أهالي الريف السوري يشكون نقص الكوادر الطبية

06 مايو 2022
يختار العديد من الأطباء العمل في المدن (ساهر الحاسي/ الأناضول)
+ الخط -

تتفاقم معاناة أهالي الريف السوري يوماً بعد يوم في ظل تردي قطاع الصحة نتيجة هجرة الكوادر الطبية التي لم تعد قادرة على تحمل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية. وكنتيجة، يضطر الأهالي إلى تحمل أعباء مادية إضافية للوصول إلى الخدمات الطبية في المدن الرئيسية. 
ويقول حسام الجبلاوي وهو من ريف اللاذقية، حيث أغلقت ثلاثة مستوصفات في مناطق عدة على الأقل، يسكنها آلاف المواطنين، بسبب نقص الأطباء وانتهاء عقود الإيجار الخاصة بأبنيتها". يضيف: "هناك نقص في الإحصائيات الرسمية حول عدد المراكز الصحية في ريف محافظة اللاذقية بسبب إغلاق بعضها، الأمر الذي زاد من معاناة الأهالي خصوصاً أنّ المستوصفات التي ما زالت تعمل تفتقد إلى الأطباء والممرضين، إذ إنّ غالبية الأطباء وغيرهم من الكادر الطبي يختارون السفر إلى خارج البلاد بسبب الوضع الاقتصادي السيئ".

في هذا السياق، يقول علي حسن (49 عاماً)، وهو موظف في ريف طرطوس، لـ "العربي الجديد": "العالم يتقدم في وقت نعود إلى الوراء. قبل سنوات، كان هناك أطباء بتخصصات مختلفة. أما اليوم، فأصبح من النادر إيجاد طبيب. حتى الأطباء الجدد يكتفون بوضع لوحة العيادة إلا أنهم يعملون في المدينة". ويلفت إلى أنّ "الأهالي يعتمدون على الصيدلي، وهناك من يظن أنّ الصيدلي أفضل من الطبيب، وذلك بهدف توفير التكاليف في ظل ارتفاع بدل المعاينة وأسعار الدواء". ويوضح أنّ بعض الذين يعجزون عن الوصول إلى الطبيب بسبب ارتفاع الأسعار في المدن يلجؤون إلى الطب الشعبي". 
من جهته، يقول طبيب طلب عدم الكشف عن اسمه لـ "العربي الجديد": "يفرض القانون على الأطباء فتح عيادة خاصة لمدة عامين في الريف قبل السماح لنا بفتح عيادة في المدينة. لكن لا يوجد عمل في الريف، وقد تمضي أيام من دون أن يطرق باب العيادة مريض. كما أنّ أوضاع غالبية أهالي الريف الاقتصادية سيئة، ما يعني أنّ أجرة الطبيب ستكون منخفضة، بالتالي لا يمكن للعيادة في الريف تأمين معيشة الطبيب، في وقت يحتاج في بداية طريقه المهني إلى العمل لتأمين مستقبله وتأسيس عائلة وشراء بيت وسيارة وتأمين تجهيزات العيادة". يضيف: "الوضع المعيشي في البلد من سيئ إلى أسوأ. وحتى الطبيب الذي يحظى بسمعة جيدة والذي يعد مقتدراً يشعر بعدم الاستقرار. فالدخل لم يعد يكفي لتأمين الكهرباء والمياه والوقود والأمان، أضف إلى ذلك تردي مختلف القطاعات، وخصوصاً التعليم. ويخشى الأهالي على مستقبل أطفالهم الأكاديمي عدا عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية. لذلك، وبغض النظر عن التخصصات، يبحث السوريون عن أية فرصة للنجاة من هذا الواقع المقلق". يتابع الطبيب أن "الأطباء اليوم يختارون ترك المستشفيات الحكومية للعمل في تلك الخاصة، حيث الأجور أفضل بكثير، وغالباً ما تتمركز في المدن. وفي ظل الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعاني منه غالبية السوريين، تجرى العمليات في مستشفيات القطاع الخاص لتوفّر الكادر الطبي على الأقل، إذ أن بقية الخدمات غالباً ما لا تتناسب مع المبالغ الكبيرة التي يتم تقاضيها". 

في أحد مستشفيات سورية (عمر ألبام/ Getty)
في أحد مستشفيات سورية (عمر ألبام/ Getty)

وكانت رئيسة نقابة عمال الصحة في اتحاد عمال اللاذقية، غادة يونس، قد أعلنت في تصريح صحافي نشر في فبراير/ شباط الماضي، أنّ اللاذقية تشهد واقعاً صحياً سيئاً في ظلّ صعوبة إيجاد أطباء وممرضين بعدما فضل معظمهم الهجرة نتيجة ضعف الرواتب والأزمة المعيشية. وسألت: "هل يعقل أن يكون هناك طبيب واحد في محافظة اللاذقية ضمن المنافسة المركزية (وهي مسابقة توظيف في مختلف مؤسسات القطاع العام) على الرغم من حاجتنا لعدد كبير من الأطباء في ظل النقص واستنزاف الكادر البشري من الأطباء والنقص في التخصصات في مستشفيات اللاذقية خصوصاً الأمراض الصدرية". وذكرت يونس أنّ مديرية الصحة أصدرت أمراً بإغلاق عدد من المرافق الصحية في التجمعات الريفية في المحافظة لأسباب متنوعة منها بدلات الإيجار ونقص الموظفين. وباتت العيادات في الأرياف من دون أطباء أو ممرضين، مشيرة إلى أن نقص العاملين يؤثر على المستشفيات أكثر من المستوصفات؛ لأنّ المستشفيات تعمل على مدار 24 ساعة في اليوم، وهذه مسألة يجب على جميع الأطراف المعنية دراستها بعناية. 
يشار إلى أنّ منظمة الصحة العالمية وجهت بداية العام الجاري نداء طارئاً لتوفير 257.6 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الصحية الحرجة في سورية، والحفاظ على الرعاية الصحية الأساسية، بما يشمل الاستجابة لكورونا وتقديم الخدمات المنقذة للحياة وبناء نظام صحي مرن. وأشارت إلى أنّه في عام 2022، سيكون 12.2 مليون شخص بحاجة للمساعدة الصحية، من بين هؤلاء أربعة ملايين نازح و1.33 مليون طفل دون سن الخامسة (بما في ذلك 503 آلاف ولادة متوقعة) و3.38 مليون سيدة في عمر الإنجاب. 

يذكر أنّ "مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) أصدر دراسة عام 2020، بيّن فيها أنّ القطاع الصحي خسر نسبة كبيرة من كوادره التي كانت أحد أسباب نقص الخدمات الطبية طوال الأزمة، إذ تشير تقديرات النقابات المعنية إلى هجرة نحو ثلث الأطباء وخمس صيادلة، في حين قدرت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان عدد الأطباء الذين غادروا حتى نهاية عام 2015 بـ 15 ألف طبيب، أي ما يعادل 50 في المائة من عدد الأطباء المسجلين عام 2009 والمقدر بـ 30 ألف طبيب. 

المساهمون