عودة شبح محاسبة ترامب: البداية باستهداف وزير العدل

10 مايو 2019
صوّتت اللجنة القضائية على اتهام بار بازدراء الكونغرس (Getty)
+ الخط -
لا يبدو أن المعركة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والديمقراطيين، قد شارفت على نهايتها. فبعد مسارعة ترامب للجزم بأن التحقيق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية عام 2016 "قد طوي"، إثر تقديم المحقق الخاص روبرت مولر تقريره في هذا الملف، والذي اعتبر ترامب أنه "برأ ساحته"، عادت الأضواء لتسلّط من جديد على القضية، مع تصويت اللجنة القضائية في مجلس النواب ضد وزير العدل وليام بار، واتهامه بـ"ازدراء الكونغرس"، لتبدأ معركة قضائية ضده، بالتوازي مع الإعلان فجأة عن استدعاء نجل ترامب الأكبر للإدلاء بإفادة أمام الكونغرس.

وبعد عامين ونصف العام من الانتخابات الرئاسية، لا يزال التحقيق في قضية التدخل الروسي يثير المشاكل في عهد ترامب، إذ يكافح الديمقراطيون في مجلس النواب لإيجاد طريقة لفتح ثغرة في الجدار الذي وضعه ترامب بوجههم. ويحاول الديمقراطيون، عبر حملة نيابية وقانونية، الضغط على الرئيس من أجل دفعه للسماح بتقديم نسخة غير منقّحة من تقرير المحقق الخاص روبرت مولر، وذلك عبر التهديد، للمرة الأولى، بإمكانية سجن وزير العدل وليام بار، بتهمة "ازدراء" الكونغرس، وحتى عزل الرئيس. لكن هذا الأمر أدى إلى انقسام داخل الديمقراطيين، إذ إن البعض يطالب بمواصلة الضغط، فيما تتخوف رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي من أن ترامب يسعى إلى "استفزاز" الديمقراطيين لبدء إجراءات عزل لا تلقى شعبية، ضده. وتعتمد بيلوسي على حسابات انتخابية دقيقة، فإطلاق هذه الإجراءات مع العلم أن مجلس الشيوخ سيبرئه على الأرجح، يمكن أن يلحق ضرراً بالديمقراطيين مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2020.

وفي تقريره المؤلف من 450 صفحة، برّأ مولر الرئيس الأميركي من تهمة التواطؤ مع موسكو، لكنه تطرق إلى عشر مرات مارس فيها الرئيس الجمهوري ضغوطاً على التحقيق. واقتناعاً منهم بأنّ هذا يدل على أن ترامب "عرقل عمل العدالة"، يطالب الديمقراطيون منذ فترة وزارة العدل بتزويدهم بالتقرير كاملاً. ويهدف الديمقراطيون بذلك إلى مواصلة التحقيق في الكونغرس لتحديد ما إذا كانت هذه الوقائع تبرر البدء بإجراءات عزل ترامب. وردت وزارة العدل بأن الأمر غير وارد، بينما رفض الديمقراطيون عرضها الاطلاع، في إطار لجنة مصغّرة، على نسخة أقل تنقيحاً من تلك التي وزعت في 18 إبريل/نيسان الماضي.

وصوّتت اللجنة القضائية، التي تتمتع بنفوذ كبير في مجلس النواب، في تصويت نادر جداً، على اتهام بار، أكبر مسؤول عن تطبيق القانون، بعرقلة صلاحيات الكونغرس في التحقيق. وقال رئيس اللجنة جيري نادلر، "أصبحنا في خضم أزمة دستورية"، وذلك بعد موافقة اللجنة على توصية باتهام بار بـ"ازدراء" الكونغرس، بمجموع 24 صوتاً مؤيداً ورفض 16 عضواً. ورفض بار تسليم اللجنة النسخة الكاملة من تقرير مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أجريت في 2016. وهذا الإجراء، الذي لم يُتخذ إلا بحق وزير العدل إيريك هولدر في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لن يكون مبرماً إلا بعد التصويت عليه في جلسة عامة، لم يحدد موعدها بعد. وقال نادلر إن التصويت في اللجنة، الذي جاءت نتيجته مطابقة لتوزيع مقاعدها بين الديمقراطيين والجمهوريين، يشكل "مرحلة خطيرة جداً وأساسية".


