في وقت تنتظر فيه السلطة السياسية الجديدة في ليبيا الحصول على ثقة مجلس النواب لمباشرة مهامها بشكل رسمي، توقفت "مجموعة الأزمات الدولية" في تقرير لها عند العوامل التي دفعت باتجاه توحيد السلطة في ليبيا، وربطتها بحالة الإحباط التي عاشها الليبيون، وعوامل عسكرية، وأخرى مالية، علاوة على التدخل الخارجي.
وعقد أعضاء السلطة الجديدة أول اجتماعاتهم في العاصمة الليبية طرابلس، الأحد الماضي، بعد انتخابهم من ملتقى الحوار السياسي بجنيف الشهر الماضي، في وقت تواجه فيه تحدياً قانونياً يتمثل في قدرة مجلس النواب على منح الأساس القانوني لتباشر أعمالها، وفق تقرير "مجموعة الأزمات الدولية".
وقال المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، إنه التقى رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، وعضوي المجلس، موسى الكوني، وعبد الله اللافي "في أول اجتماع لهم بعد انتخابهم في جنيف من ملتقى الحوار السياسي الليبي".
وفي تقرير لها، اليوم الثلاثاء، أشارت "مجموعة الأزمات الدولية" إلى أن تقدم عملية السلام في ليبيا رغم الصعاب جاء نتيجة لـ"الإيقاع الصحيح لعودة المنافسة السياسية الصحية بعد سنوات من الخطاب العدائي وحرب استمرت خمسة عشر شهراً"، لكن التقرير لفت إلى أن "ترجمة نتيجة هذا التنافس السياسي على أرض الواقع تواجه تحدي قدرة مجلس النواب على منح الأساس القانوني لتباشر السلطة الجديدة أعمالها".
وأوضح تقرير المجموعة أن "تحدي الجمع بين أعضاء مجلس النواب الذين ينقسمون إلى مجموعة مقرها طبرق وأخرى في العاصمة طرابلس سيواجه قدرة رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة على اقتراح تشكيلة حكومية ترضي الطرفين"، لكنها استدركت بالإشارة إلى أن نيل الحكومة الجديدة ثقة النواب "ليست مستحيلة".
الجمود العسكري الميداني الذي حدث في مناطق وسط البلاد، بعد انكسار العدوان العسكري الذي شنه حفتر على طرابلس، من بين العوامل التي ساهمت في ولادة السلطة الجديدة
وفي الأثناء أبرز التقرير عوامل استجدت في المشهد السياسي ساعدت على توحيد السلطة في البلاد، منها "اعتراف الخاسرين في المنافسة السياسية التي حدثت في جنيف، وسط تطور لافت من جانب طرف كان يصرّ إلى وقت قريب على رفض خضوعه لسلطة مدنية"، في إشارة للواء المتقاعد خليفة حفتر. وأشار التقرير في هذا الصدد إلى أن الأخير أبدى استعداده "للعمل مع القادة الجدد بل ودعمهم".
واعتبر التقرير موقف حفتر "مفاجئاً بدرجة أكبر نظراً لعدم وجود حليف واضح له في التشكيلة المرشحة، إذ إن محمد المنفي مقرب من السياسيين في طرابلس الذين دافعوا عن العاصمة أمام الهجوم العسكري".
ولفت التقرير إلى أنه بالرغم من قرب المنفي من طرابلس سياسياً إلا أن "السجادة الحمراء فرشت له" عندما زار بنغازي وسط ترحيب به في عدة مناطق زارها في شرق البلاد، كما تم الترحيب بالدبيبة أيضاً. ويرجع التقرير أسباب الترحيب الواسع في شرق ليبيا بالشخصيتين إلى أن الأول ينحدر من طبرق والثاني يتوفر على شبكة واسعة من شركاء الأعمال في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في الشرق، و"يعتبره الكثيرون براغماتياً يمكن للمرء أن يعقد صفقات معه"، بحسب التقرير.
كذلك لفت التقرير إلى أن المنفي والدبيبة يلقيان ترحيباً واسعاً في أوساط غرب البلاد، لا سيما بين المجموعات المسلحة، التي ترى فيهما سبباً لسقوط قائمة وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، الخصم اللدود لتلك المجموعات المسلحة.
كذلك أشار التقرير إلى عوامل أخرى قد تساعد على تثبيت السلطة الجديدة، منها ردود الفعل الدولية الإيجابية تجاه انتخابها، مثل البيان المشترك لحكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا، وبيانات أخرى إقليمية من جانب مصر والإمارات وتركيا، وكلها رحّبت بجهود الأمم المتحدة ودعمها الفريق السياسي الجديد.
وحدد التقرير نجاح العملية السياسية في إنتاج سلطة موحدة للبلاد بعدة عوامل، منها الإحباط الذي عاشه الليبيون في عدة مدن تجاه فشل القادة في تقديم الخدمات الضرورية على مدى سنوات. وأوضح كذلك أن خروج عدة مظاهرات حاشدة طالب بعضها بإسقاط حكومات البلاد دفع أولئك القادة إلى إدراك حجم ردة الفعل.
كذلك أكدت المجموعة الدولية أن عامل الجمود العسكري الميداني الذي حدث في مناطق وسط البلاد، بعد انكسار العدوان العسكري الذي شنه حفتر على طرابلس، من بين العوامل التي ساهمت في ولادة السلطة الجديدة، بعد إدراك الطرفين استحالة تحقيق حسم عسكري لصالح أي منهما.
وتوقف التقرير أيضاً عند عامل التدخل الخارجي، مورداً "سئم الكثير من الليبيون من التدخل الخارجي في شؤونهم، لا سيما وجود القوات الأجنبية سواء كان من الضباط الأتراك والوكلاء السوريين الداعمين لطرابلس علناً أو المتعاقدين الأمنيين الروس الموجودين سراً"، لافتاً إلى أن الإلحاح على ضرورة قطع العلاقات مع رعاة الحرب الخارجيين انتقل إلى ردهات التفاوض السياسي وقاد إلى تنشيط دور اللجنة العسكرية المشتركة من الجانبين للضغط باتجاه إثارة ملف الرعاة الأجانب للقتال في الساحة الدولية.
ورابع العوامل التي يرى التقرير أنها قد تكون في صالح دعم استمرار توحد السلطة هو النجاح في معالجة الخلافات المالية التي شوّهت العلاقات بين قادة طرابلس والشرق الليبي، خصوصاً مع إدراك كافة الأطراف الليبية أن السلطة الموحدة هي القادر الوحيد على إدارة عائدات النفط، التي جمدت بسبب خلافات السلطة وانقسامها.
وفي الختام أشار التقرير إلى أن التحدي الأساس الذي قد يواجه رئيس الحكومة المؤقتة في نيل الثقة بمجلس النواب يمكن تجاوزه من خلال اللجوء الى أعضاء المنتدى السياسي الليبي المؤلف من 75 عضواً كونه خياراً مصمماً لتجاوز خيار الانقسام النيابي. لكنه أكد أن نيل الثقة من النواب مباشرة يبدو أجدى لتجاوز سيناريوهات من قبيل أن تستمر السلطات في المنطقة الشرقية في العمل كحكومة موازية، أو عدم اعتراف بعض الأطراف بشرعية الحكومة الجديدة.