الأمم المتحدة ومنظماتها، ومرتبط بالحملة على التشدد والتطرف. شمول المناهج المصرية أي مقررات تروج لقبول الآخر لا يعني قبول الاحتلال، وإنما ترسيخ قيم التعايش مع الآخر المختلف عن الأغلبية، كالمسيحي، بشكل يؤكد على إيجابية العلاقات الاجتماعية، وضخ الدماء في عروق ثقافة الحوار".
بدورها، تشدد أستاذة أصول التربية إيمان عبد الله، على أن "التعديلات لم تلامس جوهر الثوابت الوطنية في المناهج المصرية، أو السعي لمحاولة تغيير وجهة النظر تجاه الاحتلال وعدم مشروعيته. أغلب المناهج تشدد على رفض الاحتلال وإدانة جرائمه، وهناك دروس تحضّ على رفض اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، ووصم الاحتلال بالعدوانية والغدر. الحديث في المناهج عن مميزات السلام قد ينسجم مع التزامات مصر كدولة مرتبطة مع إسرائيل باتفاقية، وهذا أمر واقعي، ولكن الأمر لا يتجاوز ذلك، ولا يمتدح الاحتلال، بل يتعامل معه كأمر مدان، وينتقد كل ما تقوم به إسرائيل ضد الشعوب العربية".

الكوفية الفلسطينية شائعة بين طلاب مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)
الكوفية الفلسطينية شائعة بين طلاب مصر (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وتوضح عبد الله لـ"العربي الجديد" أنها لم تلمح أي أثر لتحسن صورة الاحتلال الإسرائيلي في أذهان الطلاب في مراحل التعليم المختلفة، مضيفة: "حتى لو سعى البعض إلى تحقيق هذا الأمر عبر المقررات الدراسية، فواقع ما يقوم به الاحتلال يثبت صورته كعدو للأمة العربية والإسلامية، وما دام هذا النهج مستمراً فلن تنجح هذه التعديلات على المناهج في تغيير الصورة النمطية المترسخة في أذهان الطلاب عبر الأسرة والمؤسسات الدينية ووسائل التواصل الاجتماعي".
وأشادت دراسة سابقة أعدّها الباحث بمعهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أوفير فاينتر، بشروع الحكومة المصرية في تعديل المناهج، مؤكداً أن "التحسن في طبيعة المناهج الدراسية منذ بدايات عصر الرئيس عبد الفتاح السيسي يبدو ملموساً مقارنة بأوضاع المناهج الدراسية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك".
ويتخطى طموح إسرائيل محو ما يناهضها إلى تضمين المناهج المصرية معلومات حول التاريخ اليهودي بشكل عام، والتاريخ الغني لليهود المصريين على وجه الخصوص، كما يتمدد الطموح ليصل إلى الرغبة في تدريس المحرقة النازية، كما جرى في الإمارات مؤخراً.
ورغم ثناء التقرير العبري على ورود نصوص مثل "أرض إسرائيل التاريخية" في كتب التربية الدينية المسيحية، ويمتدح شمولها على أمثلة إيجابية توصف فيها الديانتان اليهودية والمسيحية جنباً إلى جنب مع الإسلام، كمصدر رئيسي لحقوق الإنسان؛ وأن الزواج بين الرجال المسلمين والمسيحيات أو اليهوديات من "أشكال التعايش مع الآخر"؛ وكون "الوصايا العشر اليهودية" نموذج لحقوق الإنسان والحريات، إلا أنه ينتقد "إلقاء مسؤولية صلب المسيح على اليهود".

وينتقد التقرير شمول كتاب التاريخ على عبارات تشي بأن المحرقة مبالغ فيها، وادعاء أن ستة ملايين يهودي قتلوا أو أحرقوا على أيدي النازيين من أجل تبرير الهجرة إلى فلسطين على حساب العرب، كما ينتقد استمرار إشارة المناهج إلى أن اليهود هم السبب في ظاهرة معاداة السامية في أوروبا؛ لأنهم مجموعة عرقية تعمل في مجال التمويل؛ ويضمرون كراهية جماعية للمسلمين، ويشير بوضوح إلى الآية القرآنية "لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا"، إضافة إلى تضمين أحد كتب التربية الدينية الإسلامية قصة قيام الخليفة عمر بن الخطاب بمنع إقامة اليهود في القدس نتاج تعاملاتهم العدائية.
في مقال قبل ثلاث سنوات، كتب الصحافي المصري المتخصص في التعليم وجيه الصقار أن "ما يحدث يكشف بوضوح أن الأمن الوطني المصري بات في خطر شديد. نبهت الرئيس السيسي إلى خطورة الموقف الذي يضرب مصر في العصب، مما يستوجب إنقاذ البلد والأجيال. يجب أن ننتبه إلى هذا الخطر الواضح للعين والعقل، المتمثل في الاستعانة بمناهج شركات أجنبية تساهم في ملكيتها إسرائيل".
غير أن الصقار اتهم المسؤول عن التعليم حينها الوزير طارق شوقي، وليس الحكومة، قائلاً إن شوقي "يقوم بخطة ممنهجة لتدمير التعليم، خلفيتها عمله السابق بالجامعة الأميركية، والتي رأسها عضو بارز في المخابرات الأميركية"، فقام الوزير الأسبق بمقاضاته.

المساهمون