العقم في إيران... "إهداء الجنين" حلّ معقّد

26 يوليو 2021
"الجنين المهدى" حل معتمد في إيران (فاطمة براهيمي/ الأناضول)
+ الخط -

"أعيش مع زوجتي وأفراد عائلتينا في حزن وهمّ كبيرين منذ 30 عاماً. قتلنا الشوق طوال هذه السنوات لوجود أطفال يعيشون معنا ويجلبون البهجة إلى حياتنا. لكن العقم حرمنا منهم ومن متعة مشاركة الحياة معهم". 
بهذه الكلمات يصف م. خ.، وهو خمسيني من طهران، وضعه النفسي الصعب مع أفراد عائلته طوال ثلاثة عقود بسبب عدم إنجابه أولاداً، ويقول بحسرة: "كنت أكثر قدرة على تحمّل الوضع مع زوجتي التي تملكتها مشاعر حزن وهمّ أكثر مني، وكانت تبكي في خلوتها، وتذرف الدموع أحياناً حين نعود من جلسة غداء أو عشاء، حيث تشاهد أطفالاً مع ذويهم".
يضيف: "بعدما باتت حيلنا قليلة في التعامل مع الموضوع، واجهنا خيار تبني طفل أو طفلة، أو تلقي جنين، فاخترنا الأخير. لكنه حلّ معقّد للغاية بسبب وجود معايير وشروط صعبة، وضرورة سلوك مسار إداري طويل للحصول على جنين مهدى، كما أن هناك عقبات ثقافية واجتماعية". ويقول م.خ. إنه قرر مع زوجته عدم إبلاغ أسرتيهما وأقاربهما بأنهما تلقيا جنيناً، والقول إنه "جرت معالجة مشكلة العقم بعد طول انتظار، وأنهما باتا يستطيعان الإنجاب". ويوضح أن العقم يرتبط به تحديداً، مؤكداً أن الحب الذي يجمعه مع زوجته "لا مثيل له، ما حافظ على استمرار شراكتنا في الحياة". 

"إهداء الجنين"  
يساعد معهد "رويان" لمعالجة العقم في طهران، أكبر مؤسسة طبية في البلاد، الزوجين اللذين يواجهان مشاكل في الإنجاب تعجز الحلول الطبية الحديثة عن حلها، ويقدم لهما خيار "إهداء الجنين" و"الرحم البديل". 

يوضح الدكتور أحمد وثوق، نائب رئيس معهد "رويان" لشؤون علاج العقم والخدمات التخصصية، لـ "العربي الجديد" أن "إهداء الجنين يشمل نقل بويضات مخصّبة (أجنّة) إلى رحم امرأة أخرى، ما يمثل أحد طرق علاج الزوجين غير القادرين على الإنجاب بالكامل، وهي حالة أكثر انتشاراً لدى الرجال الذين لا يمكن معالجة عقمهم طبياً". ويشير إلى أن إيران "قبلت على غرار دول عدة في العالم معالجة العقم عبر إهداء الجنين الذي يحصل عبر ضوابط ومعايير شرعية وقانونية محددة، أهمها أن الجنين المهدى يجب أن يعود أساساً إلى أزواج عانوا من عقم، وراجعوا مراكز متخصصة أخذت منهم عينات من الحيوان المنوي والبويضة خلال فترة العلاج، واحتفظت بها وجمّدتها بعدما تحولت إلى جنين خلال فترة تمتد بين 48 و72 ساعة، ثم تنقلها إلى رحم امرأة أخرى تواجه نفسها أو زوجها عقماً لا علاج له".
يضيف: "هؤلاء الأزواج الذين يصبحون قادرين على الإنجاب بعد انتهاء العقم لديهم، يستطيعون إهداء أجنّة إضافية إلى المعهد الذي يمنحها، في عملية سرية، إلى أزواج غير قادرين على الإنجاب بالكامل بطرق أخرى، علماً أننا نؤكد حظر أخذ حيوانات منوية وبويضات من أزواج قادرين على الإنجاب في شكل طبيعي، وتخصيبها في المختبر، وتحويلها إلى جنين". 
ويوضح أن الإهداء "عمل إنساني بحت يحصل بلا مقابل مادي، وينفذه من سبق أن عانوا من عقم، ويرغبون في أن تساعد أجنتهم الإضافية الموجودة في المعهد أشخاصاً واجهوا المشكلات ذاتها، من أجل إنجاز الإنجاب".

