العنف الأسري... سلوك غريب في الصين

18 ديسمبر 2022
زادت دعاوى القضايا الأسرية في الصين (كيفن فريير/ Getty)
+ الخط -

ارتفعت خلال العامين الماضيين معدلات العنف الأسري في المجتمع الصيني. وأظهرت دراسة حديثة أصدرتها الجمعية الصينية للصحة النفسية أن 30 في المائة من العائلات تعرضت لعنف أسري، من دون أن يقتصر ذلك على عنف الذكور ضد الإناث، بل شمل أيضاً العنف ضد الأطفال والرجال والمسنين.

وكانت السلطات الصينية قد أقرّت خلال العام الجاري مبادئ توجيهية سهّلت حصول ضحايا العنف الأسري على حماية شخصية، وأعادت تعريف العنف الأسري ليشمل سلوكاً إضافياً مثل المطاردة والتحرش والإساءة اللفظية. 
وشهدت الصين خلال الأشهر الماضية حملات حقوقية مناهضة للعنف الأسري، كانت أبرزها تظاهرة في العاصمة بكين لنساء يرتدين ثياباً بيضاء ملطخة بالدماء.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، رفعت لي تسي، وهي امرأة متزوجة في عقدها الثالث، دعوى قضائية على زوجها في محكمة الشعب بمقاطعة آنهوي (شرق)، وذلك بعدما تعرضت مع طفلها البالغ من العمر 6 سنوات لضرب مبرح، وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أقدم على هذه الخطوة إلا بعدما شعرت بالخوف على حياتي وحياة طفلي. بات الأمر مرعباً بالنسبة لي، وأصبت في المرة الأخيرة بجرح بالغ فوق حاجبي الأيمن كاد أن يفقدني عيني، وذلك بعدما رماني زوجي بزجاجة كانت أمامه على الطاولة".

تضيف: "منذ أن فقد زوجي عمله في مطلع العام الجاري، تحوّل إلى شخص آخر أكثر عدوانية، وبات سريع الغضب. وبالنسبة لي، لم يشكل ذلك هاجساً، وشعرت في البداية بأنّ من واجبي كزوجة أن أسانده وأقف إلى جانبه وأتفهم سلوكه وأحاول تقويمه، لكن بعدما تكررت الاعتداءات ضدي والتي شهدت بعضها استخدام آلات حادة، شعرت بخطورة الموقف، ثم هزني مشهد ركله طفلنا الوحيد، ما تسبب برضوض في فقرات ظهره، لذا قررت أن أضع حداً لهذه المأساة اليومية. وبعد إبلاغ الشرطة جرى توقيفه، وأنتظر الآن قرار المحكمة لأن العيش مع شخص بهذا القدر من العدوانية أمر لا يحتمل".

الزواج أحد المقدسات في الثقافة الصينية

تعتبر لي تسي واحدة من بين عشرات آلاف النساء اللواتي قدمن شكاوى ضد أزواجهن بسبب تكرار تعرضهن لعنف مع أبنائهن. ويفيد المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية في العاصمة بكين بأن 125 ألف امرأة رفعن دعاوى قضائية ضد أزواجهن أو آبائهن خلال النصف الأول من العام الحالي، وأن 75 في المائة من هذه الدعاوى رُفعت من نساء متزوجات ولديهن أطفال، بينما توزعت النسبة الباقية بين نساء عاقرات وفتيات عازبات تعرضن لعنف من أسرهن. وتورد بيانات أصدرتها الجمعية الصينية للصحة النفسية أن نسبة العنف الأسري في البلاد ارتفعت من 15 في المائة عام 2012 إلى 36 في المائة هذا العام.
ويعلّق الباحث في علم النفس بمركز "دا شينغ" للصحة النفسية وو جيانغ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "ارتفاع معدلات العنف الأسري تبعث على القلق لأنها تساهم بشكل كبير في تفكيك الأسر، وفي تآكل مفاهيم الزواج التي تكرسها الثقافة الصينية، كما يمكن أن تشكل رادعاً للجيل الجديد من الشباب في العدول عن فكرة الارتباط، في وقت تشهد فيه البلاد عزوفاً غير مسبوق عن الزواج والإنجاب. وهذا التحوّل غير اعتيادي في المجتمع الصيني الذي لطالما نبذ العنف الأسري، واعتبره أحد أشكال التمرد والانفلات عن الطبيعة البشرية".
ويعزو الباحث وو جيانغ اتساع ظاهرة العنف الأسري خصوصاً خلال الأعوام الأخيرة إلى تفشي جائحة كورونا، ويقول إن "العديد من العمال والموظفين فقدوا وظائفهم بسبب عمليات الإغلاق التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين، ما تسبب في أزمات نفسية ومشاكل اجتماعية كبيرة، كان أبرزها الصدام بين الزوجين بسبب عدم قدرة الزوج على توفير متطلبات المعيشة، وشعوره بأنه عاجز أمام زوجته وأبنائه. وقد ترجم هذا العجز في السلوك العدائي العنيف"، لكنه يلفت أيضاً إلى "أسباب أخرى تتعلق بذكورية المجتمع الصيني التي لا تمنح المرأة القدر الكافي من الاحترام والتقدير". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويوضح وو جيانغ أن "تقدم المرأة في مجال التحصيل العلمي، ووصولها إلى درجات عليا في السلم الوظيفي، جعل الرجل يشعر بدونية، لأنه لا يتقبل فكرة أن ترأسه أو تديره امرأة، فكيف إذا كانت هذه المرأة زوجته؟"، ويضيف: "لا يمكن تخيل حال رجل فقد وظيفته وبات يجلس في المنزل، وينتظر أن تصرف زوجته عليه وعلى أطفاله. هذا أمر غير طبيعي في المجتمع الصيني التقليدي الذي اعتاد وجود المرأة في المنزل لرعاية الأطفال، وتقديم فروض الولاء والطاعة للزوج".
وكان نشطاء وحقوقيون قد حمّلوا الدولة مسؤولية اتساع ظاهرة العنف الأسري في البلاد، وقالوا إن الحكومة لم تشرّع قوانين صارمة ورادعة في مسألة العنف الذي يمارس ضد النساء والأطفال، ومعظم القضايا التي تنظر فيها المحاكم تحل ودياً بين الأزواج على طريقة المجالس الشعبية، والرجال الذين يمارسون العنف يفرج عنهم عادة بكفالة مادية ضئيلة، من دون فرض أي عقوبات رادعة عليهم، ما يجعلهم لا يغيرون سلوكهم العدواني ضد زوجاتهم وأبنائهم.

المساهمون