يشهد حيّ القصبة العتيق، وسط العاصمة الجزائرية، سلسلة انهيارات لمبانيه القديمة والمتهالكة، بعد فشل البرامج الحكومية المتلاحقة في ترميم الحيّ وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا التراث العمراني والتاريخي الهام في الجزائر.
وانهار منزل قديم في الحي، مساء أمس، دون وقوع خسائر بشرية، وتراكمت بقايا المبنى في الشارع الضيق قرب مسجد سفير الصغير، في قلب الحي، ما تسبّب في منع عدد من السكّان من الوصول إلى منازلهم المحاذية للمبنى المنهار، وتدخّلت السلطات لإزالة البقايا وإجراء مراقبة تقنية على مخلّفاته وتداعيات انهياره على المنازل القريبة.
ويُعدّ هذا الحادث، الثاني من نوعه في غضون أسبوع، إذ كانت مصالح الدفاع المدني قد أنقذت ثلاث عائلات كانت محاصرة داخل بناية قديمة بحيّ القصبة، بعد انهيار أجزاء من بناية تتكون من طابقين، كانت تقطنها هذه العائلات، بسبب الأمطار الغزيرة التي شهدتها العاصمة الأسبوع الماضي، ولم يخلّف هذا الحادث ضحايا بشرية.
وقال، عز الدين رخوف، وهو أحد السكّان القدامى للحيّ، إنّ "السكّان يشعرون بأنّ هناك إرادة سياسية بهدم الحيّ وليس إنقاذه، فاستمرار انهيار البنايات دون وجود خطة حكومية عاجلة لإنقاذ ما تبقى من هذا الحيّ التاريخي يؤكّد ذلك". وأضاف: "هذا الحي ذو الصلة بالحقبة العثمانية في الجزائر، والمعقل الرئيس للثوار زمن مقاومة الاستعمار الفرنسي، يفترض وضعه على قائمة أولويات الدولة، لكننا نلحظ تجاهلاً للحي، كما لو أنّهم ينتقمون منه ومن رمزيته الثورية".
وقبل فترة قصيرة كان الحيّ نفسه الذي تمّ تصنيفه عام 1992 كتراث عالمي، من قبل منظمة "يونسكو"، قد شهد انهيار مبنى خالٍ من السكّان متكوّن من أربعة طوابق،كانت السلطات قد صنّفته خطراً، ومنعت إقامة السكّان فيه. وأخفقت الحكومة الجزائرية في ترميم حيّ القصبة العتيق أو استغلاله كمعلم سياحي، برغم إنفاق الملايين على برامج الترميم، لكن حجم الفساد المالي الكبير في البلاد قبل الحراك الشعبي، ساهم في إفشال هذه البرامج، وأبقى وضع الحيّ متردياً وخطراً على السكّان.
ويضمّ الحيّ بحسب البيانات الرسمية، 93 مبنى تاريخياً مهدّداً بالانهيار، فيما انهار 250 منزلاً. ومع عمليات الهدم والانهيارات المستمرّة للمباني القديمة في الحيّ، اضطرت العائلات إلى الإخلاء القسري لمساكنها و مغادرة القصبة، بينما قامت السلطات بترحيل سكّان 450 منزلاً قديماً، تمّ غلقها لمنع عودة السكّان إليها، نظراً لدرجة اهترائها.
وبسبب هذه المخاطر، خصّص رئيس الحكومة الجزائرية، عبد العزيز جراد، منتصف الشهر الجاري اجتماعاً حكومياً، لدراسة الملف المتعلّق بحماية قصبة الجزائر، شدّد فيها على ضرورة معاودة إطلاق جهود الدولة لإعادة تأهيل هذا الموقع التاريخي والحفاظ عليه، وحماية هذا التراث الوطني والعالمي، كما طلب صياغة تقرير شامل حول وضعية حفظ قصبة الجزائر.