العراق: السجن 15 سنة لأب باع طفلته.. تزايد حالات الاتجار بالبشر

العراق: السجن 15 سنة لأب باع طفلته.. تزايد حالات الاتجار بالبشر

08 فبراير 2024
تتزايد حالات المتاجرة بالأطفال رغم الجهود الأمنية (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

في حادثة لم تعد سابقة على العراق، قام رجل بالاشتراك مع طليقته ببيع طفلتهما في محافظة النجف مقابل مبلغ مالي لا يتجاوز 15 مليون دينار عراقي، أي ما يعادل 10 آلاف دولار، إلا أن القوات العراقية تمكنت من إحباط العملية وقررت محكمة النجف الحكم على الرجل بالسجن 15 سنة.

وذكرت مصادر محلية من محافظة النجف، جنوبي البلاد، أن "المحكمة وبعد استعراض كافة المطالعات الخاصة بقضية إقدام رجل بالاشتراك مع طليقته على بيع طفلتهما، حكمت عليه بالسجن 15 سنة وبغرامة 20 مليون دينار (حوالي 13 ألف دولار)"، مبينة أن "الطفلة تمت استعادتها بعدما تم بيعها منتصف عام 2022".

ولفتت مصادر قضائية من النجف إلى أن "الرجل اعترف بأنه كان يفكر ببيع طفلته منذ ولادتها، بحجة أنه يريد أن يسافر، وقد ساعدته في هذه الفكرة طليقته التي أرادت الزواج ومغادرة محافظة النجف"، موضحة لـ"العربي الجديد"، أن "الشخص الذي اشترى الطفلة يسكن في النجف أيضاً، ولديه تجارة في العاصمة بغداد".

تزايد الاتجار بالبشر

وبالرغم من الجهود العراقية في مكافحة الاتجار بالبشر، فإن حالات المتاجرة بالأطفال والقاصرات والمراهقات لا تزال موجودة، بل إن نسبها تتزايد، وتحديداً في مناطق وسط وجنوب البلاد، وفقاً لناشطات متخصصات في العمل على هذا الملف.

وتعد جريمة الاتجار بالبشر إحدى أبرز الجرائم التي نشطت في العراق خلال السنوات الأخيرة، وتُسجل السلطات وقائع شبه يومية يجري فيها استغلال فئات مثل المعوقين والمشردين والفقراء في العمل تحت ظروف صعبة، أو في مجالات بعضها مجرّم في القانون، مثل الدعارة أو التسول أو تهريب الممنوعات، فضلاً عن توجه آلاف الشباب نحو الهجرة السرية بسبب الظروف التي تعيشها البلاد، وسط انتقادات متكررة لإجراءات وخطط مكافحة تلك الجرائم.

وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلنت وكالة الاستخبارات العراقية تفكيك شبكة للاتجار بالبشر، كان ينوي أفرادها بيع طفلين مقابل 30 مليون دينار عراقي (23 ألف دولار)، بمحافظة بابل جنوب العاصمة العراقية بغداد، وقبل ذلك تمكنت القوات العراقية من القبض على رجل وزوجته حاولا بيع طفليهما (صبي وفتاة) مقابل مبلغ مالي مقداره 150 ألف دولار.

في السياق، قالت نهى السماوي، وهي ناشطة من جنوب العراق، تعمل على مكافحة الاتجار بالبشر ضمن مجاميع تنتسب لمنظمات المجتمع المدني، إن "الحالات التي كانت تصدم المجتمع العراقي بشأن بيع الأطفال والمراهقات، باتت طبيعية بالنسبة لنا، لأنها في زيادة مستمرة، وتخضع لآليات منظمة تستفيد منها في النهاية جهات متنفذة وعصابات جريمة منظمة"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن "القانون العراقي ضعيف في ملاحقة حالات كثيرة تقع، وعادة ما تتم إطاحة الحالات الضعيفة".