عملية سرّية
ويشدد وثوق على أن "إهداء الجنين" يحصل بموافقة الوالد والوالدة البيولوجيين، لكن لا يحق لهما تحديد من يتلقاه كي تبقى العملية سرّية، "فالعائلة التي تهدي الجنين وتلك التي تتلقاه، لا تعرفان بعضهما البعض". ويشير إلى "وجود معايير أخرى في هذه العملية، مثل ضرورة تطابق مواصفات الجنين العرقية والبشرية (اللون) والقومية والدينية والمذهبية مع الزوجين الذين يتلقيان الأجنة، علماً أن هذه الأجنّة الإضافية لزوجين شرعيين تهدى إلى جنين واحد". 
وفيما تتراوح نسبة العقم بين الأزواج الإيرانيين بين 15 و20 في المائة، يقول وثوق إن "أقل من 5 في المائة منهم سيحتاجون في نهاية المطاف إلى تلقي بويضات مخصّبة في رحم آخرين، وهو ما يعارضه كُثر أيضاً. وفي نهاية المطاف، تقبل نسبة ضئيلة جداً من الأزواج حل الإنجاب عبر أجنة آخرين، ما يدفع كُثرا إلى البحث عن طرق أخرى مثل تبني الأطفال". ويكشف بالتالي أن بين 20 و25 عملية "إهداء جنين" تحصل سنوياً في معهد "رويان"، ما يعني تنفيذ بين 600 و750 حالة خلال ثلاثة عقود من تأسيسه.
 

شراكة الأزواج لا تكتمل بلا أطفال (كافح كاظمي/ Getty)
شراكة الأزواج لا تكتمل بلا أطفال (كافح كاظمي/ Getty)

القانون والشرع  
التخصيب خارج الرحم وتوليد جنين منه لنقله إلى رحم آخر، إجراء طبي مستحدث قد لا يمثل حلاً حاسماً لغير القادرين نهائياً على الإنجاب، في حين يواجه تحديات عدم قبوله بسهولة لدى المجتمعات المسلمة التي تنظر إلى آلياته بريبة وشك، استناداً إلى الشرع. أما في إيران فالحل القانوني والشرعي موجود، في حين لم تتحوّل الآلية بعد إلى مسألة طبيعية ثقافياً ومجتمعياً. 
يقول الخبير القانوني الإيراني رجل الدين محمد رضا رضانيا معلم لـ "العربي الجديد" إن "القانونيين بحثوا قبل رجال الدين مسألة التلقيح الصناعي، وتحديداً عام 1947، حين وضع الباحث الحقوقي حسين كاظم زادة أول كتاب تناول الموضوع، وأشرف عليه أيضاً رجل القانون البارز وأحد مؤسسي علم الحقوق في البلاد حسن إمامي. وخلال العقود التالية أعطى رجال دين رأيهم بالموضوع الذي سمح بعضهم بتنفيذه وفق ضوابط شرعية، وبينهم المرشد علي خامنئي، أو قبلوا به شرط أن يكون الجنين لزوجين شرعيين، وبينهم مؤسس الجمهورية سيد الموسوي الخميني. كما سمح بعضهم بنقل الجنين من رجل وامرأة لا تربطهما علاقة زوجية شرط أن يجري التخصيب في مختبر، وعدم نقل الحيوانات المنوية والبويضات مباشرة إلى الرحم، في حين حظره آخرون بالكامل".
يشير إلى أن سماح المرشد الخامنئي بإهداء الجنين ساهم في نشر مراكز التخصيب الطبي في إيران، ووسع الدراسات في شأنه. ثم شرّع مجلس الشورى (البرلمان) الأمر في قانون أصدره عام 2003، وتضمن 5 بنود بينها منح مؤسسات طبية متخصصة حق معالجة العقم وفق ضوابط شرعية، وأن يكون صاحبا البويضات المخصّبة زوجين شرعيين يوافقان خطياً على نقلها إلى أرحام نساء ثبت عقمها أو عقم زوجها أو الاثنين معاً بعد إجراء فحوصات طبية.
كما لحظ البند الثاني من القانون تقديم الزوج والزوجة غير القادرين على الإنجاب طلباً مشتركاً إلى المحكمة المخوّلة السماح بتلقيهما الجنين في حال توافرت 6 شروط، بينها عدم قدرة المتلقين على الإنجاب نهائياً، وقدرة الزوجة على تلقي الجنين والحمل، وامتلاك الزوجين مؤهلات أخلاقية. أما البند الثالث فحدد مسؤوليات الزوجين المتلقين وواجباتهما في التربية والإنفاق وغيرهما.

