أطباء بلا حدود: أمراض ومعاناة وسط نقص المياه النظيفة في رفح

أطباء بلا حدود: أمراض ومعاناة وسط نقص المياه النظيفة في رفح

08 فبراير 2024
نحو 70 في المائة من سكان غزة يشربون مياهاً مالحة أو ملوّثة (إكس)
+ الخط -

الضربات تكاد لا تتوقّف وقد طاولت حتى أنابيب المياه

الفلسطينيون في رفح يعانون من أجل تأمين مياه نظيفة للشرب

أطفال يعانون من طفح جلدي نتيجة نقص المياه النظيفة للاستحمام

تحت عنوان "نقص المياه النظيفة يأتي بالأمراض والمعاناة"، أصدرت منظمة "أطباء بلا حدود" تقريرها الخاص بمدينة رفح الواقعة أقصى جنوبي قطاع غزة التي تستقبل أكثر من نصف سكان القطاع، بعد أكثر من أربعة أشهر على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة.

وتنقل المنظمة، في تقريرها الأخير الذي أصدرته اليوم الخميس، مشهداً ما زال يتكرّر منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سواء في شماله الذي وُصف بأنّه "الجحيم على الأرض"، أو في وسطه وجنوبه المنكوبَين كذلك، وصولاً إلى أقصى الجنوب في رفح التي تكتظّ بالنازحين الفلسطينيين.

أمّا المشهد، فيظهر في خلاله مئات الأشخاص من مختلف الأعمار وهم يتوجّهون صوب صهريج مياه. وهؤلاء، بمعظمهم، حملوا قوارير مياه صفراء أو زرقاء اللون، سعة 40 ليتراً، لتعبئتها وسط شحّ المياه. ويعيش عدد من هؤلاء الأشخاص، بحسب تقرير "أطباء بلا حدود" في خيام قريبة من صهريج المياه الذي استقطب الحشود إلى هذه المنطقة في رفح، فيما يعيش آخرون في ملاجئ تبعد كيلومترات عدّة عن المكان. وقد أحضر هؤلاء كراسي متحرّكة وعربات تسوّق وكذلك عربات أطفال وغيرها لنقل المياه إلى ملاجئهم.

وتلفت "أطباء بلا حدود"، في تقريرها نفسه، إلى أنّ رجلاً يعاني من إعاقة بصرية حضر برفقة ابنته الصغيرة لتوفير المياه، بعدما سارا مسافة كيلومترَين كي يصلا إلى المكان، إذ لا تتوفّر مياه نظيفة في منطقة المواصي الساحلية حيث يعيشان اليوم بعد نزوحهما.

وتوضح منظمة "أطباء بلا حدود" أنّه منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم يسلم من الضربات الجوية سوى قليل جداً من البنى التحتية، علماً أنّ الضربات تكاد لا تتوقّف وقد طاولت حتى أنابيب المياه. واستناداً إلى بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تفيد "أطباء بلا حدود" بأنّ ما لا يقلّ عن نصف مرافق المياه والصرف الصحي في قطاع غزة دُمّر أو تضرّر، فيما تنقل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بأنّ نحو 70 في المائة من سكان غزة يشربون مياهاً مالحة أو ملوّثة.

وتؤكد المنظمة أنّ الفلسطينيين في رفح يعانون من أجل تأمين مياه نظيفة للشرب والطبخ والغسيل، علماً أنّ عدد سكان المدينة الواقعة على الحدود المصرية كان يبلغ سابقاً نحو 300 ألف نسمة فيما هي تستقبل اليوم نحو 1.5 مليون نازح من كلّ أنحاء قطاع غزة. ويعيش سكان هذا الجزء من القطاع في ظروف صعبة وبائسة نتيجةً الاكتظاظ ونقص المياه النظيفة والمراحيض والحمامات وأنظمة الصرف الصحي، مع العلم أنّ الظروف تفاقمت وسط الشتاء وما يرافقه من أمطار وبرد.

إنفلونزا وأمراض جلدية وحالات إسهال في رفح

يقول مدير التوعية الصحية لدى "أطباء بلا حدود" محمد أبو زايد، بحسب تقرير المنظمة، إنّهم لاحظوا إصابات بالإنفلونزا وكذلك مشكلات معوية "نتيجة نقص المياه النظيفة الصالحة للشرب والاستخدامات الأخرى"، فيما يشير إلى أطفال يعانون من "طفح جلدي نتيجة نقص المياه النظيفة للاستحمام والغسيل".

ويُعَدّ الجفاف والتهاب الكبد "أ" من المخاطر الصحية التي تهدّد الفلسطينيين وتصيبهم في رفح. وتشرح المستشارة الطبية لدى منظمة "أطباء بلا حدود" في قطاع غزة مارينا بوماريس إنّ "نقص المياه النظيفة يمكن أن يؤدّي إلى أمراض عديدة مرتبطة بجودة المياه كحالات الإسهال والأمراض الجلدية، لكنّ عدم وتوفّر مياه كافية كذلك يمكن أن يؤدّي ببساطة إلى التجفاف".

