أسوار ديار بكر التاريخية صامدة رغم الزلزال

أسوار ديار بكر التاريخية صامدة رغم الزلزال

14 مارس 2023
دمار هائل بفعل الزلزال المزدوج (إيرين آكا/Getty)
+ الخط -

نالت ولاية ديار بكر، في جنوب شرقي تركيا، نصيبها من الدمار والموت والبقاء ساعات طويلة تحت الأنقاض، كغيرها من المناطق المنكوبة التي ضربها الزلزال. وتحضر في الأذهان الخمسينية ماشاء الله جيجك، التي خرجت من تحت الأنقاض حية بعد 122 ساعة. 
ووثّق الصحافي مير علي كوجر (34 سنة)، بالصوت والصورة، إهمال الولاية ذات الغالبية الكردية، وهو ما استغلته الأحزاب المعارضة كدليل للتأكيد على الإهمال. فرد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خلال زيارة الولاية ومخيم النازحين وتفقد الدمار في 11 فبراير/شباط، متوعداً الذين ينتقدون أداء حكومته من دون أدلة، وينشرون أخباراً كاذبة، ويتسببون بفوضى اجتماعية، بالملاحقة القانونية، واصفاً إياهم بـ "مثيري القلاقل".
كان الصحافي قد أجرى مقابلات بالصوت والصورة مع ناجين في ديار بكر، وأرسلها إلى مواقع إخبارية معارضة، قبل أن ينتقل إلى مناطق أخرى منكوبة مواصلاً إرسال القصص المصورة إلى المواقع. وقال: "عندما كنت أمسك الميكروفون أو كنت أقف خلف الكاميرا أو أمامها، لم أستطع حبس دموعي". لكن في الوقت الحالي، يخضع كوجر للتحقيق بموجب "قانون التضليل" الجديد في تركيا وقد يواجه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات.

يشار إلى أن كوجر مراسل كردي يساهم في المواقع الإخبارية المؤيدة للمعارضة مثل "بيانت" و"دوار"، ويقيم في مدينة ديار بكر. وتحولت قصته إلى قضية رأي عام. ووصفت منظمة "مراسلون بلا حدود" التحقيق مع كوجر بأنه "سخيف" ودعت السلطات إلى إسقاط الدعوى ضده.

لكنّ آخرين يواجهون أيضاً تهماً جنائية وفقاً للجنة حماية الصحافيين المعنية بالدفاع عن الصحافيين. ومن بين هؤلاء مردان ينارداغ وأنور آيسفر المعلقان السياسيان البارزان المقيمان في إسطنبول، واللذان لهما عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي وانتقدا جهود الإنقاذ الحكومية.
كما خضع الصحافي محمد غولش، الذي يعيش في ديار بكر وألقي القبض عليها بتهمة التحريض على الكراهية، بسبب إجرائه مقابلة مع متطوع انتقد جهود الإنقاذ الحكومية.

ويؤكد مدير مركز الأبحاث في إسطنبول، محمد كامل ديميريل، لـ "العربي الجديد" إطلاق سراح غولش، وأن أوامر اعتقال "ناشري الأخبار المضللة والكاذبة" طاولت 25 شخصاً، فيما استجوب نحو 134 معتقلاً على خلفية نشر أخبار مضللة وكاذبة.

الصورة
سقوط مبانٍ حديثة الإنشاء أدى إلى توقيف متعهدي بناء (إيرين آكا/ Getty)
سقوط مبانٍ حديثة الإنشاء أدى إلى توقيف متعهدي بناء (إيرين آكا/Getty)

يضيف: "كتب بعضهم أن أفغانيين يغزون المناطق المنكوبة، فيما حرّض آخرون على اللاجئين، وقالوا إنهم يسرقون ممتلكات المنازل المدمرة. كما انتقد بعضهم أداء الحكومة من دون أدلة وحرض آخرون على الكراهية". يضيف أن "الدولة بكل أجهزتها مسخّرة لتقليل مصاب الناس ونجدة العالقين وتعويض المتضررين، وليس من المناسب التحريض والإساءة واتهام الآخرين".
ولا ينكر أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية، خلال تصريحه لـ "العربي الجديد"، وجود تجاوزات وفساد طاولت مشاريع البناء، سواء في ديار بكر أو غيرها من الولايات المنكوبة، كاشفاً عن وجوب هدم 1110 مبانٍ بشكل عاجل في ديار بكر، بعد كشف لجنة الأضرار على 45 ألفاً و149 مبنى بعد الزلازل في الولاية، وانهيار مبنى مؤلف من تسعة طوابق بشكل مفاجئ ودفعة واحدة، ما دفع الحكومة للتحقيق في الأمر وتوقيف 33 من متعهدي البناء. ويلفت إلى أن المباني التي شيدتها شركة "توكي" الحكومية في ديار بكر لم تتضرر، بالإضافة إلى الآثار الموجودة فيها. أمر يعزز ثقة الأتراك بالشركات الحكومية وإيلاء الدولة لتوكي مهمة إعادة الإعمار". 

وتعود آثار ولاية ديار بكر إلى 8 آلاف عام. وبقيت أسوارها، التي تعد ثالث أهم أسوار العالم، بعد سور الصين العظيم، وأسوار مدينة إسطنبول الشهيرة، والتي حمت المدينة العتيقة خلال حقب حضارية مختلفة، صامدة بفعل الزلزال. وتقع أسوار قلعة ديار بكر في منطقة سور بالمدينة، أحد أقدم الأحياء بها، وتضم عدة أبواب وأبراج، أبرزها باب الجبل، وباب أورفة، وباب ماردين، والباب الجديد، بالإضافة إلى 82 برجاً تم بناؤها في فترات زمنية مختلفة. ويبلغ طول الأسوار نحو 5.5 كيلومترات بارتفاع يتراوح من 10 إلى 12 متراً، بحسب مسؤولي مديرية السياحة في الولاية.
ويؤكد ابن الولاية سيرين أورال، لـ "العربي الجديد"، صمود الأسوار في وجه الزلزال، خصوصاً بعد ترميمها من قبل الحكومة قبل سنوات. وتعجّ الولاية بالآثار، ويستمر فريق برئاسة قسم الآثار في جامعة دجلة الحكومية، في التنقيب في 13 منطقة في المدينة، بهدف العثور على آثار التجمعات السكنية القديمة، التي ترجع لفترات سابقة أبرزها عهد الإمبراطوريات الرومانية والفارسية والهلنستية.
يشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) أدرجت أسوار ديار بكر التاريخية وحدائق هيفسل التاريخية في قائمة التراث العالمي غير المادي.

المساهمون