تزايدت وتيرة الاعتداءات وفرض الغرامات على رعاة الأغنام الفلسطينيين في مناطق الأغوار بعد عملية "طوفان الأقصى" بالتزامن مع الحرب المتواصلة على قطاع غزة، في مساعٍ لإجبارهم على مغادرة المنطقة
تقطع أغنام عائلة دعيس الفلسطينية الشارع الفاصل بين مكان سكنها في منطقة أبو عجاج ببلدة "الجفتلك" شمالي أريحا، ومستوطنة "مسواة" المقامة على أراضي الفلسطينيين في المنطقة، من أجل الوصول إلى أراضي تعتبرها مراعي طبيعية للأغنام، فيقرر الاحتلال الإسرائيلي أن مصادرة الأغنام بدعوى أن أصحابها ارتكبوا مخالفة تستدعي دفعهم غرامة قيمتها 150 ألف شيكل (40 ألف دولار أميركي).
قرر مالكو الأغنام دفع مبلغ الغرامة، رغم أنهم كما يروون لـ"العربي الجديد"، لم يتسلموا أوراقاً رسمية بما أطلق عليه الاحتلال "مخالفة"، وإنما تم إبلاغهم بها من قبل مجلس المستوطنات الإسرائيلية، وحين توجه أصحاب الأغنام إلى مقر الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال في مستوطنة "بيت إيل" المقامة على أراضي الفلسطينيين في شمال رام الله، رفض عناصر شرطة الاحتلال هناك استلام المبلغ، معتبرين أنه مبلغ كبير، وأنهم لا يملكون أوراقاً خاصة به.
يقول محمد دعيس، وهو أحد ملاك الأغنام، لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظل غياب أي دعم قانوني أو رسمي، اضطررنا إلى دفع المبلغ عن طريق نشطاء سلام إسرائيليين، عبر حساب بنكي لشرطة الاحتلال، بهدف الحصول على إيصال دفع لنستخدمه في استرجاع أغنامنا التي تمت مصادرتها. ما يحصل هو محض عربدة لا علاقة لها بأي قانون، ولا يمكن وصف ما حصل بأنه مخالفة قانونية، لكنه يحصل بإشراف مباشر من جيش الاحتلال".
ويروي دعيس تفاصيل الواقعة، قائلاً إنه عند الثامنة من صباح الاثنين الماضي، توجه مع أقاربه بقرابة 800 رأس من الأغنام إلى منطقة الرعي المعتادة، وبعد أن قطعوا الشارع، تجمع حولهم عشرات المستوطنين، ومعهم نحو خمسين من جنود الاحتلال، ليبلغهم من عرف عن نفسه بأنه من مجلس المستوطنات، بقرار منع تحرك الأغنام، وحصرها في مكان محاط بأسلاك شائكة كان معداً بشكل مسبق.
يضيف: "كان المستوطنون قد أعدوا المكان، مستخدمين الأسلاك الشائكة لتشكيل ما يشبه الحوش قبل تلك الواقعة بليلة واحدة، والأهالي لم يكونوا على علم بذلك لأنهم لا يستطيعون التحرك ليلاً خشية اعتداء المستوطنين عليهم، وبالتالي فإن الأمر كان معداً سلفاً، وليس له علاقة بإقرار مخالفة قانونية".
هدد الاحتلال أصحاب الأغنام بنقلها عبر شاحنات إلى مكان آخر، وكان ذلك يعني أن استرجاعها سيكلفهم ألف شيكل (275 دولارا) لكل رأس من الأغنام، والحجة كانت التواجد في منطقة "ج" وفق تصنيفات اتفاق أوسلو، وهي حسب ادعاء المستوطنين وجنود الاحتلال مناطق تتبع لدولة الاحتلال، ولا يجب أن يرعوا أغنامهم فيها.
وتعتبر هذه الواقعة تتويجاً لعمليات اعتداء واسعة يتعرض لها التجمع البدوي الذي يؤوي قرابة 300 مواطن فلسطيني، يملكون نحو 8 آلاف رأس من الأغنام. يقول محمد دعيس: "تنوعت الأشكال من اعتداء عنيف على التجمع بشكل مباشر بمعدل مرة أسبوعياً، إلى الاعتداء على الرعاة بالضرب، ومحاولة دهس الأغنام، ومصادرة صهاريج المياه بشكل شبه يومي. منذ السابع من أكتوبر، يموت أهالي التجمع بشكل بطيء، والهدف الواضح هو إجبارهم على التهجير، وهو هدف قديم، لكن المستوطنين كثفوا هجومهم لتحقيقه في ظل الظروف الراهنة، وقام جيش الاحتلال بهدم التجمع عدة مرات سابقة في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2008، وفي عام 2012، بحجة وجوده في منطقة مصنفة (ج)، رغم أن تلك العائلات تعود أصولها إلى مدينة الخليل، وتعيش في المنطقة منذ أكثر من خمسين عاماً".
ويدعي جيش الاحتلال بشكل متكرر وجود شكاوى من المستوطنين ضد أفراد التجمع بحجة إزعاجهم، بينما الهدف الرئيسي هو منع الرعي في الجبال والأراضي الفلسطينية في مناطق الأغوار، إذ إن تحرك ثمانية آلاف رأس من الأغنام في أراضي وجبال المنطقة يعني استمرار الوجود الفلسطيني، ومنعها من الرعي يعني استيلاء المستوطنين الكامل على تلك الأراضي.
يتابع دعيس: "ما حصل يعد المسمار الأخير في النعش، وإن أردت أن أرعى غنمي لاحقاً، سأضطر إلى دفع 70 ألف شيكل، وإن استمر هذا الوضع ربما نضطر إلى إبقاء الأغنام في الحظائر، وفي ظل عدم وجود دعم من أية جهة رسمية، وتركنا وحيدين في مواجهة المستوطنين، ربما نضطر إلى بيع الأغنام، إذ سنتكبد خسائر كبيرة حينها. نحن رعاة أغنام في الأغوار، وإن منعنا من ذلك، فسنضطر إلى إبقاء أغنامنا في الحظائر، وهذا غير ممكن، وبالتالي سنضطر إلى بيعها، وسنرحل عن المنطقة".