وتشير بوماريس، التي يتضمّن تقرير "أطباء بلا حدود" رأيها، إلى أنّ تأثيرات نقص المياه النظيفة وعدم توفّر المياه عموماً من شأنها أنّ تتفاقم بين "الأطفال الذين تكون أجهزة مناعتهم أكثر ضعفاً من أجهزة  مناعة البالغين"، محذّرة من أنّ ذلك "يجعلهم أكثر عرضة للأمراض وحالات الحساسية".

وتفيد منظمة "أطباء بلا حدود" أنّ فرقها توفّر الرعاية الصحية الأساسية للفلسطينيين في موقعَين بمدينة رفح، وتبيّن أنّ "حالات الإسهال والأمراض الجلدية صارت تمثّل، منذ الثاني من فبراير/ شباط الجاري، نحو 30 في المائة من الأمراض" التي تصيب الأشخاص الذين "تقلّ أعمارهم عن خمس سنوات" والذين يقصدون "عيادة أطباء بلا حدود في الشابورة والنقطة الصحية التي تديرها المنظمة في المواصي".

تضيف المنظمة، في تقريرها الأخير، أنّ فرقها العاملة في رفح استقبلت في الأسابيع الأخيرة نحو 43 شخصاً يُشتبه في إصابتهم بالتهاب الكبد "أ"، لافتةً إلى أنّ المشكلات الصحية المسجّلة ترتبط بنقص المياه النظيفة وتتفاقم نتيجة نقص المرافق الطبية العاملة في المنطقة.

الصورة
مسؤول المياه والصرف الصحي لدى أطباء بلا حدود يوسف الخيشاوي ونازحون ومياه في رفح (إكس)
مسؤول المياه والصرف الصحي لدى "أطباء بلا حدود" يوسف الخيشاوي وأطفال نازحون في رفح (إكس)

سعي إلى توفير المياه للنازحين في رفح 

في سياق متصل، تؤكد منظمة "أطباء بلا حدود"، في تقريرها، أنّها تسعى إلى "الاستجابة لأكثر الاحتياجات إلحاحاً بين النازحين في رفح"، لذا بدأت فرقها "في ديسمبر/ كانون الأول 2023 برنامجاً لتوزيع المياه". وتبيّن أنّ "فرق المياه والصرف الصحي التابعة للمنظمة توفّر ما معدّله 110 آلاف لتر من مياه الشرب الآمنة يومياً لنحو 20 ألف شخص"، لكنّها تشدّد على أنّ "هذا لا يكفي إطلاقاً لتلبية الاحتياجات".

وفي هذا المجال، يقول مسؤول المياه والصرف الصحي لدى "أطباء بلا حدود" يوسف الخيشاوي إنّ "الشخص الواحد يحتاج في الأحوال الطبيعية إلى لترَين أو ثلاثة لترات من مياه الشرب يومياً. لكنّ الأسرة المكوّنة من ستّة أشخاص تحصل اليوم على غالون واحد من المياه (سعة 3.8 لترات) نظراً إلى النقص الراهن".

تعبّر منظمة "أطباء بلا حدود" عن استعدادها لزيادة كميات المياه التي توزّعها، لكنّها تلفت إلى معوّقات. وعلى سبيل المثال، "لا يُسمح إلا لعدد محدود من شاحنات نقل المساعدات والوقود بدخول القطاع".

ويشرح الخيشاوي أنّ "نقص الوقود اللازم لضخّ المياه ونقلها يُعَدّ أوّل التحديات التي تواجهنا عند توزيع المياه". أمّا التحدي الثاني، فهو "عدم كفاية الطرقات المناسبة التي يمكن لشاحناتنا السير عليها"، فثمّة خيام منصوبة على الإسفلت. ويتمثّل التحدي الثالث بـ"عدم توفّر نقاط لتوزيع المياه، إذ تعرّضت هي الأخرى للقصف، وأنابيب المياه والشوارع والبنى التحتية صارت مدمّرة".

وتنقل المنظمة شهادة امرأة تُدعى حنين، هُجّرت من بيتها في مدينة غزة (شمال) في الأيام الأولى من الحرب، وهي اليوم نازحة في مدينة رفح حيث تعاني شأنها شأن سواها من الفلسطينيين من أجل توفير ما يكفي من غذاء ومياه وأساسيات حياتية أخرى. وتخبر المرأة الفلسطينية: "نقف في طوابير لتوفير المياه. وإذا سنحت لنا الفرصة بالحصول على بعض من المياه، فإنّنا نستخدمه للشرب وغسل الأواني. لكن في حال لم نحصل على أيّ مياه، فيتعيّن علينا الانتظار لليوم التالي".

وفي تقريرها الصادر اليوم، تجدّد منظمة "أطباء بلا حدود" دعوتها إلى وقف دائم لإطلاق النار، موضحةً أنّ هذا هو "السبيل الوحيد أمام أهل غزة للعودة إلى بيوتهم". كذلك تدعو إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتعزيزها بطريقة تضمن توفير المواد الأساسية مثل الغذاء والمياه والرعاية الصحية للفلسطينيين.

المساهمون