لا حسم
يرى رضانيا معلم أن "القانون يتضمن نواقص ومشكلات في التطبيق ارتبطت برغبة المشرعين في حل مشكلة هؤلاء الأزواج بسرعة، علماً أنهم قرروا حينها استكمال النظر في القانون لاحقاً، من أجل إدخال تعديلات عليه. وبين هذه النواقص  عدم حسم مصير الجنين بعد الولادة لصالح والديه الجدد غير البيولوجيين اللذين ينفذان عملياً مهمة الأبوة والأمومة". 
ويشير رضانيا معلم إلى أن "جميع الفقهاء مقتنعون بأن صاحب الحيوان أو السائل المنوي هو الوالد. لكن هناك خلافات في وجهات النظر حول هوية الأم سواء تلك التي تعود إليها البويضة أو التي تحمل البويضة المنقولة إلى الرحم الذي تكبر داخله، ثم تلدها، علماً أن معظم الفقهاء بينهم الإمام الخميني يرون أن صاحبة البويضة هي الأم".  
هذه القضايا تكتسب أهمية كبيرة في حال رفع لاحقاً أصحاب البويضات المخصّبة، أي الوالدان البيولوجيان، شكوى أمام المحكمة ضد مركز صحي لمعرفة مصير الأجنّة. حينها تضطر المراكز إلى كشف هوية المتلقين بأمر من المحكمة".
وقد فتحت ملفات قضائية في هذا الشأن أمام محاكم، والتي طالب فيها أزواج بإعادة أطفال ولدوا من بويضاتهم المخصّبة وحملتهم أرحام أخرى، واستندت إلى فتاوى تؤكد أن الوالدين البيولوجيين هما الوالدان الحقيقيان. لكن رضانيا معلم الذي يزاول أيضاً مهنة قاضٍ يؤكد أنه في حال نظر في ملف مماثل سيصدر حكماً قضائياً مختلفاً، ولن يعيد الجنين إلى والديه البيولوجيين، "لأن هذا التصرف ينقض الغرض من سنّ قانون إهداء الجنين، علماً أن البرلمان يعمل لتعديل القانون من أجل منع إعادة هؤلاء الأطفال إلى والديهما البيولوجيين، في حال رفع قضايا في المحاكم".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشير إلى أنه سيجري تأسيس نظام إلكتروني في منظمة السجل المدني، من أجل تسجيل بيانات البويضات المخصّبة ووالديها البيولوجيين والجدد، لافتاً إلى إن "ذلك أمر ضروري لمنع زواج المحارم، وأغراض أخرى مثل احتمال إصابة طفل بأمراض خاصة مثل بعض السرطانات التي تستدعي الإفادة من خلايا جذعية يمنحها الوالدان البيولوجيان". 

المساهمون