شمعة تنير العتمة

شمعة تنير العتمة

15 يناير 2018
من الاحتفالات بالذكرى السابعة للثورة التونسية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يدخل التونسيون، اليوم الإثنين، السنة الثامنة من عمر ثورتهم، كتبوا في الأثناء دستوراً حداثيّاً ووضعوا نظاماً سياسياً جديداً. أنجزوا ثلاثة انتخابات حرة وشفافة لم تصل فيها الأرقام إلى 99 في المائة المعهودة عند العرب، لم تشرف عليها وزارة الداخلية وإنما هيئة مستقلة عن الحكومة والأحزاب. تصافح رئيسان أمام القصر الرئاسي وسلّم أحدهما السلطة للآخر. وبرغم أنهما لا يتبادلان مطلقاً أي ود، كانت الصورة مثالية، وخرج الخاسر قابلاً بقانون اللعبة، لم تسل قطرة دم واحدة ولم يتدخل الجيش ولم يحدث انقلاب. وحتى عندما تغضب المعارضة وتشتهي أن تمسك بالسلطة فإنها تدعو لانتخابات سابقة لأوانها، لأن الجميع فهم أن الطريق إلى السلطة يمرّ عبر الشعب صاحب السيادة.

وعلى امتداد هذه السنوات الماضية، وضع التونسيون قانوناً يمنع العنف على المرأة وانتخبوا هيئة مستقلة تشرف على كل ما يتعلق بالقضاء، وصادقوا على قانون لمحكمة دستورية سيجري انتخاب أعضائها قريباً، ويناقشون حالياً قانوناً جديداً للصحافة لتكريس استقلاليتها، وقريباً ينتهون من قانون رائد يكرس السلطة المحلية وسينتخبون من جديد بلديات ستغير وجه السلطة في البلاد وتخلصها من هيمنة المركز.
وطيلة هذه السنوات السبع، خرج التونسيون إلى الشوارع كلما رغبوا في ذلك وتظاهروا واعتصموا، وتكلمت جرائدهم وإذاعاتهم وشاشاتهم بكل حرية، عارضوا كل الحكومات وانتقدوها دون خوف، نعمة أنعم الله بها عليهم فلم تنم جفونهم خوفاً من سرقتها، من الداخل والخارج، حيث يتربص المتربصون ويمنون النفس في كل اختبار بسقوط التجربة وانتكاستها…
وفيما يسرد التونسيون جانبها المضيء معترفين بصعوباتها وآلامها، يستبسل آخرون في محاولة هدمها.
مذيعة إحدى القنوات التلفزيونية العربية اعتبرت أنها كانت سبعاً عجافاً، وردّت مواطنة تونسية عليها بالقول "اتركونا أنتم وسنتكفل بأنفسنا. أنتِ لا تعيشين في تونس حتى تتحدثي عن السنوات العجاف. ابحثوا عن حل لأنفسكم ودعونا. نحن على الأقل أصبحنا أحراراً".

هل كل ما سردنا من إنجاز يعتبر هيّناً في فضاء عربي استمر لعقود ينتج الانقلاب تلو الآخر ويستعبد شعوبه ويكمم أفواههم؟ وهل أن الشعوب العربية المستعبدة تنعم فعلاً بالرفاه؟ انظروا من حولكم ولا تطفئوا هذه الشمعة، فعلّ نورها يفتح طريق العتمة أمامكم ذات يوم.

المساهمون