الرقة: دمج عائلات عائدة من مخيم الهول

الرقة: دمج عائلات عائدة من مخيم الهول

14 اغسطس 2022
تحركات لزيادة التماسك والسلم الأهلي في الرقة (أسامة الخلف)
+ الخط -

في حين يرفض المجتمع نساء وأطفال عائلات تنظيم "داعش" الذين يقيمون في مخيم الهول بمحافظة الحسكة شمال شرقي سورية، بسبب الانتماء للتنظيم، يكثف نشطاء ووجهاء وفاعلون في المدينة خطوات دمجهم من خلال مبادرات لدعم تعزيز قبولهم. 
تقول العضو في لجنة حل النزاع بمدينة الرقة، نجاح الخوجة (أم رامي)، لـ"العربي الجديد": "زرنا نحو 30 عائلة قدمنا لها خدمات كثيرة، منها تسجيل الأطفال في رياض مجاناً، وإخضاع أفراد منها إلى دورات نفذتها منظمات محلية، وما زالت برامجها مستمرة، ونحن ندفع لهم أجور نقل وتكاليف خدمات أخرى، واستطعنا تأمين وظائف مؤقتة وأعمال حرة لبعضهم".

 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتلفت إلى أن "البرامج المنفذة تصطدم بصعوبات كثيرة كون النساء اللواتي خرجن من مخيم الهول لم يستقبلن أفرادنا أو يتقبلنهم في البداية، ثم استطعنا إقناعهن بأن خدماتنا إنسانية. عندها بدأنَ في التواصل معنا والتقرب منّا. ونحن نقدم لهن أي خدمات يحتجنها، منها توفير أوراق ثبوتية لهن ولأطفالهن، ومنح مساعدات عبر بطاقات للحصول على خبز، وسلل غذائية بالتعاون مع منظمات محلية وعالمية. وسنضيف 30 عائلة جديدة إلى البرامج في المرحلة التالية".

يقول رئيس "منظمة شباب أكسجين" بشار الكراف لـ"العربي الجديد" إنه "بعد استقرار حال الناس، يصدمون بالواقع ويتغيّر السياق العام للأمور الميدانية. أصبحت الرقة بعد طرد تنظيم داعش بمثابة سورية صغرى تخضع لسيطرة 3 قوى عسكرية، وملاذاً آمناً لجميع الهاربين من الحرب". يضيف: "تغيّرت طبيعة السكان في الرقة، فباتوا خليطاً من مختلف المكونات والطوائف من حمص وحماة ودير الزور ودرعا. ولاحظنا تنافسهم على الموارد المحدودة المتوفرة، ووجود حساسية بين النازحين الذين وصلت نسبتهم إلى نحو ٥٠ في المائة، والمجتمع المضيف، ما خلق نزاعات تمحورت حول مطالبة النازحين بالحصول على أفضل ما يمكن، واعتبار المجتمع المضيف الأشخاص من خارج الرقة منافسين لأفراده على فرص العمل والموارد الموجودة. ومبادرة (نحن أهل) التي خلقت خيمة متنقلة تجمع النازحين والمقيمين، تستهدف حل الإشكالات بين الفئتين، وخلق مبادرات لحل النزاعات جذرياً، علماً أن بعض القضايا ترفع إلى الجهات المعنية. ومن الضروري زيادة التماسك والسلم الأهلي لتشارك الخدمات".

الصورة
شؤون سكان مخيم الهول موضع بحث (أسامة الخلف)
سكان مخيم الهول مختلفون (أسامة الخلف)

وفي شأن عائلات تنظيم "داعش"، يقول الكراف: "النازحون من هذا المخيم هم الأكثر حاجة، فمنذ بداية عام 2018 أخرجت نحو 1200 عائلة على دفعات لا يعرف أطفالها تحديداً شيئاً عن المحافظة، بل مجرد أنهم ينتمون إلى سورية، وعاشوا وتربوا في المخيم. وهذا أمر خطر على المجتمع بشكل عام لأن تربية المخيم تختلف عن مجتمع الرقة وثقافته وتعاليمه الدينية. من غادروا مخيم الهول حصلوا على موافقات أمنية أو كفالات عشائرية، ووجدوا أنفسهم في مجتمع يرفض وجودهم، ولا يتقبلهم ويحمّلهم كل مسؤوليات القتل والخراب والدمار، علماً أن الرقة تضم عدداً كبيراً من الضحايا والمفقودين".