لكن وزارة العدل ردت بوصف هذه الخطوة بـ"المسرحية السياسية". وفي مواجهة "تهديد" الديمقراطيين لبار، طلبت وزارة العدل من الرئيس أن يستخدم صلاحياته الرئاسية لرفض تسليم الوثائق، حتى بموجب أمر برلماني. وهذا ما فعله ترامب، أول من أمس، للمرة الأولى منذ وصوله إلى البيت الأبيض. ووصف نادلر هذا الأمر بأنه "هجوم على جوهر ديمقراطيتنا". لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز رأت عكس ذلك. وقالت إن "الأميركيين يرون بوضوح أن المناورات اليائسة (للديمقراطيين) تهدف إلى إشغالهم عن النجاحات التاريخية للرئيس". وأضافت أنه "في مواجهة إساءة نادلر الصارخة لاستخدام السلطة وطلب وزير العدل، لم يكن هناك خيار أمام الرئيس سوى تأكيد الحق في الامتياز الرئاسي". ونادراً ما يلجأ الرؤساء الأميركيون للامتياز الرئاسي لمنع أجهزة أخرى من الحكومة من الوصول إلى بيانات داخلية معينة تخص السلطة التنفيذية. واعتبرت اللجنة القضائية في مجلس النواب أن بار عرقل صلاحيات التحقيق التي يملكها الكونغرس وهذا يؤدي إلى إعداد ملف اتهام ضده. وسيكون على القضاء بعد ذلك أن يبت في مسألة التحقيق على هذا الأساس، وهذا ما لم يحدث في ملف هولدر.

وبعد أن يصوّت المجلس، بكامل أعضائه على الإجراء، تحيل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي القرار إلى المدعي العام الفدرالي في واشنطن، لإجراء اللازم، وطرح القضية أمام هيئة محلفين، لتبدأ خطوات المحاكمة. وبحسب القانون، من يرفض الإدلاء بإفادته أمام لجان الكونغرس أو يمتنع عن تزويدها بالوثائق والمستندات التي طلبتها منه، يتعرض لـ"غرامة مالية قدرها ألف دولار مع السجن لمدة سنة". لكن ما على الورق لا يترجم بالضرورة إلى فعل في مثل هذه الحالة. فالمدعى عليه الآن هو وزير العدل، الذي يعمل المدعي العام الفدرالي تحت إشرافه، الأمر الذي يُستبعد معه، بحسب السوابق، أن يقوم هذا الأخير بمحاكمة رئيسه. ووفق هذا السيناريو المرجح، لا يبقى أمام رئيسة مجلس النواب إلا اللجوء إلى القاضي المنفرد (والقاضي خلافاً للمدعي العام غير تابع لوزارة العدل)، لاستصدار حكم مدني لا جزائي، ضد وزير العدل.

وقد يستغرق استكمال هذه الإجراءات وصدور الحكم شهوراً عدة، أو أكثر من سنة، إذا استؤنف الحكم، وبالنهاية رُفع إلى المحكمة العليا. وبذلك تفقد العملية جدواها إذا تعذر تسريعها، ويصبح خيار محاكمة الرئيس في مجلس النواب للتوصية بعزله، مسألة تحصيل حاصل، حتى إذا كان قرار العزل شبه مستحيل صدوره عن مجلس الشيوخ، المنوط به أمر الفصل النهائي في هذا الإجراء الذي لم يسبق أن وافق عليه المجلسان في آن. في هذه الحالة، قد يتكرر ما جرى للرئيس آندرو جونسون في العام 1868، حين أوصى النواب بعزله، لكن مجلس الشيوخ أسقط التوصية.

وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن من بين الخيارات التي يفكر بها الديمقراطيون الضغط على مسؤولين كبار في إدارة ترامب عبر القضاء، كما حصل عندما رمى الكونغرس الكرة في ملعب القضاء في فضيحة "ووترغيت" وذلك بعد أن رفض الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون تسليم كامل تسجيلات لمكالمات سرية لأعضاء في الحزب الديمقراطي. وأقرت المحكمة الدستورية العليا في حينها بعدم دستورية استخدام الرئيس سلطته التنفيذية لحجب أجزاء من الأشرطة، وأدين بثلاث تهم، هي "استغلال النفوذ، وعرقلة مسار القضاء، وعدم الانصياع له"، إضافة إلى تهمة "الكذب على مكتب التحقيقات الفدرالي"، إذ اعتبره القضاء مشاركاً في القضية، وبدأ الكونغرس مناقشات لعزله من منصبه قبل استقالته. وقال السناتور ديفيد سيسيلين للصحيفة: "أعتقد أننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، لكن هذا الخيار موجود".

