الحرب على غزة غيّرت حياة السكان: صراع للبحث عن أبسط المقومات

الحرب على غزة غيّرت حياة السكان: صراع للبحث عن أبسط المقومات

24 ديسمبر 2023
يفتقد النازحون الطعام والمياه وحتى الحمام (عابد زقوت/الأناضول)
+ الخط -

حوّلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المتواصلة لليوم الـ79، حياة سكانه إلى صراع دائم على أبسط مقومات الحياة من طعام ومياه، وحتى الحمام.

ويعاني القطاع الخاضع لحصار إسرائيلي مطبق منذ التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، أزمة إنسانية خطيرة، إذ باتت معظم مستشفياته خارج الخدمة، فيما نزح نحو 1.9 مليون نسمة، أي 85 في المائة من سكانه، من شمال القطاع إلى جنوبه هرباً من الدمار والقصف، وفق الأمم المتحدة.

الطبيبة نور الوحيدي (24 عاماً)، مكثت 38 يوماً في مستشفى الشفاء في مدينة غزة بعد بداية الحرب، لتضطر إلى النزوح بعدها إلى رفح في جنوب القطاع. وتعمل حالياً في قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى الكويتي في مدينة رفح.

تروي نور كيف عملت لمدة 38 يوماً متواصلاً، وتقول لوكالة فرانس برس: "لم أذهب إلى البيت إطلاقاً. حوصر المستشفى، فنزحت في اليوم الـ38 (..) منذ أكثر من شهر".

نازحون من الحرب بلا طعام أو مياه

تؤكد نور وجود "اختلاف شاسع بين حياتي السابقة في بيتي حيث جميع مقومات الحياة متوافرة، ووجودي في مكان غريب دون مواد غذائية أو مياه، وأي مقومات، الوضع كارثي، إنسانياً واقتصادياً ومعيشياً وصحياً".

وتقول إنها تقيم في رفح الآن مع "أكثر من عشرين شخصاً في شقة صغيرة جداً، المكان لا يتسع للجميع. بقيت عائلتي من جهة والدتي في مدرسة تابعة للأونروا، أما جدتي وعمي وعمتي فما زالوا في غزة للأسف، والاتصال بهم منقطع، مستودعيهم الله".

وتضيف: "كل يوم، أشاهد قصص معاناة لم أكن يوماً أتخيل مشاهدتها. وسائل الراحة ليست متوافرة، لا يمكنني أن أرتاح وأنام بعد الدوام، عدد الموجودين في البيت كبير".

لكنها توضح قائلة: "نحن أفضل من غيرنا"، مشيرة إلى أنها بعد تركها العمل "أعود للبيت (..) أطبخ معهم على النار، أقوم بالغسيل على يدي حين تتوافر المياه".

وتلاحظ "أصبحنا نفكر في إمدادات الطعام والشراب والمياه وشحن الهواتف النقالة وغيرها. أشياء لم نفكر بها يوماً. نفكر كيف نحيا".

وتشير نور إلى أنها "عملت خلال العامين الماضيين في أثناء تصعيدات عسكرية، لكن هذه الحرب مختلفة في كل شيء"، موضحة أنّ "المدة طويلة وعدد الشهداء ونوع الإصابات لم يمر من قبل بسبب شدتها والنزوح".

وتروي أنها خلال نزوحها "كنت أسير في الشوارع وأنا في حالة صدمة. لم أتخيل حجم هذه الحرب"، مشيرة إلى أن الحرب "خلقت من كل شخص فينا شخصاً مختلفاً تماماً. لا نستحق هذه الحياة، لا أحد يجب أن يعيش هذه الحياة".

وبعد الحرب، تؤكد نور أن "الجميع يفكر بالسفر لأن البلد لم يبقَ فيه شيء. لا بشر ولا حجر ولا شجر". وكانت نور تفكر قبل الحرب بالسفر لإكمال دراستها، وتؤكد الآن "الحرب شجعتني على ذلك وإذا نجوت (..) لكن في النهاية هذه بلدي وسأعود اليها".

حياتنا انقلبت 180 درجة

من جهتها تؤكد سندس البايض (32 عاماً) و هي الأم لثلاثة أطفال أن حياتها "انقلبت 180 درجة" منذ بدء الحرب .

وتعيش سندس الآن في خيمة صغيرة أمام المستشفى الكويتي في مدينة رفح، تتذكر حياتها السابقة قائلة: "حياتنا قبل الحرب كانت مستقرة وسعيدة. كان يوجد كل شيء في منزلي. كنت أقيم في شقة في مبنى يعود لعائلة زوجي. وأطفالي يذهبون إلى المدارس"، موضحة أنها تشتاق لروتينها اليومي.