وأضافت السماوي، أن "الاتجار بالبشر موجود في عموم مناطق العراق، بما في ذلك مدن إقليم كردستان، لكنها تزداد في محافظات الجنوب بسبب انفلات الوضع الأمني وتفلت السلاح وتفشي المال الفاسد"، معتبرة أن "الفقر وانهيار المنظومة الأخلاقية لدى الزوجين أو الطليقين تؤدي إلى هذه الحالات وزيادتها، كما أن العروض من المشترين في بعض الأحيان تكون مغرية".

وأشارت إلى أن "كثيراً من الحالات التي يتم الإعلان عنها عبر الإعلام الرسمي للمؤسسات القضائية والأمنية، تأتي من البائعين أو المتاجرين أصلاً بسبب الإحساس بالذنب، ما يعني أن الجهود الأمنية والاستخباراتية ليست كما يروج لها، فإنها أضعف من المعلن عنه"، مستكملة حديثها بأن "منظمات المجتمع المدني والناشطين في هذا الملف يعملون بصمت وقد منعوا عشرات الحالات خلال الأشهر الماضية".

من جهته، قال ضابط في مديرية مكافحة جرائم الاتجار بالبشر والأعضاء البشرية في بغداد، إن "مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة غير مبررة على الأغلب تقود في النهاية إلى المتاجرة بالأطفال، ومن خلال متابعتنا فإننا وجدنا أن هذه الحالات تكثر عن المطلقين الذين يريدون استكمال حياتهم من دون أطفالهم، لكن القوات الأمنية والأجهزة القضائية بالمرصاد وتعمل على مدار الساعة لأجل التقليل من هذه الحالات التي للأسف لا تزال مستمرة بالرغم من الجهود المضنية".

وأكمل الضابط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "بعض الأطفال الذين تتم المتاجرة بهم، يتم تهريبهم إلى مناطق إقليم كردستان، وبعد نحو سنة تتم استعادتهم إلى مدنهم الأصلية أو محافظات أخرى من أجل تمييع القضية، لكن هذا لا يمنع الأجهزة الاستخباراتية من الاستمرار بالتحريات والبحث"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراءات الحكومية توجب تحجيم هذه الحالات قبل وصولها إلى مرحلة الظاهرة".

ولفت إلى أن "أجهزة الشرطة المحلية والأمن الوطني والمخابرات وشرطة حماية الأسرة والشرطة المجتمعية لديها تنسيق عال من أجل إنهاء ملف الاتجار بالأطفال، لكن هناك حاجة فعلية لإقرار قانون يحمي الفئات الهشة ومن بينهم الأطفال، حيث لم يتمكن البرلمان العراقي من إقرار قانون مثل هذا".

ولا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد حالات بيع الأطفال والاتجار بهم في العراق، لأن ما يتم الإعلان عنه قليل جداً مقارنة بالحالات التي لا تتمكن أجهزة الأمن من معرفتها، وعادة ما يتم استغلال الأطفال في العمالة أو المتاجرة بأعضائهم البشرية، أو توريطهم في المتاجرة بالمخدرات والدعارة، وفقاً لناشطين ومهتمين بهذا المجال.

وفي وقتٍ سابق، أكد المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، أن "الأطفال دون السادسة عشرة يشكلون ثلثي الضحايا، كما توجد شبكات للاتجار بالبشر تستدرج ضحاياها من خلال صفحات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي"، مشيراً في بيان سابق إلى أن "شخصيات حكومية متورطة في هذه الشبكات توقع ضحاياها من خلال نفوذها في المؤسسات الأمنية".

ويعرّف القانون العراقي جريمة الاتجار بالبشر بأنها أي تجنيد، أو نقل، أو إيواء، أو استقبال لأشخاص من خلال التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر، أو الاختطاف، أو الاحتيال، أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف البيع، أو الاستغلال، أو العمل القسري، أو الاسترقاق، أو التسول، أو المتاجرة بالأعضاء، ويفرض القانون عقوبات مشددة بالسجن والغرامة المالية على المتاجرين بالبشر.

المساهمون