استدعاء نجل ترامب
كما استدعى مجلس الشيوخ الابن البكر لترامب دونالد جونيور (41 عاماً) للاستماع لإفادته بشأن التحقيق الروسي. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مصادر قولها إنّ لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ تريد الاستماع للمرة الثانية لدونالد ترامب جونيور في إطار التحقيق، الذي انتهى في مارس/آذار الماضي، ولم يخلص إلى أدلّة على حصول تآمر بين موسكو وفريق ترامب خلال حملة الانتخابات الرئاسية.

وهذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الكونغرس صلاحياته لاستدعاء أحد أفراد عائلة ترامب، الذين أدلى بعضهم بمحض إرادتهم بإفاداتهم في إطار هذا التحقيق. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الشيوخ يسيطر عليه الجمهوريون، الذين أعطوا بذلك ضوءاً أخضر لهذا الإجراء، خلافاً لمجلس النواب الذي يشكل فيه الديمقراطيون أغلبية. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن نجل ترامب رفض الحضور طوعاً إلى مجلس الشيوخ للإدلاء بإفادته أمام لجنة الاستخبارات، وعرض بدلاً من ذلك الردّ على اسئلة اللجنة خطياً، الأمر الذي رفضته اللجنة. وكان ترامب جونيور قد أدلى بشهادة أمام اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، خلال سبتمبر/أيلول 2017، قال فيها إنه "على دراية جانبية" بخطط والده لتوسيع أعماله في روسيا. وتريد اللجنة، بحسب ما قالته مصادر لوسائل إعلام أميركية، استيضاح ابن الرئيس، الذي يدير حالياً "منظمة ترامب"، الإمبراطورية العقارية للعائلة، عن تصريحات أدلى بها وقتها، وتتعلّق خصوصاً بقضية مشروع بناء برج ترامب في موسكو. ورجحت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن يحارب دونالد ترامب جونيور هذا الإجراء القانوني الذي أصدره بحقّه الكونغرس بموجب صلاحياته المتعلّقة بإجراء تحقيقات.

ضرائب ترامب

وبمعزل عن قضية التدخل الروسي، يتواجه البيت الأبيض والديمقراطيون في حرب مفتوحة على جبهات أخرى في الكونغرس، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى معارك قضائية شرسة. ويطالب الديمقراطيون أيضاً، معتمدين على صلاحيات التحقيق الواسعة التي يملكونها، بالحصول على البيانات الضريبية لترامب ووثائق أخرى عديدة. لكن الإدارة الأميركية ترفض ذلك منذ أسابيع، معتبرة أنها طلبات غير مبررة. ومع هذا الرفض المتتالي، يمكن أن يكون ترامب يدفع بالديمقراطيين إلى بدء إجراءات عزله ضمن خطة انتخابية محسوبة بشكل جيد. وتضع بيلوسي هذا الخطر في الاعتبار. وقالت، الثلاثاء الماضي، إن ترامب "يستفزنا لكي نبدأ إجراءات الإقالة". واعتبرت أنه "يقوم بالاستفزاز يومياً، لأنّه يعلم أنّ ذلك سيثير انقساماً عميقاً في البلاد، لكنه لا يكترث لذلك، فهو يريد فقط توطيد قاعدته" الانتخابية. وتعتمد بيلوسي على حسابات انتخابية دقيقة، فإطلاق هذه الإجراءات، مع العلم أن مجلس الشيوخ سيبرئه على الأرجح، يمكن أن يلحق ضرراً بالديمقراطيين مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. لكن ديمقراطيين آخرين، بينهم عدد من المرشحين لانتخابات الرئاسة، يرون أنه بعد تقرير مولر لم يعد لديهم خيار آخر. وقالت السيناتورة الديمقراطية والمرشحة إلى الانتخابات الرئاسية إليزابيث وورن إن "الواجب الدستوري" للبرلمانيين لا يترك لهم أي خيار. وأضافت، أمام مجلس الشيوخ قبل أيام، أن "روبرت مولر يوضح أن رئيس الولايات المتحدة عمل بنشاط لعرقلة عمل العدالة. هناك ما يكفي لبدء إجراءات العزل".