الأحياء القصديرية... حاضنات لفقراء ومهمشين في الجزائر

الأحياء القصديرية... حاضنات لفقراء ومهمشين في الجزائر

28 ديسمبر 2020
هنا يكبرون (العربي الجديد)
+ الخط -

ما زالت الأحياء القصديرية في الجزائر تُقلق الأهالي في ظل المشاكل اليومية الناتجة عن هذه التجمعات السكنية، وهي عبارة عن خليط من هويات وثقافات ومناطق مختلفة. وتشكلت الأحياء القصديرية الفقيرة، أو ما يسمى بـ"أحياء الصفيح" في الجزائر، خلال تسعينيات القرن الماضي، حين دفعت العشرية السوداء من الحرب بين القوات الحكومية والجماعات الإسلامية المتمردة، آلاف العائلات إلى مغادرة مساكنها في الأرياف والجبال والولايات الداخلية، هرباً من بطش الجماعات المسلحة. وبنت هذه العائلات مساكن من الصفيح، وتشكلت تجمعات سكانية عند أطراف المدن والبلدات الصغيرة. واحتضنت العاصمة الجزائرية أكبر عدد من هذه الأحياء التي ساهمت في تشويه وجه المدينة. 

الصورة
أحياء الصفيح في الجزائر

بين منحدرات وعرة، يقع بيت عائلة حمزة في حي قصديري في سيدي خليفة في مدينة العفرون، على بعد 70 كيلومتراً من العاصمة الجزائرية. عاش حمزة طفولته في بيت من الصفيح بعدما غادرت عائلته بيتها القديم في ضواحي ولاية المدية في بداية تسعينيات القرن الماضي. ويقول حمزة لـ"العربي الجديد": "كنا نقطن في قرية وسط الحقول والبساتين، وكانت حياتنا مستقرة وهادئة حتى عام 1993، بعدما اعتدت مجموعة إرهابية على منطقتنا ونصبت كميناً للجيش الجزائري، لتقتحم مجموعة إرهابية قريتنا وتجبر العائلات على تقديم كل ما لديها من ملابس ومواد غذائية. كما هدّدت عناصر إرهابية أبي وطلبت منه مبلغاً من المال بعد بيعه عدداً من رؤوس الأغنام، الأمر الذي دفعنا إلى مغادرة الولاية بحثاً عن ملجأ آخر". يتابع: "بداية، استقرينا في مدينة شفة في ولاية البليدة في بيت يلمكه أحد الأقارب، لكنه اضطر إلى تأجيره لطبيب أراد فتح عيادة خاصة. بعدها، توجهنا إلى الحي الذي نقطن فيه حالياً، وقد أرشدنا إليه أحد الجيران القدامى الذي سبقنا إليه، قبل أن يشتري أبي مساحة صغيرة بالقرب من الحي ليبني منزلاً من صفيح وطوب".

وفي عام 2007، عمدت السلطات المحلية إلى إحصاء عدد هؤلاء الأهالي ضمن قائمة المعنيين بالترحيل، وبقيت العائلة تنتظر الفرج واستلام مفاتيح شقتها الجديدة، من دون أن يتحقق ذلك حتى الآن. هكذا، بدأت بيوت الصفيح تنشأ شيئاً فشيئاً، لتتكون أحياء عشوائية بالكامل، وتنشأ معها ظواهر غالباً ما تنتج عن الفقر والظروف المعيشية الصعبة. ويقول حمزة إن السنوات التي قضاها في الحي كانت أشبه بالكابوس بسبب ما يعرفه الحي من انتشار كبير للمشاكل الاجتماعية من جهة، وعدم توفر ضروريات العيش الكريم من جهة أخرى. ويجد أن "العصابات المتخصصة في ترويج المخدرات لجأت إلى هذه الأحياء بسبب سهولة الترويج بين الفقراء، وخصوصاً أنه يصعب على قوات الأمن مراقبة هذه الأحياء ذات الأزقة الضيقة،  وبسبب تداخل المساكن والممرات الضيقة التي تسهل على أفراد العصابات ترويج سمومهم. وفي كل مرة، تحدث صدامات ومناوشات بالأسلحة البيضاء في الحي، ما يزيد من صعوبة العيش في هذا الحي، على الرغم من تقديم سكان الحي شكاوى إلى الأمن. إلا أن الوضع لم يتغير منذ سنوات". 
وتشهد هذه الأحياء روائح كريهة من جرّاء انعدام شبكات الصرف الصحي والبنى التحتية وغياب الظروف الصحية للعيش الكريم داخل البيوت التي لا تقي من الحر ولا من البرد أو غير ذلك. وترتفع نسبة المصابين بأمراض الربو والحساسية في ظل نقص التهوئة داخل البيوت.
قضت فريدة، وهي أم في الستينيات من العمر، نصف عمرها داخل كوخ في دوار معمر بلعيد القصديري في مدينة حجوط، غرب العاصمة الجزائرية، وهو الحي الذي تحول إلى نقطة سوداء وهاجس لدى السلطات والقاطنين في المدينة على حد سواء، بسبب ما شهده خلال السنوات الأخيرة من انتشار للجريمة.

