خطاب "الإرهاب" طريق نتنياهو إلى الحكومة المقبلة

خطاب "الإرهاب" طريق نتنياهو إلى الحكومة المقبلة

12 نوفمبر 2014
لا يقلّ نتنياهو تطرفاً عن خصومه في اليمين (الأناضول)
+ الخط -

بسرعة البرق، عدلت الصحف الإسرائيلية ومراسلوها العسكريون عن خطابهم في الأشهر الثلاثة الأخيرة، والذي كان يدور عن "انتفاضة هادئة" أو "انتفاضة شعبية" أو "انتفاضة الأطفال"، إلى الحديث عن "موجة الإرهاب"، بعد خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الأخير في كتلة الليكود البرلمانية قبل يومين.

تحدّث نتنياهو، ظهر الاثنين الماضي، عن تعرض إسرائيل أخيراً إلى موجة إرهاب وتحريض إسلامي عالمي وإقليمي، تقودها السلطة الفلسطينية، كما "حماس" والحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني. داعياً الإسرائيليين إلى نبذ الفرقة والتحزّب لصالح الوحدة القوميّة.
وجاءت عمليات الطعن في تل أبيب وعلى طريق الخليل، لتعيد لنتنياهو نشوته، وتضيء له الطريق لخطاب وعنوان الانتخابات المقبلة، التي يرى كثيرون أنها قد تحدّد بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران المقبلين، بعد تفاقم حدّة الخلافات الداخلية في الائتلاف الحكومي.

ويعيد خطاب نتنياهو الأخير، مع اعتماده في عناوين الصحف الإسرائيليّة ومختلف المواقع العبريّة كعنوان للمرحلة: "موجة إرهاب"، إلى الأذهان الخطاب البلاغي نفسه، المؤجّج للعواطف الإسرائيليّة ونزعات الانتقام والتطرّف القومي الذي ميّز نتنياهو وحملته الانتخابية الأولى التي قادها ضد شمعون بيريز بعد اغتيال إسحاق رابين بعدة أشهر. وكان شعار نتنياهو والليكود حينها: "الأمن الشخصي والسلام الحقيقي، فقط الليكود قادر على صنعهما".
ومع أنّ الحديث عن فقدان الأمن الشخصي، وفق صحيفة "هآرتس" وبقية الصحف الإسرائيلية، يُفترض أن يكون سلبياً في ميزان نتنياهو الانتخابي، وهو الذي رسم صورته في أعين الإسرائيليين على أنّه رجل الأمن ووضع كتاباً إرشادياً حول سبل محاربة الإرهاب، لكنّ ذلك لن يحول دون تصعيد نتنياهو لخطابه في الفترة القريبة، نحو تأجيج مشاعر التطرّف القومي لدى الإسرائيليين، سبيلاً إلى ضمان عودته رئيساً للحكومة، من خلال المزايدة على أقطاب اليمين الذين يبدون أكثر تطرفاً.

وفي هذا السياق، يسلّط محلل "هآرتس"، نحميا شتراسلر، في مقاله أمس، الضوء على حقيقة أن نتنياهو هو اليمين، ولا يقلّ تطرفاً عن خصومه في اليمين، بدءاً من ميريت ريجف وداني دانون في الليكود، انتهاء بأوري أريئيل ونفتالي بينت في حزب "البيت اليهودي". ويستذكر شتراسلر، في هذا السياق، كيف قاد تعصّب نتنياهو وسعيه المثابر للحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية ووأد اتفاق أوسلو، إلى "فتح النفق" تحت حائط البراق. وفجّر ذلك انتفاضة النفق الأولى عام 1998. وإذا كان شتراسلر يبيّن كيف أنّ نتنياهو هو الأكثر يمينيّة في إسرائيل، فإنّ ذلك لم يمنع الأخير، وفق تعبير شتراسلر، من التغنّي بحلّ الدولتين، فيما يعمل لوأد الحل وضمان القضاء على آفاقه كلياً.

