تاكسي الجزائر... السائقون غير النظاميين أسياد المهنة والحال

11 أكتوبر 2022
"التاكسي" غير النظامي يكتسح شوارع الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

لا تقتصر قيادة سيارات الأجرة غير النظامية في الجزائر على الشبان الذين يعيشون في البطالة، ويضطرون إلى استخدام السيارات الخاصة التي يملكونها لضمان الحصول على مصروف جيب إضافي مقابل توصيلهم أشخاصاً إلى أماكن مختلفة، إذ بات موظفون في قطاعات مختلفة يعملون في هذه المهنة غير القانونية في المساء بعد انتهاء ساعات عملهم، لتحقيق مكاسب تساعدهم في مواجهة غلاء المعيشة والأسعار التي ترتفع يومياً في البلاد.
في محطة الخروبة الأكثر شهرة لنقل الركاب في العاصمة الجزائرية لا يمكن أن تتجنب العيون مشاهد اصطفاف عشرات من سيارات الأجرة غير النظامية يومياً، وتعمد أصحابها الذي يعرفون باسم "كلونديستان" الاتكاء على هياكلها الأمامية لمحاولة اقتناص أدنى فرصة للحصول على زبائن، وتقديم خدمات نقلهم إلى الأماكن التي يقصدونها.

يخبر الشاب الأربعيني سمير، وهو متقاعد من مؤسسة الجيش، وشرع في ممارسة مهنة قيادة سيارة أجرة غير نظامية منذ أكثر من خمس سنوات،"العربي الجديد": "في البداية كنت أركن سيارتي مع آخرين من مزاولي المهنة وسط مدينة الحراش، وأحياناً في منطقة بلفور التي تضم محلات لبيع الهواتف الخلوية ومستلزماتها، لكن عدد ممارسي هذه المهنة تضاعف في المدينة فاضطررت إلى تغيير مكان انتظاري الزبائن إلى محطة الخروبة التي تدر علي حالياً مدخولاً يومياً يتجاوز 4 آلاف دينار جزائري (25 دولاراً)، رغم أنني أكتفي بالعمل خلال الفترة المسائية فقط".
وفيما تنطوي ممارسة مهنة سائق أجرة غير نظامي على مخاطر كبيرة بالتعرض إلى غرامات تصدرها أجهزة الشرطة التي تكرر طرد السائقين المخالفين، وتمنع وقوفهم في أماكن مخصصة لعمل سائقي سيارات الأجرة النظاميين الذين يقدمون شكاوى دائمة ضد الوضع المتفلت السائد، يعلّق سمير قائلاً: "يضع السائقون غير النظاميين أسعاراً أقل من تلك للسائقين النظاميين، ما يدفع المواطنين إلى اللجوء إليهم، كما أن سياراتهم تتحرك بسرعة وسهولة لقصد أي وجهة يطلبها الزبائن بعكس سائقي سيارات الأجرة الذين يرفضون الذهاب الى مناطق معينة خاصة في الريف".
بدوره، يرد كريم الذي يعمل حارساً لحساب شركة خاصة في الليل، وينشط نهاراً في قيادة سيارة أجرة غير نظامية، على سؤال وجهته "العربي الجديد" عن سبب ممارسته عملاً غير نظامي يعاقب عليه القانون، ويقول: "السبب الرئيس مردّه إلى الظروف الاجتماعية الصعبة وضعف راتب الوظيفة الذي لا يكفيني لمساعدة عائلتي خاصة أنني أب لأربعة أولاد. ومع حلول موسم الدخول المدرسي وغلاء المستلزمات توجب أن أضاعف جهودي لتوفير المصاريف الكثيرة الملقاة على عاتقي. وما شجعني على ممارسة هذا العمل اطلاعي على ظروفه وأحواله حين كنت مضطراً إلى الاستعانة بأصحاب السيارات غير النظامية للتنقل في كل مرة أتوجه فيها إلى عملي الليلي كوني لم أكن أملك سيارة في البداية. وحين اشتريت سيارتي الخاصة قررت أن أمارس المهنة لجلب أموال إضافية لعائلتي".
يضيف: "وجدت نفسي فعلياً مضطراً إلى ممارسة هذه المهنة، بعدما ضاقت بي السبل، ولم تكفني منحة التقاعد لتغطية المصاريف الكبيرة ودفع الإيجار الشهري للسكن بالتزامن مع تأمين التكاليف الكبيرة لدارسة أبنائي، وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية. وعملت في مرحلة أولى في بلدات صغيرة تشهد علاقات اجتماعية متقاربة، ودرجات تعارف أكبر بين الناس".