الصورة
أحياء قصديرية في الجزائر (العربي الجديد)

وأصبح معظم كبار تجار المخدرات وجماعات السرقة والخطف يتحدرون منه. وتروي فريدة لـ"العربي الجديد"، حكاية أبنائها الثلاثة الموجودين في السجن، بعدما تورطوا في قضايا إجرامية.
تقول فريدة إنه "بعد وفاة زوجي الذي كان يعمل تاجراً حراً، بدأت المعاناة ودفعتني الظروف إلى الخروج بحثاً عن عمل لإعالة أبنائي الثلاثة. عملت في مصنع للحلويات، ثم انتقلت إلى العمل في مستشفى المدينة. كنت أترك أبنائي طوال اليوم عند شقيقتي وأدفع لها مبلغاً من المال نهاية الشهر في مقابل اهتمامها بهم. لكنني اكتشفت لاحقاً أنني لم أهتم بتربية أبنائي تربية سليمة. وكانوا يقضون معظم وقتهم في الشارع، ما أدى إلى انحرافهم. حاولت جاهدة أن أعيدهم إلى الطريق الصحيح، إلا أن الوقت كان قد فات، وأصبح ابني الأكبر مدمناً على المخدرات وصار يبيعها لشباب الحي بسبب أرباحها الجيدة، إذ أراد تعويضنا عما فاتنا من حرمان وفقر، ليلتحق به أشقاؤه. عملوا ضمن عصابة ونفذوا أعمال سرقة لبعض المحال.

الصورة
أحياء الصفيح في الجزائر

وبعد تحقيقات من مصالح الأمن، تم القبض عليهم والزج بهم في السجن". تضيف: "أعيش لوحدي منذ أكثر من سنة وأعاني من جراء الظروف المحيطة بي داخل الحي وفراق أبنائي. كنت في كل مرة أتوجه للمسؤولين المحليين من أجل الاستفسار عن موعد ترحيلنا من هذا الحي من أجل إعادة لم شمل عائلتي والعيش بكرامة، لأسمع الجواب نفسه: لا تقلقي سيتم ترحيلكم قريباً، لكن من دون جدوى".

قضايا وناس
التحديثات الحية

إلى ذلك، يقول الباحث الاجتماعي والأستاذ في جامعة الشلف، غربي الجزائر، أحمد لدرم، إن إحدى الدراسات التي أجريت في العديد من الأحياء القصديرية أكدت وجود علاقة قوية بين المحيط الذي يعيش فيه الشباب داخل هذه الأحياء وارتفاع نسبة الجرائم والانحراف، نتيجة سوء الأوضاع الاقصادية فيها، وضيق المساحات وقلتها، وضعف الوجود الأمني. 
ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "ما سبق يدفع القاطنين إلى العنف واختيار أي عمل من دون رقابة أو ضوابط تردع تحركاتهم. كما أن القاطنين في البيوت القصديرية قلما يتكيفون مع المجتمع من خلال الاندماج في الجمعيات أو النوادي أو غير ذلك، فتجد غالبيتهم يعيشون في عزلة، ويحاولون تشكيل بيئة جديدة على هامش المدينة تتلاءم مع بيئتهم الريفية الأصلية". يضيف أنه في الكثير من الأحيان، ترتفع نسب التفكك الأسري نتيجة لابتعاد رب الأسرة عن عائلته بسبب العمل خارج المدينة وكثرة المشاكل بينه وبين زوجته، ما يؤدي إلى إهمال الأبناء وانحرافهم ودخولهم في مشاكل اجتماعية".  

المساهمون