النزاعات العشائرية تقلق السلم الأهلي في العراق

النزاعات العشائرية تقلق السلم الأهلي في العراق

15 يناير 2022
مطالبات بقرارات حازمة للحد من النزاعات العشائرية (Getty)
+ الخط -

حذّر مسؤولون عراقيون، من خطورة تنامي النزاعات العشائرية في المحافظات العراقية، والتي تتسبب بشكل مستمر بسقوط ضحايا، مؤكدين أن تلك النزاعات باتت تقلق السلم الأهلي، مطالبين بقرارات حازمة للحد منها.

وشهدت مدينة سوق الشيوخ في محافظة ذي قار جنوبي البلاد، ليل أمس الجمعة، نزاعاً عشائرياً مسلحاً دام لنحو 5 ساعات بين قبيلتين، تسببت بمقتل 6 أشخاص وإصابة نحو 30 آخرين، بسبب حالة طلاق بين زوجين ينتميان لقبيلتين مختلفتين، الأمر الذي دفع القوات العراقية إلى اعتقال عدد من أفراد العشيرتين بعد نهاية الاشتباكات المسلحة بين الطرفين.

مصادر أمنية من مدينة سوق الشيوخ أكدت لـ"العربي الجديد"، أن "النزاعات العشائرية لم تنته رغم حملات الاعتقال التي تطاول أفرادا من العشائر التي لاتزال تؤمن بأخذ الثأر والاعتداء على الآخرين، وقد بلغ المعتقلون في ذي قار لوحدها بتهم النزاعات المسلحة نحو 280 شخصاً منذ مطلع عام 2020، لكن عادة ما يتم التدخل من قبل مسؤولين ووجهاء في المدينة للإفراج عنهم بضمان عدم مشاركتهم في أي نزاع بالمستقبل".

وأضافت أنّ "ليلة الجمعة شهدت مدينة سوق الشيوخ نزاعاً بين عشيرتين تسبب بإرباك الوضع الأمني لنحو 5 ساعات، وقد أدى النزاع إلى سقوط قتلى وجرحى، ولم تتوقف المعركة بين الطرفين رغم النداءات الأمنية وحتى الدينية، إذ دعت المساجد في المدينة إلى التهدئة"، موضحة، أن "النزاعات العشائرية باتت تمثل إرهاباً مجتمعياً يحتاج إلى تقوية الأجهزة الأمنية وحماية أفرادها كي تتمكن من مواجهتها".

ويعد نزاع سوق الشيوخ ثاني أكبر نزاع بعد معركة بين قبيلتين جرت في البصرة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد أن تراجعت النزاعات العشائرية بشكل ملحوظ خلال فترة الإغلاق الذي شهده العراق لمواجهة وباء كورونا، لكن ناشطين من مدن جنوب العراق، أكدوا عودة النزاعات، لا سيما أن بعضها لا يتم نقلها عبر الإعلام، وتحدث وفق ما يسمى "الدكة العشائرية".

وقال الناشط المدني من محافظة ذي قار علي الحمداني، إنّ "الدكة العشائرية تراجعت كثيراً خلال فترة الحظر الوقائي مع تفشي فيروس كورونا، لكنها عادت حالياً، وتحدث بشكلٍ أسبوعي في مناطق متفرقة من المحافظة، وبقية المحافظات الأخرى"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "ضعف القوات الأمنية وخشيتها من التدخل وحل النزاعات العشائرية، إضافة إلى التدخلات السياسية للإفراج عن المتورطين بالدكات العشائرية والنزاعات، من الأسباب التي تؤدي إلى استمرارها".

و"الدكّة العشائرية" تعني إقدام مسلّحين ينتمون إلى قبيلة معيّنة على تهديد أسرة تنتمي إلى قبيلة ثانية في بيتها، فتقع الدكّة من خلال عملية إطلاق نار بمختلف الأسلحة بما فيها الثقيلة أو إلقاء قنابل يدوية أحياناً على منزل الجهة المستهدَفة، كتحذير شديد اللهجة بهدف دفعها إلى التفاوض لتسوية الخلاف. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدَف، فإنّ الأمور قد تتفاقم لتؤدّي إلى وقوع ضحايا من الطرفَين.

وكان العراق في وقتٍ سابق قد عدّ "الدكّات العشائرية" من الجرائم الإرهابية، مشدداً على ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم، بحسب ما جاء في بيان لمجلس القضاء الأعلى في البلاد. والذي أوضح أنّ المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أُقرّ في عام 2005 تنصّ على أن التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه، يعد من الأفعال الإرهابية".

من جهته، بيَّن المسؤول في قيادة عمليات محافظة ذي قار، شاهر الشمرتي، أن "القوات الأمنية تواصل عملها لملاحقة المتسببين بأحداث الشغب وتهديد السلم الأهلي واعتقالهم ومحاسبتهم وفق القانون العراقي، لكن هناك تجاوزات تحدث من قبل بعض المحسوبين على العشائر تنال من عناصر الأمن الذين ينفذون القانون، ومن ثم فإن هناك مخاوف أحياناً من قبل الأجهزة الأمنية من تطبيق القانون، لذلك دائماً ما نطالب بدعم وحماية الأجهزة الأمنية".

ولفت في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "بعض المحسوبين على العشائر يحذرون القوات الأمنية من التدخل، وإلا فإنها ستعتبر أي عنصر أمني شريكا في النزاع وقد يتم تصفيته أو تهديده أو استهداف منزله"، مؤكداً أن "هناك عشائر في جنوب العراق تمتلك أسلحة ثقيلة، مثل مدافع الهاون، وقد حدث أن استخدمت بعض العشائر هذا النوع في الأسلحة في صراعاتها".

أما علي البدري، وهو من وجهاء وشيوخ مدن جنوب العراق، فقد أشار إلى أن "ذي قار وميسان والبصرة تعد من أكثر المحافظات العراقية التي تسجل نزاعات عشائرية، ويذهب ضحية هذه النزاعات عشرات العراقيين سواءً من المشتركين فيها أو أبرياء لا ذنب لهم"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "معظم الجهود التي قامت بها لجان المصالحة بين العشائر لم تصل إلى نتيجة، بسبب وجود المستفيدين من هذه النزاعات".

وبالنسبة للسلاح المتوفر لدى العشائر، فقد بيَّن أن "معظمه مرخص من الدولة، وهو يتبع لمنتسبين في الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي، وقليل منه خارج إطار الدولة".

بدوره، اعتبر النائب السابق في البرلمان العراقي محمد اللكاش، أن "معظم النزاعات المسلحة التي تحدث في جنوب العراق لا تنسجم مع طبيعة وعادات وتقاليد العشائر الأصيلة في البلاد، وهي لا تنتمي إليهم، ومن يقومون بهذه النزاعات هم أشخاص منبوذون من العشائر"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "بعد كل نزاع يحدث يخرج شيوخ العشائر للتبرؤ من منفذي هذه الممارسات، وعادة ما يتم تقديمهم إلى المحاكم، بالتالي فلا يمكن اعتبار الممارسات الإرهابية التي يقوم بها أشخاص منفلتون ممارسات عشائرية".

المساهمون