مأزق التعامل مع ترامب بعد تقرير مولر

مأزق التعامل مع ترامب بعد تقرير مولر

25 ابريل 2019
متظاهرون يطالبون ترامب بالاستقالة في فلوريدا (نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -

استأنف الكونغرس، يوم الثلاثاء، دورته العادية بعد انتهاء إجازة الربيع، ليدخل فوراً في معمعة الصراع والجدل القائمين حول رئاسة دونالد ترامب، باعتباره السلطة المنوط بها دستورياً الحسم في مسألة ما إذا كانت حيثيات تقرير المحقق الخاص بالتدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية، روبرت مولر، تقضي بعزل الرئيس أم لا. مجلس النواب يتولى في هذه الحالة مهمة المدعي العام، فيما مجلس الشيوخ يقوم بدور المحكمة التي تُصدر الحكم النهائي الذي يقرر مصير الرئيس. وهي مسؤولية كبيرة واجهها الكونغرس ثلاث مرات في تاريخه: أثناء رئاسة أندرو جونسون في العام 1868، وريتشارد نيكسون في 1974، وبيل كلينتون في 1998. الأول أنقذه مجلس الشيوخ، الثاني هرب عبر الاستقالة قبل تصويت النواب والشيوخ على طرده، أما الثالث فشفع به أيضاً مجلس الشيوخ.

وبذلك لم يسبق أن صوّت الكونغرس بمجلسيه على عزل رئيس، ولا يبدو أنه في وارد التوافق هذه المرة على خطوة مثل هذه، على الأقل لأن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون لن يسمح بذلك، إلا إذا تكشفت الخبايا عن سقطة بحجم فضيحة يتعذر التغاضي عنها. مع ذلك قد تواجه رئاسة ترامب هذا الامتحان، والذي يُتوقع أن يزيد من تأزم واضطراب المشهد السياسي الأميركي لأشهر عدة، قد تتواصل حتى نهاية حملة انتخابات الرئاسة في خريف 2020.
وبات المفتاح بيد مجلس النواب الموكل إليه أمر المباشرة بإجراءات المحاكمة، لكن الأكثرية الديمقراطية فيه والتي تتحكّم بالقرار، منقسمة على ذاتها، ففريق منها يدعو إلى ضرورة المضي بهذا الخيار كحق وواجب وفرصة سانحة، بينما فريق آخر يرفضه خشية عواقبه السياسية. الأول له دعاته ومؤيدوه في صفوف المرجعيات القانونية والأكاديمية والسياسية، ويدفع هؤلاء في هذا الاتجاه على أساس أن ما جرى "أخطر من ووترغيت، لأن جهة خارجية (روسيا) متورطة فيه"، ولأن مسوغات هذا التدبير متوفرة بدرجة وازنة وموجبة في الشق المتعلق بـ"عرقلة سير العدالة" من تقرير مولر. وبذلك فهو فريضة دستورية من شأن التغاضي عنها أن يحوّل إعاقة العدالة إلى نمط في سلوك الرئاسة من الآن وصاعداً، كما يحذر أستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفرد، لورانس ترايب. بالإضافة إلى ذلك، يوفر التقرير فرصة لتعزيز الشكوك حول رئاسة ترامب، عشية الدخول في موسم انتخابات الرئاسة المقبلة.

أما الفريق الثاني، والذي لا يجادل في وجاهة ومشروعية المسوغات، إلا أنه يحذر من الكلفة السياسية التي قد تترتب على هذا الخيار. فهو يرى أن اللحظة غير مواتية "لأن العزل ليس أولوية في حسابات الناخب"، حسب ما كشفته الاستطلاعات، خصوصاً أن مولر نأى عن اتهام ترامب صراحة في موضوع عرقلة التحقيق، وترك البت بالأمر للكونغرس. نتيجة ذلك تعمّم انطباع ساهمت تفسيرات وزير العدل وليام بار في تكوينه، بأن العملية لا ترقى إلى مستوى الفضيحة، ولو أن ذلك لا يطابق الحقيقة، حسب القراءات السائدة. تقود هذا التوجّه رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي قامت بتحرك مكثف في اليومين الماضيين لضبط صفوف الديمقراطيين ولجم الجنوح نحو طرح خيار العزل. وحتى الآن تبدو كفتها راجحة لتقديم حسابات الانتخابات على التحرك ضد الرئيس.


لكن الاحتمالات كلها ما زالت قائمة، فاللجان المعنية في مجلس النواب استدعت مسؤولين سابقين وحاليين في الإدارة، ومنهم بار ومولر، للتحقيق معهم في جلسات علنية. كما طلبت أصل تقرير مولر وبيانات ضريبية لترامب وأعماله للسنوات العشر الماضية. خطوات أثارت قلق البيت الأبيض الذي يخشى إدانة من مجلس النواب، وهو ما انعكس في اعتراضه على مثل هذه التدابير، ودعوته لعدم التجاوب معها بحجة أن "لا حاجة لها" بعد نهاية التحقيقات. ويقوم الفريق القانوني والإعلامي لترامب بحملة لتسخيف تحركات الديمقراطيين في مجلس النواب، بما يشي بأن المعركة لم تنته بعد وأن مخاطرها لا تزال قائمة، وإن بنسبة أقل من 50 في المائة.

في ظل هذا الواقع، باتت واشنطن في عزّ أزمة وطنية أكثر خطورة من سابقاتها المشابهة. "أميركا التي نعرفها على المحك"، يقول البروفيسور في جامعة برنستون، بول كروغمان، الذي يرى أن ما جرى "أخطر من ووترغيت لأنه ينطوي على تدخّل دولة أجنبية في الانتخابات"، ولو من غير تواطؤ معها. الكل بات يعرف بعد صدور تقرير مولر أن خروقات كبيرة حصلت وأن الدستور صار تحت الاختبار، لكن الكل مكبّل ومتردد ويتصرف وكأنه في مأزق. فالديمقراطي غير قادر على حزم أمره، والجمهوري اكتفى بدفاع فاتر عن ترامب ولو أنه لن يصوّت على عزله. أما ترامب فخرج من التقرير بشكل ملتوٍ وبطريقة تسويقها غير مضمون، حسب ما عكسته الاستطلاعات التي كشفت عن هبوط التأييد له بعد تحقيقات مولر إلى ما دون الـ40 في المائة. كل ذلك يدل على وجود ميل لدى أرباب المؤسسة الأميركية لتمرير التقرير بأقل كلفة، ربما اعتقاداً منهم بأن الولايات المتحدة لا تتحمل محاكمة ثلاثة رؤساء في أقل من خمسين سنة: نيكسون وكلينتون والآن ترامب. مع ذلك تبقى أبواب المستجدات مفتوحة.