إنقاذ الحيوانات... جهود الشمال السوري طاولت كل روح

01 ابريل 2023
مشاعر فرح بتزايد حركة الحيوانات المصابة (عامر السيد علي)
+ الخط -

في مشهد سابق خلال عمليات إنقاذ منكوبي زلزال السادس من فبراير/ شباط الماضي، لاحق سامر، وهو أحد المتطوعين في محمية "أرنستو" للحيوانات في شمال غربي سورية، إحدى القطط التي أصيبت في الزلزال، والتف حول مبنى مدمر في مدينة سلقين لمحاولة الإمساك بها من دون أن يتسبب لها بأذى إضافي، ثم داعبها، بعدما التقطها، بصوته تارة وبأصابعه تارة أخرى كي يجعلها تطمئن وتستكين له تمهيداً لوضعها في قفص خاص لنقلها إلى المحمية من أجل علاجها. 
أصيبت عشرات من الكلاب والقطط بأضرار مختلفة، من بينها كسور من تساقط الركام فوقها، وفقدت أخرى مربيها، أو تشردت في العراء، ما دفع محمية "أرنستو" إلى تشكيل فريق يضم أطباء بيطريين ومتطوعين لتنفيذ مهام البحث عن الحيوانات المصابة، وتقديم الرعاية الصحية لها. 

يقول المسؤول الطبي في محمية "أرنستو" للحيوانات، أحمد خلف اليوسف، لـ"العربي الجديد": "لم تقتصر الآثار الكارثية التي نتجت من الزلزال على الإنسان، بل شملت أيضاً العديد من أنواع الحيوانات الموجودة في المنطقة. في وقت كانت فرق إغاثة متخصصة تبذل جهوداً كبيرة على مدار الساعة لإنقاذ البشر، كان من واجبنا أيضاً أن نتحرك ضمن مجال عملنا، فشكلنا فريق إنقاذ متخصص في المحمية، وبدأنا في الاستجابة لنداءات دعت إلى إنقاذ حيوانات متضررة، او عالقة، وتقديم الإسعافات الأولية لها، والاهتمام بأخرى فقدت أصحابها، وباتت مشردة عبر إحضارها إلى المحمية لضمان حصولها على رعاية بيطرية، والعيش وسط ظروف جيدة".
يضيف اليوسف: "لم تتوقف المهام على الإنقاذ والعلاج، بل وزع فريق المحمية كميات من الطعام والماء قرب منازل ومباني مدمرة كي تستفيد منها الحيوانات الخائفة. مثل الإنسان، رأينا السعادة في عيون الحيوانات التي تم انتشالها من تحت الأنقاض، ما دفعنا إلى مواصلة البحث لساعات أطول في محاولة لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الحيوانات في المناطق المنكوبة".

انتقد البعض الاهتمام بمساعدة الحيوانات (عامر السيد علي)
انتقد البعض الاهتمام بمساعدة الحيوانات (عامر السيد علي)

من حلب إلى إدلب
وحول فكرة انطلاق عمل محمية "أرنستو"، يقول مديرها، محمد الوتار، لـ"العربي الجديد": "كانت البداية من مدينة حلب في نهاية عام 2016، حين طاول القصف والدمار المدينة، وانتشر عدد كبير من الحيوانات الأليفة في الشوارع بعد أن باتت من دون مأوى. ثم انتقلت المحمية إلى مدينة إدلب بسبب تزايد القصف على حلب، وهناك طورنا فكرة العمل والخدمات عبر فتح عيادة مجانية جرى تجهيزها بالكامل لخدمة كل أنواع الحيوانات". 
يضيف الوتار: "غداة الزلزال الذي ضرب شمالي سورية، شكلنا فريق طوارئ انتقل أفراده لتنفيذ مهمات إنقاذ في المناطق المنكوبة. قام الفريق بعلاج عشرات من الحيوانات من مختلف الأنواع، من بينها قطط وكلاب وحمير ودواجن، وكذلك نحو 1200 حيوان كانت داخل حظائر، أما العيادة البيطرية الموجودة في مدينة إدلب، فتعالج نحو 40 نوعاً من الحيوانات يومياً".

