الجزائر: أطفال بأسماء مميّزة في المولد النبوي

الجزائر: أطفال بأسماء مميّزة في المولد النبوي

10 أكتوبر 2022
طفل جزائري في تظاهرة مع والدته (رياض قرمدي/ فرانس برس)
+ الخط -

تتوارث العائلات الجزائرية منذ فترة الاستعمار الفرنسي أسماء تطلق على المواليد الجدد الذين يولدون خلال ذكرى احتفالات المولد النبوي الشريف، مثل اسم مولود المشتق من اسم الاحتفالية الدينية، ومحمد وأحمد، إكراماً للنبي محمد وتبركاً به.
يتذكر سكان مدينة ميلة، شرقي الجزائر، تحديداً شخصية "سي مولود"، أحد معلمي القرآن الكريم في المدينة، الذي لقّن الأطفال الصغار حروف اللغة العربية، وسوراً قرآنية في غرفة بمسكنه القرميدي، بعيداً عن عيون المستعمر الفرنسي قبل ثورة التحرير عام 1954، حين كان تعليم اللغة العربية محظوراً. وما زالت عائلات في المدينة تحفظ اسم الرجل الذي كان بين الأوائل الذين حملوا اسم "سي مولود"، تيمناً بمولد النبي، فيما يستمر اطلاق اسمي مولود أو ميلود على المواليد الجدد الذين يأتون إلى الحياة خلال احتفالات مولد النبي محمد.

وظهر اسم مولود أو ميلود المشتق منه في فترة الاستعمار الفرنسي الذي حاول إبعاد الجزائريين عن هويتهم الثقافية، عبر إطلاق أسماء غربية عليهم، ما دفع الجزائريين إلى التمسك بأسماء تعبّر عن هويتهم الدينية.  
ويقول الباحث في علم الاجتماع بجامعة وهران غرب الجزائر، عبد الله صاولي، لـ"العربي الجديد": "انتشر اسم مولود بشكل كبير في الجزائر على مرّ فترات طويلة، فحملُه كان يمثل فعل مقاومة شعبية خلال فترة الاستعمار الفرنسية، وجزءاً من المعارضة الدينية والثقافية لمحاولات المسخ الثقافي والديني ومحاربة الهوية الإسلامية التي أظهرها المجتمع الجزائري خلال فترة الاستعمار الفرنسي. كما يرمز اسم مولود إلى الولادة الجديدة والحياة خلال الاحتلال الفرنسي، علماً أنّ التيمن بالمولد النبوي الشريف يهب حامل الاسم ذكرى جميلة ترافق حياته".
والطريف أيضاً في تلك الحقبة، استلهام شخصيات جزائرية ارتبطت بمحاربة الاستعمار الفرنسي أسماء فرق محلية لكرة القدم تأسست خلال تلك الفترة في بدايات القرن الـ 19، بهدف حث الجزائريين على محاربة الاستعمار الفرنسي بكل الطرق، وإسماع صوتهم للعالم من خلال خوض مباريات ضد فرق محلية أسسها الجيش الفرنسي. 
وحملت هذه الفرق اسم "مولودية" تيمناً بالمولد النبوي الشريف، وتأسست خلال احتفالات ذكرى مولد النبي محمد. وكان أول فريق حمل هذه التسمية مولودية وهران الذي أنشئ في مدينة وهران (غرب) عام 1917، وبات أحد الفرق العريقة الناشطة في الدوري المحلي، ثم أطلق عليه اسم "نادي المولودية الإسلامية الوهرانية"، قبل أن يعرف باسم "مولودية وهران" بدءاً من عام 1946، ويحافظ على زيّه الرّسمي ذي اللونين الأحمر والأبيض. 
وعلى غرار مولودية وهران تأسّس فريق مولودية الجزائر الذي كان هدفه الأسمى أيضاً محاربة الاستعمار، وإسماع صوت الجزائر في المنافسات الرياضية. وحمل أولاً اسم "المولودية الإسلامية الشعبية الجزائرية" الذي استوحي من المولد النبوي الشريف، وتأسس في 7 أغسطس/آب 1927، وواجه فرقاً رعتها القيادة العسكرية الفرنسية حينها، ثم عرف باسم مولودية الجزائر الذي يرتدي لاعبوه زياً باللونين الأخضر والأحمر. 

الصورة
شكلت اسماء احتفالات المولد الشريف جزءاً من المقاومة الدينية والثقافية للاستعمار (بلال بن سالم/ Getty)
شكّلت أسماء احتفالات المولد الشريف جزءاً من المقاومة الدينية والثقافية للاستعمار (بلال بن سالم/ Getty)

وفي شرق الجزائر، سطع نجم فريق مولودية أولمبيك قسنطينة طوال سنوات الاستعمار الفرنسي، الذي تأسس على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس، بالتزامن مع ذكرى المولد النبوي الشريف عام 1939، وبات أحد رافعي الرسالة الوطنية في المدينة العتيقة لعاصمة الشرق الجزائري قسنطينة، ويرتدي لاعبوه الزي الأزرق والأبيض.
أما فريق مولودية شباب العلمة فتأسّس ليلة احتفالات المولد النبوي الشريف عام 1950، ويرتدي لاعبوه زياً بألوان الأحمر والأخضر والأبيض. وبين الفرق الجزائرية الأخرى التي تأسست في الذكرى المحمدية، مولودية بجاية في منطقة القبائل الصغرى، وذلك في السنة التي اندلعت فيها ثورة التحرير عام 1954، ويرتدي لاعبوه الزي الأخضر والأسود.
ويذكر الباحث في التاريخ بجامعة الجزائر، فريد أبركان، لـ"العربي الجديد" أن "مصطلح المولودية مرتبط بكلمة المولد، وقت ولادة الفرد، والموضع الذي ولد فيه، وأطلق أيضاً على نواد كروية جزائرية كثيرة وغيرها من النوادي الرياضية التي حرصت على إطلاق مسيرتها خلال مناسبة ذكرى مولد النبي محمد. وكل النوادي التي استلهمت أسماءها من الذكرى برزت خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وشكلت امتداداً طبيعياً لجهود مكافحة المستعمر تحت راية الإسلام وبقوته أولاً، وأيضاً بقوة الجماعة لتحقيق هدف واحد تمثل في الترويج لفكرة التحرر من بوابة الممارسة الرياضية، وإبراز الهوية الجزائرية بعيداً عن عقيدة الاستعمار الفرنسي الذي استهدف منذ احتلاله البلاد عام 1830، طمس تاريخ البلاد وهوية شعبها ومحاولة تدجينه".

أيضاً، تحمل ذكرى المولد النبوي الشريف بعداً آخر لدى العائلات الجزائرية على غرار المسلمين في العالم، فالأسر يناسبها أن تطلق على المواليد الذكور اسم محمد، ما يفسّر تصدّر الاسم قائمة الأكثر انتشاراً في الجزائر خلال الفترة بين عامي 1970 و2020، بحسب ما تفيد إحصاءات وزارة الداخلية الجزائرية، ويليه أسماء أحمد وآدم ويوسف وعلي وأيوب وعبد الرحمن وأنس.

المساهمون