ويشير الكراف إلى أن فكرة حل النزاع بين المجتمع وعائلات "داعش" انطلقت من تشكيل لجنة مقبولة مجتمعياً تضم شخصيات من الوجهاء والمجتمع المدني وخبراء في علوم التربية والقانون وناشطات في المجتمع المدني. وتألفت من عشرة أشخاص اختيروا استناداً إلى فعالية أدوارهم في المجتمع. والحقيقة أن اللجنة تأسست في ظل ظروف استثنائية فرضها وجود أطفال مكتومي القيد، ونساء عانين من الأميّة ورفض المجتمع لهن". ويوضح أن "العمل يتركز حالياً على دمج النساء في المجتمع كون بعضهن جرى تزويجهن قسراً، وأخريات متعلمات لكنهن اصطدمن بواقع عدم قبول عملهن بسبب معرفة المجتمع بأنهن خرجن من مخيم الهول. وبعضهن قد واجهن ظروفاً وتحديات ضمن المجتمع الأصلي، لذا كانت لجنة حل النزاعات ضرورة وحتمية لمعالجة قضايا كل عائلة بمفردها، من خلال زيارة أفرادها، ومحاولة بناء الثقة معها". 

الصورة
أي مبادرة لحل النزاعات ضرورية في الرقة (أسامة الخلف)
أي مبادرة لحل النزعات في الرقة ضرورية (أسامة الخلف)

من جهته، يصف عضو اللجنة محمد علي سليمان الوضع بأنه "صعب بالنسبة إلى سكان مخيم الهول"، ويقول لـ"العربي الجديد" إنه "كان من المهم كأبناء لمدينة الرقة وريفها القيام بهذا العمل كي نستطيع جلب كل سكان مخيم الهول إلى المدينة وريفها في مرحلة أولى، ثم إلى باقي المدن، لأن بقاءهم على هذه الحال لا يبشر بالخير باعتبار أن أفكار التطرف تبقى موجودة، وعواقبه وخيمة كون الأمهات مربيات، لذا من أساس هذا العمل اختيارهن. وقد تشكلت هذه اللجنة نهاية عام 2021، وبدأت عملها الحقيقي مطلع العام الجاري، وهو جدّي ومتعب، ويتضمن تحديات وصعوبات كبيرة". 
يتابع أن "النساء اللواتي خرجن من مخيم الهول لا أزواج وأخوة لهن، ويملكن نظرة مختلفة للمجتمع وفكراً غير اعتيادي. بعض العائلات أنكرت عملنا واتهمتنا بمحاولة تخريب العقيدة، لكننا نجحنا في كسر الحواجز واستخدمنا الرسائل الشفوية لتغيير عقول العائدات من مخيم الهول، وأصبحت النساء يحكين عن المساعدات التي قدمناها لهن. والأوراق والوثائق الثبوتية صعبة الحل لكننا نسعى إلى إيجاد حلول لها، وباقي الأمور المتعلقة بالمعيشة وتنفيذ وساطات لحل هذه المسائل ودمج العائلات كي يعم السلم بالكامل في المجتمع مهمة لرفع مستوى الآمال والطموحات".

وفي ظل وجود صعوبات في التواصل مع النساء، لم يكن من السهل أن يتعاونّ مع اللجنة. ويوضح سليمان أنه "جرى بناء جسور تعاون، وتخطي العقبات تدريجاً تمهيداً لدمج هؤلاء النساء في الأعمال والوظائف للسماح بإعالتهن أطفالهن بأنفسهن. وجرى توفير مساحات آمنة للأطفال ورعاية نفسية لإخراجهم من الشعور بالضيق". وبين المشاكل التي تواجهها لجنة حل النزاع، الأطفال مكتومو القيد. ويقول سليمان: "نعمل لحل المشكلة من خلال خطوات. لم يقصّر الأمن العام في حل هذه المعضلة بالكامل. الأطفال من أبناء المهاجرين سُجلوا على نسب أمهاتهم، في انتظار حل معضلة الوثائق الشخصية". 

المساهمون