"موائد الجوع" في غزة

"موائد الجوع" في غزة

16 نوفمبر 2021
مائدة خالية من متعة المذاق (محمد الحجار)
+ الخط -

داخل منزل متواضع في مخيم الشاطئ تعد أم جهاد (45 عاماً) الأرز مع صلصة طماطم فقط على طبق كبير تضعه قرب باب مصنوع من صفيح حديد صدئ، والهدف إطعام أفراد عائلتها السبعة الذين يعانون من فقر مدقع. وتكتفي الأسرة بالطهي مرتين أسبوعياً بسبب عدم قدرتها على شراء مواد المونة المنزلية.
غيّر الفقر منذ أعوام قليلة أساليب إعداد أسر كثيرة وجبات الطعام في غزة، وباتت موائدها تضم بقوليات أو خضروات رخيصة لمجرد سد الجوع بعيداً عن التمتع بجودة المذاق. ويزداد هذا الفقر يوماً بعد يوم وسط الأزمات السياسية والاقتصادية واشتداد حصار الاحتلال الإسرائيلي.

تُعِد أم جهاد أطباقاً رخيصة، مثل البرغل بصلصة الطماطم، في ظل غلاء مواد غذائية أخرى مثل الفول والعدس والأرز ذات الحبة الكبيرة، في حين تستخدم الأرز المصري ذات الحبة الصغيرة أو الأرز الذي تحصل عليه من مساعدات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في تحضير وجبات أخرى تعتمد عليها العائلة. وقد تضع الأرز في شوربة من دجاج أو الخبز مع هذه الشوربة. 

تقول أم جهاد لـ "العربي الجديد": "عمل زوجي في مؤسسة خيرية محلية أغلقت أبوابها قبل ثلاث سنوات نتيجة الظروف وقلة الدعم الخارجي لها، وهو عاطل من العمل منذ ذلك الحين، علماً أنه حاول العمل في مهن كثيرة، لكنه تجاوز سن الخمسين ولا يستطيع تحمل الجهد الذي يبذله الشباب. وحصل مرات أن استلف مالًا لشراء مياه صالحة للشرب".

الصورة
بعض المأكولات من الأحلام (محمد الحجار)
بعض المأكولات من الأحلام (محمد الحجار)

من جهتها، تعد زهيدة أبو فالح (50 عاماً) التي تسكن في حي الشجاعية أطباقاً مثل الخبز مع البصل مع عدد قليل من البيض، أو أرز مع حليب تحصل عليه من المساعدة الدورية التي تقدمها "أونروا"، وأيضاً من البرغل وصلصة الطماطم والأرز ذات الحبة الصغيرة. وتعيش في منزل يضم 10 أفراد، ويعيش فيه أيضاً ابنها البكر مع زوجته.
تقول زهيدة لـ "ألعربي الجديد": "تغيّرت موائدنا، وبتنا نفتقد الأيام العادية في الصباح التي نتناول فيها الجبن والزعتر والزيت، والتي كانت أسعارها في متناول ميزانيتنا وأحوالنا قبل أن تسوء الحال في ظل انعدام الوظائف وتدني الأجور وارتفاع أسعار السلع. نشتاق الى تناول أكلات عادية كثيرة، ونراقب أسعار الخضار في السوق لشراء الأرخص، ونكتفي بإعداد طبخة واحدة أسبوعياً، وباقي المأكولات من أي شيء موجود".

الصورة
تحضّر ما تيسّر (محمد الحجار)
تحضّر ما تيسّر (محمد الحجار)

وباتت اللحوم والدواجن أحلاماً بالنسبة إلى أسر متواضعة الحال تخطت حاجز الفقر المدقع. ويلاحظ أن عدداً كبيراً منها أصبحت تشتري "قفص صدر الدجاج" الذي يضعه أصحاب محلات الدواجن للقطط والكلاب كونها تحتوي على عظام وكمية قليلة من اللحوم معلّقة بها. وتستخدم محتويات "القفص" مع الأرز والشوربة. وقد تشتري بعض الأسر أيضاً رؤوس الدجاج كي تستخدمها خصوصاً في تحضير وجبة غذاء الجمعة.
يوضح صاحب محلات للدواجن والطيور يدعى عبد الحميد بكر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه يبيع "قفص صدر الدجاج" بسعر 3 شيكلات (دولار واحد) للكيلوغرام الواحد، مشيراً إلى أن أصحاب مزارع الحيوانات كانوا يشترون هذه الأقفاص سابقاً. ويشرح أن الناس يطلبون الحصول على رؤوس الدجاج لأطفالهم الصغار التي يقولون إنهم يحبون تناولها.

الصورة
مأكولات من من أي شيء موجود (محمد الحجار)
مأكولات من من أي شيء موجود (محمد الحجار)

ويقول: "اعتدنا أن نفرغ أقفاص الدجاج من اللحوم لبيعها لمطاعم الشاورما، وكان ناس قليلون يشترونها قبل عشر سنوات، ثم زادوا في شكل كبير جداً قبل عامين، وبينهم فقراء يدفعون ثمن الكيلوغرام الواحد أقل مما أبيعه نظراً إلى حاجتهم. وهناك عائلات مؤلفة من 15 فرداً يعيشون في منزل واحد يشترون الأقفاص كل يوم جمعة لأنهم لا يملكون سعر الدجاج الغالي بالنسبة إليهم".
أيضاً، ينقطع أبو بشار (55 عاماً) العاطل من العمل منذ 15 عاماً والذي لديه بنت وابن من ذوي الإعاقة الحركية، مرغماً عن شراء الدجاج واللحوم منذ عامين، بعدما كان يحصل على بعضها من خلال مساعدات يتلقاها من موائد رمضانية وأخرى من جمعيات أو ناس في مخيم جباليا.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن أبناءه السبعة ملوا من الموائد المتكررة، ومن عدم تناولهم الجبن والزعتر صباحاً منذ أكثر من عامين، في ظل ارتفاع أسعارها، وحصر مصدر دخل الأسرة بشقيقهم الأكبر إسحق الذي يسدد إيجار المنزل في قلب المخيم. ويقول: "لا مقومات لحياتنا. كنا نقول إننا لن نجوع في وطننا حتى لو عشنا أسوأ الأيام، لكننا نعيش اليوم فعلاً في جوع، وأنا أشرب أحياناً الشاي من دون سكر لأنني لا أملك ثمنه".

المساهمون