لم يكن عدد الحاضرين في صلاة المغرب، مساء الجمعة الماضية، في مسجد "المرسي أبو العباس" الواقع في "ميدان المساجد" بمنطقة "بحري" في مدينة الإسكندرية، كما في كل يوم، فأعدادهم أضعاف كثيرة، وعلى وجوههم سعادة وشوق لزيارة ضريح "سيد أولياء" المدينة، فهذا يوم مولده.
ويمثل الاحتفال بمولد المرسي أبو العباس تقليداً شعبياً قديماً متواصلاً، والمسجد أحد أهم المقاصد الدينية بمحافظة الإسكندرية، والتي تضم أكثر من 400 ضريح لأولياء يقبل مئات الآلاف على زيارتهم سنوياً، كما تعتبر "الموالد" عادة قديمة في الثقافة الشعبية المصرية، وتضم الكثير من الطقوس الدينية، مثل الصلوات، والمديح، والذكر، بغرض التبرك، وطلب قضاء الحاجات.
يقول وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية في الإسكندرية، الشيخ محمد صفوت فودة: "يشارك مريدو نحو 20 طريقة صوفية في احتفالية مولد سلطان الإسكندرية (سيدي المرسي أبو العباس)، والتي تستمر لمدة أسبوع متواصل حتى الليلة الختامية يوم الخميس 27 يوليو/ تموز. منذ صباح الجمعة، شهدت ساحة المسجد إقبالاً كبيراً من الزوار المحبين لأولياء الله الصالحين، وأتباع الطرق الصوفية الذين يشدون الرحال من مختلف محافظات مصر، لحضور حلقات الذكر، وترديد التواشيح والابتهالات الدينية والمدائح النبوية وقراءة القرآن".
بدوره، يقول وكيل الطرق الصوفية بالإسكندرية، الشيخ محمد صفوت، إن "مسجد المرسي أبو العباس يوجد بمنطقة (ميدان المساجد) التي تمتلئ بأضرحة الأولياء، أبرزها ضريح الشيخ شهاب الدين أبو العباس، الذي ولد في عام 616 هجرية، 1219 ميلادية، وفي الجانب الشرقي من المسجد هناك ضريح لمجموعة من الشيوخ الذين قرروا أن يدفنوا بجوار معلمهم، ويعرف شعبياً باسم (ضريح الـ 14 شيخاً). المسجد أحد أقدم وأشهر المساجد في الإسكندرية، ويشتهر بقبابه المميزة، وهو مبني على الطراز الأندلسي، وبه أعمدة رخامية ونحاسية، وأعمدة مثمنة الشكل، وتميزه الزخرفة ذات الطراز العربي والأندلسي، وتعلو القبة الغربية ضريح مولانا أبو العباس".
يحرص المريدون الذين افترشوا محيط المسجد على المشاركة في مسيرات احتفالية تجوب الشوارع، ويشهد أسبوع المولد توزيع المأكولات والمشروبات المتنوعة على المارة، وتعطيرهم بالمسك، مع الحرص على أداء الصلاة في المسجد، والتعبد بجوار الضريح.
وتحول المولد إلى مناسبة لانتعاش حركة البيع والشراء في المحال التجارية الموجودة في محيط المسجد، كما ينتشر أيضاً عشرات الباعة المتجولين الذين يبيعون المصاحف والهدايا وألعاب الأطفال، فضلاً عن انتشار "المراجيح"، لتتكامل سعادة الأطفال الحاضرين مع سعادة والديهم.
يزور أيمن شديد (58 سنة)، الضريح بشكل متكرر، فهو أحد مريدي أبو العباس، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "المولد مناسبة ننتظرها في كل عام، لنقضي الوقت في رحاب مولانا المرسي، نتبرك به وندعو الله في رحابه، لعلها تكون لحظات قبول. أعيش في محافظة البحيرة المجاورة، ولست من أبناء المدينة، لكن لا يمكنني تفويت فرصة حضور مولد مولانا، وحضرت مبكراً مع زوجتي وأبنائي الأربعة".
يجلس السبعيني عبد المنصف أبو رحاب، بجلبابه الأخضر أمام بوابة المسجد، مغمضاً عينيه، يتمتم بالدعوات بصوت خفيض، ويقول لـ"العربي الجديد": "طوال سنوات عمري الذي قارب على الانتهاء، لم أدع الله بأمرٍ في رحاب مولانا أبو العباس، إلا واستجاب، فالرجل التقي هو ملاذي الآمن في عالم قل فيه الأمان والراحة. أصوات الدعاء وحلقات الذكر المتداخلة مع روائح العطور والبخور، مع الأضواء الخافتة، تمنح رواد المولد راحة غير طبيعية، وتعطينا رصيداً من السعادة والرضا يكفينا حتى العام المقبل".
ويؤكد وكيل وزارة الأوقاف في الإسكندرية، الشيخ سلامة عبد الرازق، استعداد السلطات لاستقبال مريدي ومحبي آل البيت، وأولياء الله الصالحين، خصوصاً في الاحتفال بمولد سلطان الإسكندرية، سيدي المرسي أبو العباس، وتجهيز برنامج ديني تثقيفي روحاني يتواصل حتى الليلة الختامية.
يضيف عبد الرازق: "المديرية تشارك في احتفالات المولد بتنظيم 26 محاضرة دينية، بواقع 16 محاضرة للرجال و10 محاضرات للنساء، يقدمها مجموعة من أئمة الأوقاف والواعظات على مدار الأسبوع، بالإضافة إلى محاضرات أخرى يلقيها أئمة المساجد المحيطة. وتُنظم أيضاً ليالٍ قرآنية في عدد من المساجد، من بينها مسجد السلطان في منطقة كرموز، ومسجد القائد إبراهيم في منطقة الرمل، فضلاً عن المقرأة النموذجية".