مؤتمر برلين: دفع لتثبيت الهدنة في ليبيا

مؤتمر برلين: دفع لتثبيت الهدنة في ليبيا

18 يناير 2020
أجرى حفتر مباحثات في أثينا (Getty)
+ الخط -
تبدو كل الجهود منصبة في مؤتمر برلين حول ليبيا، الذي يُعقد يوم غد الأحد في العاصمة الألمانية، على تثبيت وقف إطلاق النار وتحويله إلى هدنة دائمة، مع طرح أوروبي بإمكان تشكيل بعثة عسكرية لمراقبة وقف النار، وذلك مع الاعتراف بعدم وضع آمال أكبر من ذلك على المؤتمر، بعدما كانت التوقعات تشير إلى إمكان مساهمته في العودة للمسار السياسي لحل الصراع الليبي، غير أن الخلافات الكبيرة التي لا تزال قائمة بين رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتُرجمت برفض الأخير التوقيع على اتفاق في موسكو يوم الإثنين الماضي لوقف للمعارك، كلها مؤشرات خفضت من التوقعات.

وباتت مشاريع النصوص النهائية لمؤتمر برلين شبه جاهزة، وفق ما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي قال في مؤتمر صحافي أمس إن "الوثائق النهائية صارت، في رأيي، شبه معتمدة، وهي تحترم بشكل كامل قرارات مجلس الأمن الدولي حول ليبيا". ولم يحدد لافروف محتوى النصوص، كما حذّر من الإفراط في التفاؤل، على الرغم من استمرار الالتزام بوقف إطلاق النار منذ 12 يناير/ كانون الثاني الحالي الذي نظّمه الرئيسان الروسي والتركي، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. وأشار الوزير إلى أن العلاقات لا تزال "متوترة جداً" بين السراج وحفتر. وقال "إنهما يرفضان حتى الوجود في المكان نفسه". وأضاف "الأهم الآن قبل مؤتمر برلين ألا تكرر الأطراف الليبية أخطاء الماضي عبر طرح شروط جديدة وتبادل الاتهامات".

في السياق نفسه، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بأنه "رجل لا يوثق به". وفي تصريحات للصحافيين في إسطنبول أمس، قال أردوغان: "حفتر رجل لا يوثق به، فقد واصل قصف مدينة طرابلس بالأمس". وأضاف: "سنرى ذلك في برلين بشكل مفصل، وسنرى ماذا سيفعلون بعد يوم أو يومين مما سيقولونه في برلين". واستدرك: "لذلك أولي أهمية كبيرة ليوم الأحد، وكذلك الإثنين والثلاثاء والأربعاء... وآمل أن يلتزموا بتعهداتهم وإلا فإننا سنتابع الأمر".

وفي السياق، نقلت وكالة "آكي" الإيطالية عن مصدر أوروبي في بروكسل إعرابه عن تشكيك الاتحاد الأوروبي وحذره تجاه إمكانية أن يفضي مؤتمر برلين إلى نتائج مهمة. ويبدو سقف التوقعات الأوروبية منخفضاً حيال المؤتمر، فـ"هناك الكثير من الشكوك، ونحن نركّز على ضرورة دعم عمل الأمم المتحدة لعدم وجود خيار آخر"، وفق المصدر. وأشار إلى أن أوروبا لا تزال تأمل بأن تعود الأطراف الليبية إلى مسار وطني بعيداً عن التدخلات الخارجية.

ولكن في سياق الدفع لتثبيت الهدنة، قال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أمس، إنه لا يستبعد إمكانية تشكيل بعثة عسكرية أوروبية، لتنفيذ مهمة مراقبة وقف إطلاق النار في ليبيا. وقال بوريل، في مقابلة مع صحيفة "شبيغل" الألمانية: "إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في ليبيا، فيجب أن يكون الاتحاد الأوروبي مستعداً للمساعدة في تنفيذ هذه المهمة، على سبيل المثال مساعدة الجيش، كجزء من المهمة الأوروبية". وأضاف: "لقد نجح الرئيسان بوتين وأردوغان، على الأقل، في إعداد وقف مؤقت لإطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في ليبيا"، مشيراً إلى أن روسيا وتركيا عززتا نفوذهما في ليبيا على مدى الأشهر الستة الماضية. وشدد على ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة للمضي قدماً في عملية التسوية الليبية التي ستبحث في مؤتمر برلين.


وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي قد شدّد الخميس من الجزائر على أن "ليبيا ليست بحاجة إلى أسلحة جديدة ومقاتلين جدد". وأشار إلى أن نشر قوة سلام أوروبية في ليبيا "هي إحدى الفرضيات التي سنبحثها في برلين"، ولكن "ينبغي علينا الآن نتناقش ونحاول التوجه نحو حل سياسي". ويشارك بوريل إضافة إلى رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال، ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، في مؤتمر برلين. وقالت فيرجيني باتو، المتحدثة باسم بوريل، إن الاتحاد الأوروبي "مصمم على لعب دور قوي على كل المستويات من أجل تحقيق وقف إطلاق نار دائم وتمهيد الطريق أمام حل سياسي للصراع في هذا البلد".

في هذا الوقت، أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيشارك في مؤتمر برلين. وقال في بيان: "يُتوقع خلال المؤتمر تبادل الآراء حول سبل حل الأزمة الليبية، بما في ذلك الوقف العاجل للأعمال القتالية في (البلاد)، والمصالحة بين الأطراف المتحاربة وإطلاق حوار سياسي واسع تحت رعاية الأمم المتحدة". وأضاف أنه سيتم تسجيل الاتفاقيات الرئيسية في الوثيقة الختامية للمؤتمر. كذلك أعلن أن الرئيس الروسي بحث مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، هاتفياً، المسائل المتعلقة بمؤتمر برلين.

وكانت الخارجية الأميركية قد أعلنت في بيان أن وزير الخارجية مايك بومبيو سيشارك في مؤتمر برلين. وأفاد مسؤول أميركي بأن بومبيو سيدعو إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا واستئناف عملية السلام هناك التي تدعمها الأمم المتحدة، ولكن الأولوية بالنسبة إليه تثبيت الهدنة الهشة بين الأطراف المتحاربة. وقال المسؤول للصحافيين مشترطاً عدم الكشف عن هويته، وفق وكالة "فرانس برس": "الأولوية ستكون للمحافظة على استمرار وقف إطلاق النار".
كذلك أعلنت الصين مشاركتها في المؤتمر من خلال يانغ جيه تشي، رئيس مكتب لجنة الشؤون الخارجية للحزب الشيوعي الحاكم. وسيشارك يانغ بصفة المبعوث الخاص للرئيس الصيني شي جين بينغ، استجابة لدعوة ألمانيا.

في غضون ذلك، أعلن الكرملين أن حفتر وجّه أمس رسالة إلى بوتين شكره فيها على جهوده لإنهاء الحرب في بلاده. وقال حفتر في الرسالة "فلاديمير بوتين، صديقي العزيز! أعرب عن امتناني الشخصي وتقديري لجهود روسيا الاتحادية لإحلال السلام والاستقرار إلى ليبيا". وجاء في الرسالة أيضاً: "أعرب عن تأييدنا الكامل للمبادرة الروسية لعقد محادثات في موسكو تهدف لإحلال السلام في ليبيا. أؤكد أننا على استعداد لقبول دعوتكم وزيارة روسيا لمواصلة الحوار الذي بدأناه".

وأجرى حفتر محادثات في أثينا أمس تركزت على مؤتمر برلين. وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس بعد اجتماعه مع حفتر إن أثينا شجّعت الأخير على التصرف البنّاء في محادثات برلين. وقال "شجعنا القائد على المشاركة بروح بناءة في عملية برلين ومحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإعادة الأمن في ليبيا". وأضاف أنه كان ينبغي إشراك اليونان في المؤتمر. كذلك ذكر أن اليونان مستعدة للمساعدة في الإشراف على تنفيذ حظر أوروبي على شحنات الأسلحة لليبيا. ولم تصدر تعليقات من حفتر بعد محادثاته مع دندياس، ثم اتجه إلى اجتماع مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسكوتاكيس. وكان ميتسوتاكيس، قد قال مساء الخميس إن اليونان "لن تقبل أبداً بحل سياسي للأزمة الليبية لا يتضمن إلغاء" الاتفاق البحري المبرم مع تركيا. فيما قال مسؤول يوناني تحدث لـ"فرانس برس" إن اعتراض أثينا سيكون على "أي قرار يتعلق بليبيا على المستوى الأوروبي إذا لم يتضمن إلغاء" الاتفاق البحري.

في غضون ذلك، طالبت وزارة الخارجية التابعة لحكومة الوفاق بضرورة دعوة كل من تونس وقطر إلى مؤتمر برلين. وفي رسالة وجهتها الخارجية للسفارة الألمانية لدى طرابلس، اعتبرت أن تونس تمثّل أهمية قصوى كونها جارة حدودية أوت آلاف النازحين الليبيين، وأمنها من أمن ليبيا. وأشارت إلى أهمية مشاركة قطر، التي كانت وما زالت أهم الدول الداعمة لثورة السابع عشر من فبراير، التي أطاحت نظام معمر القذافي في 2011. وشددت الخارجية على أن مشاركة تونس وقطر تدعم محادثات السلام وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في ليبيا.

المساهمون