وكان لافتاً تبنّي الصحف الإسرائيليّة، بشكل عاجل، ومن دون تساؤلات أو تشكيك، خطاب نتنياهو عن "موجة الإرهاب"، متناسية ما كانت قد تحدّثت عنه، طيلة الأسابيع الأخيرة عن الانتفاضة الثالثة. ولم يتردّد محللوها العسكريون في تقديم الاقتراحات الكفيلة بـ"ضرب الإرهاب"، وسط تضليل مقصود للخلط بين مسألة استشهاد خير حمدان في كفر كنا برصاص الشرطة الإسرائيليّة، وتظاهرات فلسطينيي الداخل احتجاجاً، وبين حقيقة وواقع العمليات الفلسطينية الأخيرة في القدس والضفة الغربية. وتنجم هذه العمليّات، وفق تشخيص سابق للصحف الإسرائيلية نفسها، عن اليأس الفلسطيني من الأفق المسدود، ومن محاولات إسرائيل المتواصلة لتغيير مكانة المسجد الأقصى وترتيبات الصلاة فيه، سعياً لفرض التقسيم الزماني والمكاني.
ويشكل هذا الخلط، كما فعل رون بن يشاي، في حديثه في موقع "واي نت"عن انتفاضة على جانبي الخط الأخضر، تكريساً عملياً وتعبئة ضد الفلسطينيين في الداخل، وهو يرسم صورة عن حالة حرب بين إسرائيل و"الإرهاب" الذي يصل حتى البلدات الفلسطينية في الداخل.
وعلى المنوال ذاته، يصوّر المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، في نسختها المطبوعة، أليكس فيشمان، تحت عنوان "فقدان السيطرة"، تنظيم "داعش" والإعجاب به، على أنّه مصدر إلهام لعودة حرب السكاكين، تقليداً من الفلسطينيين، لمقاطع مصوّرة بثها "داعش".
وفي موازاة ذلك، يشير فيشمان بوضوح إلى الفشل القابض على أقطاب الحكومة الإسرائيلية في فهم ما يحدث، وبالتالي في مواجهته. ويشير إلى أنّ "المفتش العام للشرطة الإسرائيلية يتحدّث وكأنه محلل صحافي بشؤون الأمن، فيما يثور وزير الأمن الداخلي متوعداً "بأننا سنريهم". ويقف نتنياهو على رأس هرم المثرثرين، من دون أن يملك أدنى فكرة حول ما يجب القيام به. لذا، فهو يستعيض عن ذلك، بإطلاق تصريحات "قوميّة"، تهدف بالأساس إلى إزاحة المسؤوليّة عنه وتسخين مختلف القطاعات، ما يخلق انطباعاً بأنّ الدولة وأذرع الأمن فيها، باتت تفقد السيطرة على ما يحدث".

وعلى غرار بن يشاي، وفي سياق التحريض الخفي، يعتبر فيشمان أنّ الواقع يحكي قصة مغايرة عن عدم وجود أي خوف من تصريحات الدولة وأقطابها، على جانبي الخط الأخضر، ليصل إلى القول "إننا في نقطة انتقاليّة من عمليات إرهابيّة فرديّة، مصحوبة باضطرابات وأعمال شغب، إلى حالة من الإرهاب الشعبي الزاحف بكل اتجاه. أما المرحلة المقبلة التي تنتظر الجميع، فهي مرحلة الإرهاب القائم على استخدام الأسلحة الناريّة، وسط ذوبان الخط الأخضر، بشكل يربط أعمال الشغب عند العرب في الداخل مع الإرهاب الفلسطيني".

ويدعو فيشمان، في ختام قراءته، إلى "انتهاج قبضة حديديّة"، وهي دعوة أطلقها كثير من المختصين بالشؤون العربيّة في إسرائيل، وتقوم على قاعدة "ما لم يتمّ بالقوة يتمّ بقوة أكبر"، مع المسارعة إلى هدم بيوت عائلات منفّذي العمليات وترسيخ قوة ردع بيئيّة وليس فقط شخصيّة أو عائليّة، مثل حرمان منطقة نابلس ومخيم عسكر من تصاريح العمل في إسرائيل، والعودة إلى العقوبات الجماعيّة.
ويبدو أنّ المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تصعيد إسرائيلي ميدانياً، لجهة الممارسات القمعيّة، على أن تغطيها تصريحات "قوميّة" من نتنياهو، تغذّي مشاعر التطرّف القومي الإسرائيلي وتتغذى من بثّ أجواء فقدان الأمن الشخصي، والحاجة لتبرير وشرعنة كل خطوة لازمة وضروريّة لاستعادة الأمن. ويندرج في إطار ذلك سنّ قوانين لنزع الجنسية والمواطنة ممن يتجرّأ على التظاهر ضد إسرائيل، وفق تصريحات وتهديدات نتنياهو في جلسة الحكومة الأحد، والتي صعّدها أول من أمس، بقوله جهاراً إنّ "من يريد التظاهر ضد دولة إسرائيل، مدعو للانتقال إلى العيش في الضفّة الغربيّة وقطاع غزة، ولن نضع أمامه العراقيل".
وإذا كان هذا هو الحلّ الذي يطرحه نتنياهو لمواجهة تظاهرات مليون ونصف المليون فلسطيني تقريباً، ممّن يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة، فماذا سيعني ذلك بالنسبة لتعامل حكومة نتنياهو ومواجهتها للانتفاضة في القدس والضفّة الغربيّة؟ على الرغم من أنّ الأخيرة محكومة اليوم بعقيدة التنسيق الأمني التي تترجمها السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس في كبح جماح أيّ محاولات للانتفاض ضدّ الاحتلال أو حتّى التظاهر احتجاجاً على ما يحدث في الأقصى.