وتتابع: "روتين حياتي اليومي إيقاظ أطفالي صباحاً للمدرسة وتجهيزهم وتحضير الطعام قبل النوم مرة أخرى ثم شرب القهوة مع زوجي (..) حياة بسيطة ومستقرة، ليتها تعود".

أما اليوم، فتشير السيدة المتزوجة صحافياً إلى أن نزوحها مع أطفالها حصل على مراحل، بينما بقي زوجها في غزة في البداية. وتوضح أنها مكثت في دير البلح لأكثر من أسبوعين، لكن "أصحاب المنزل خافوا من وجودي، لأن زوجي صحافي، وهم يعتقدون أن الصحافيين مستهدفون، بكيت بشدة لم أعرف ماذا سأفعل" وطلبوا منها المغادرة.

وبعدها توجهت إلى خانيونس، ثم فرت مرة أخرى إلى رفح.

وتوضح أنّ "الاستحمام صعب جداً وبماء بارد. أغسل في وعاء بلاستيكي"، مشيرة إلى أنه "لا يوجد خبز. ونحضر وجبات غذائية، لكن الأطفال يرفضون أكلها. الأكل سيئ جداً وملوث. ونعتمد على الخضار وبعض المعلبات"، ما سبّب لهم أعراضاً معوية حادة.

"الحرب أرهقتنا نفسياً"

وتضيف: "هذه الحرب أرهقتنا نفسياً بشدة. أطفالي سلوكهم تغير، وأصبحنا جميعا بمزاج حاد. جميعنا بحاجة لعلاج نفسي بعد الحرب".

وتؤكد سندس أنها اتفقت مع زوجها على البقاء، إذ "نحن متعلقون بعائلاتنا. الغربة صعبة، وفراق الأهل والذكريات صعب".

تحلم سندس بالعودة إلى منزلها، مؤكدة "أتمنى أن نعود إلى منزلنا، وألا نضطر إلى اللجوء إلى خارج غزة إن شاء الله. حال عدنا إلى بيوتنا سنسافر مع أطفالنا للنقاهة والترفيه لشهر أو عدة شهور لترميم نفسيتنا".

الحرب تجهض حلم لين

تعيش لين روك (17 عاماً) حالياً في خيمة مع والديها وشقيقها وأربع شقيقات وابنة إحداهن. ولين طالبة في السنة الأخيرة من المدرسة كانت تحلم بدراسة الصحافة.

وتوضح: "حياتي كانت روتينية لدرجة أنني كنت أتذمر منها. الحرب غيرت كل شيء. أصبحت أتمنى العودة إلى حياتي التي لم تكن تعجبني".

فرت عائلة لين من بيتها في خانيونس في اليوم الثاني لاندلاع الحرب "صورنا البيت ونحن نبكي، غادرنا إلى منزل أختي، لكنه لم يكن آمناً أيضاً، فنزحنا إلى مستشفى ناصر" في خانيونس.

وتروي: "كنت أعتقد أننا سنعود إلى المنزل بعد أسبوع كحد أقصى. مرّ أكثر من سبعين يوماً، ولم نعد بعد". رفضت لين الأكل والشرب في البداية "حتى لا أضطر إلى الذهاب إلى الحمام. الحمامات قذرة وعليها طوابير طويلة" ومرضت مرات عدة.

فقدت لين الوعي في إحدى المرات، مشيرة إلى نقلها إلى قسم الطوارئ.

وتتابع: "لم أتوقع أن أعيش هذه الحياة. في منزلنا أربعة حمامات"، مؤكدة أنها فقدت 7 كيلوغرامات من وزنها في هذه الحرب. وتوضح لين أن العائلة تعيش على "أكل الزعتر والمعلبات. من الصعب توفير الخبز".

الاستحمام والذهاب إلى الحمام أصبحا "معاناة. دخول الحمام كأنه سفر، لأن المسافة بعيدة". وتضيف: "كنت أستحم يومياً قبل الحرب. والآن إذا حالفني الحظ استحم مرة واحدة في المسجد وبمياه باردة. أغسل شعري في المغاسل المخصصة للوضوء ثم أغسل جسمي في الحمام".

وتشير الفتاة وهي تبكي: "أشعر بالحسرة لأنني سأفقد وكل الطلاب، هذا العام من حياتنا. لا أعتقد أننا سنعود إلى المدارس". وتضيف: "كنت متحمسة لإنهاء المدرسة بتفوق حتى أسافر وأكمل حلمي"، متابعة: "كل ما أتمناه الآن أن يعود الجميع إلى منازلهم، وأن أعود إلى منزلي، وأن يكون لا يزال موجوداً".

(فرانس برس)

المساهمون