الصورة
يغري سائقو السيارات غير النظامية الزبائن بالتحرك بسرعة إلى أي وجهة (برونو بيروس/ Getty)
يغري سائقو السيارات غير النظامية الزبائن بالتحرك بسرعة إلى أي وجهة (برونو بيروس/ Getty)

قبل التطبيقات
والحقيقة أن خدمات سيارات الأجرة غير النظامية سبقت بسنوات التطبيقات التكنولوجية الحديثة لخدمة النقل بالسيارات، إذ كان سائقو سيارات الأجرة غير النظاميين، يتلقون طلبات لتنفيذ خدمة نقل بواسطة الهاتف استناداً إلى  شبكة تضم زبائن وعائلات، وترتكز بالدرجة الأولى على علاقات الثقة. 
ويقر مواطنون كثيرون بأن الاعتماد على خدمات "سيارات الكلونديستان" للوصول الى مقر العمل أو التنقل مع أفراد العائلة، أو حضور مواعيد مقررة لتجار وكوادر في قطاعات مختلفة وأساتذة أفضل بكثير من استخدام الحافلات العامة التي تستغرق وقتاً كبيراً للوصول إلى وجهتها، بسبب كثرة التوقف، وقلة وسرعتها، واحتمال مواجهة المشادات اليومية التي تحدث بين الركاب في الداخل، ومشاكل ازدحام الخطوط التي تواجه نقصاً في آليات النقل العمومي. 
وتلجأ العديد من العائلات إلى خدمات سيارات "الكلوندستان" لقصد المتنزهات والشواطئ والمتاجر الكبيرة من أجل التبضع.

بلا حماية
وبالنسبة إلى المخاطر التي يمكن أن يواجهها سائقو سيارات الأجرة غير النظامية، فتشمل إلى العقوبات التي يحددها القانون بسحب رخص القيادة ودفع غرامات مالية، عدم حصولهم على حماية إذا تعرضوا لمشاكل خلال نقلهم  أشخاصاً يحملون مخدرات أو مطلوبين من القضاء، إذ يعتبرهم القانون متورطين ومتهمين بالتواطؤ في نقل مواد محظورة مثل المخدرات أو الأسلحة أو الأموال المزورة حتى من دون علمهم بذلك.
وفي محافظة سوق أهراس (شرق)، وجد معلم يعمل سائقاً بعد دوام التدريس نفسه وراء القضبان بعدما نقل أشخاصاً كانوا ينفذون مهمة توصيل مخدرات.
 وفي محافظة مستغانم (غرب)، تورط سائق سيارة أجرة غير نظامية بقضية اتجار بالأسلحة النارية نقلها أشخاص على متن سيارته في مقابل مبلغ مالي.

واللافت أن سائقي سيارات أجرة نظامية، فضلوا التحوّل إلى قيادة سيارات غير نظامية، وهو ما يعزوه جلول خليفة الذي سبق أن عمل 20 سنة كسائق أجرة نظامية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى التغيّر الاجتماعي الكبير الذي عرفته الجزائر بعد تزايد سائقي "الكلونديستان" ونجاحهم في فرض منطقهم، ما تسبب في تراجع مداخيل السائقين النظاميين مقابل تزايد الضرائب. لكن جلول  يؤكد أنه يكتفي بنقل زبائن يعرفهم، خاصة أفراد عائلات أنشأ معهم علاقات ثقة.

المساهمون