سعادة حيوانات انتشلت من الأنقاض (عامر السيد علي)
سعادة حيوانات انتشلت من تحت الأنقاض (عامر السيد علي)

العمل بسعادة
يعمل في محمية "أرنستو" 18 موظفاً غالبيتهم من المتطوعين. وفي الأيام الأولى للزلزال وجه مالكو حيوانات نداءات استغاثة كثيرة لتشكيل فريق إنقاذ للحيوانات، ورصدت فرق المحمية الكثير من الحيوانات الشاردة، فقامن بإنقاذها وإيواءها، كما عالجت حيوانات ضمن منازل وحظائر، وتستمر حالياً في زيارتها بشكل دوري للتأكد من تعافيها.
يقول الوتار: "نشعر بسعادة كبيرة حين ننقذ الحيوانات، ونجتهد لإعادة تأهيلها للحياة من جديد. يجعلنا ذلك نفتخر بما فعلناه، ونعتبر هذا الأمر بمثابة إنجاز يزيد اندفاعنا كمتطوعين إلى العمل بحماس أكبر، وتوسيع نطاق عملنا للوصول إلى أي حيوان يحتاج إلى مساعدة. لدينا الآن أكثر من 60 حيواناً أصيبت في الزلزال تعالج بشكل دوري بعد إخضاعها إلى حجر صحي لفترة معينة، وإعطائها كل العلاجات والأدوية المناسبة لحالاتها".

التعلّق بالحياة للحيوانات أيضاً (عامر السيد علي)
التعلّق بالحياة للحيوانات أيضاً (عامر السيد علي)

على طاولة معدنية في عيادة ضمن محمية "أرنستو" في مدينة إدلب، يستلقي كلب مصاب، كأنه أيقن أن الفريق الذي أنقذه من تحت أنقاض مبنى تهدم سيكمل مهمته، ويوصله إلى مرحلة الشفاء الكامل. تعرض الكلب لإصابة في عموده الفقري تسببت له بشلل، في حين يحاول الطبيب إيجاد علاج مناسب كي يستعيد نشاط الأعصاب.
يخبر الطبيب "العربي الجديد"، خلال معاينته الكدمات وتلمس فقرات ظهر الكلب بهدوء، أن "ثلاث فقرات من العمود الفقري للكلب تأذت خلال الزلزال، لكنني آمل في أن يستعيد نشاطه من جديد، لا سيما أنه بداً في الاستجابة للعلاج وبات يظهر تعلقاً أكبر بالحياة".

مساعدات لكل أنواع الحيوانات (عامر السيد علي)
مساعدات لكل أنواع الحيوانات (عامر السيد علي)

رغم الانتقادات
تضم عيادة محمية "أرنستو" حيوانات مختلفة تعرضت لإصابات متباينة خلال الزلزال. ويسعى الكادر الطبي والتمريضي في المحمية إلى تأهيل تلك الحيوانات المصابة مجدداً، ومساعدتها في بلوغ مرحلة تستطيع فيها الاعتماد على نفسها في تأمين طعامها ورعاية نفسها. 
يقول أبو خالد، وهو أحد المتطوعين للعمل في المحمية، لـ"العربي الجديد": "أشعر بإنجاز عظيم حين أعثر على حيوان مصاب، وعندها أقوم بنقله فوراً إلى المحمية لفحصه وتقديم العلاج المناسب له، ويزداد افتخاري يوماً بعد يوم حين أرى حيواناً جرى إنقاذه يتحسن وتزداد حركته، ما يشعرني بأنني ساهمت في إعادته مجدداً إلى درب الحياة". 
يضيف المتطوع السوري: "ينتقد البعض اهتمامنا وبحثنا ودفعنا أموالاً لمساعدة الحيوانات، ويرون أنه من الأفضل صرف هذا الجهد والمال على البشر، لكننا لا نهتم بهذه الانتقادات، فكل إنسان يجب أن يعمل حسب اختصاصه. ونحن نرى أن البلد الذي لا يرعى حيواناته لن يرعى البشر المقيمين على أراضيه. أما على الصعيد الشخصي، فأرى أنه من واجبي مساعدة أي حيوان أسمع أنه تعرض لإصابة، أو يعيش في معاناة، حتى لو كان في مكان بعيد عن المحمية".

يمسك أبو خالد قطة صغيرة في يده،. يداعبها بحنان وقد استسلمت بكامل إرادتها لمداعبته، ويقول: "كيف يمكن أن أرى روحاً مثل هذه تعاني، ولا أقدم المساعدة لها؟".

المساهمون