قوات النظام تتقدم نحو السخنة في البادية السورية... والهدف الأبرز دير الزور

28 يوليو 2017
أثناء قصف مواقع "داعش" بالرقة أخيراً(بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
تواصل قوات النظام السوري ومليشيات إيرانية توغلها في منطقة البادية، وتوشك على انتزاع السيطرة على بلدة السخنة الاستراتيجية التي تعد المعقل الأخير لتنظيم "داعش" في هذه المنطقة التي تشكل نحو نصف مساحة سورية. وتهدف قوات النظام إلى الوصول إلى محافظة دير الزور في شرقي سورية عبر أكثر من محور. لكن يبدو أن المحور القائم في البادية السورية هو الأبرز، إذ يركز النظام جهده العسكري فيه بدعم من الطيران الروسي الذي يمهد الطريق أمام قوات النظام، وهو ما يدفع مسلحي "داعش" إلى إخلاء مناطق من دون اشتباك عسكري حقيقي.

ونقلت وسائل إعلام موالية للنظام السوري عن مصدر عسكري تأكيده وصول قوات النظام، ومليشيات طائفية تساندها، إلى مسافة تبعد نحو 8 كيلومترات عن بلدة السخنة في ريف حمص الشرقي، مشيراً إلى أن هذه القوات سيطرت على قرية البغيلية، ومجموعة من التلال والنقاط جنوب غرب السخنة. وكانت قوات النظام والمليشيات الإيرانية بدأت منذ أكثر من شهرين حملة عسكرية واسعة النطاق انطلاقاً من مواقع لها في مدينة تدمر للسيطرة على السخنة التي تعد أبرز معاقل "داعش" في البادية السورية بعد خسارته تدمر. وشارك الطيران الروسي بفعالية في الحملة، إذ تتقدم قوات النظام تحت غطاء ناري جوي كثيف، مما أدى إلى تراجع التنظيم في مناطق واسعة في البادية، بعدما انسحب من مواقعه من دون اشتباكات لإدراكه صعوبة الدفاع عنها.

من جهته، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن البادية "تشهد، معارك عنيفة بين قوات النظام المدعمة بالمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية من جهة، وعناصر تنظيم داعش من جهة أخرى". وتابع أن الاشتباكات "تتركز على الطريق الواصل بين مدينة تدمر ومدينة السخنة، في محاولة من قوات النظام الوصول إلى مدينة السخنة التي تعد آخر مدينة يسيطر عليها داعش في محافظة حمص، كما تعتبر مدخلاً جديداً لقوات النظام نحو محافظة دير الزور التي يسيطر التنظيم على معظمها". وأشار "المرصد" إلى أن مسلحي التنظيم "يستميتون في صد قوات النظام، لمنعها من التقدم أكثر أو استعادة السيطرة على مدينة السخنة".


وتقع بلدة السخنة شمال شرقي مدينة تدمر بنحو 60 كيلومتراً، وتكتسب أهمية استثنائية في الصراع على سورية، كونها تحتضن حقول نفط وغاز، منها حقل السخنة للغاز، وهو أحد أكبر حقول الغاز في سورية. كما أنها تقع على الطريق الذي يربط العاصمة دمشق بمحافظة دير الزور، إضافة إلى أهميتها لإيران الساعية إلى فتح ممر بري بين طهران وسواحل البحر الأبيض المتوسط. وتتبع السخنة إدارياً محافظة حمص، ولكنها لا تبعد سوى 50 كيلومتراً عن الحدود الإدارية بين محافظة حمص ومحافظة دير الزور التي تعد الهدف الأبرز للنظام، وحلفائه الروس والإيرانيين.

واعتبر المحلل العسكري السوري، العقيد مصطفى بكرو، أن أهمية بلدة السخنة "تنبع من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وتحكمّها بطريق تدمر- دير الزور، وكونها بوابة دير الزور الجنوبية". وأوضح بكور في حديث مع "العربي الجديد" أن هناك جبلاً مرتفعاً في السخنة "يشرف على مناطق شاسعة من البادية السورية، مما يجعل من يسيطر على البلدة قادراً على التحكم بمنطقة شاسعة من البادية". إلا أن المحلل لا يعتقد أن طريق قوات النظام السوري والمليشيات بات مفتوحاً باتجاه محافظة دير الزور في شرقي البلاد. ورأى أن السخنة هي العقبة الأكبر في وجه قوات النظام باتجاه دير الزور، لكن هذا لا يعني أن الطريق أصبح ممهداً أمامها، فهنالك العديد من القرى والمواقع بين السخنة ودير الزور، الاستيلاء عليها سيكلف النظام الكثير من الخسائر، وفق تعبير المحلل السوري.

وكان تنظيم "داعش" فرض سيطرته على بلدة السخنة في مايو/أيار 2015، فتحولت منذ ذلك الحين إلى أهم قاعدة عسكرية له شنّ منها هجمات واسعة النطاق، سيطر من خلالها على مدينة تدمر في مايو من نفس العام، وهدد مدينة حمص ثالث أهم المدن السورية، إذ اقترب كثيراً من حدودها الشرقية. وكان التنظيم فرض في ذاك العام سيطرته على معظم البادية السورية التي تشكل نحو نصف مساحة سورية قبل أن يبدأ رحلة تراجع أمام قوات النظام التي أعادت سيطرتها على مساحات كبرى من البادية التي تتوزع بين عدة محافظات سورية. إلا أن المساحة الأكبر تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظتي حمص ودير الزور.

وكان التنظيم سيطر على مدينة تدمر القريبة من السخنة مرتين، قبل أن يخرج منها بشكل نهائي في مطلع مارس/آذار الماضي، ليتمركز مسلحوه في بلدة السخنة التي يوشكون على خسارتها لصالح قوات النظام. وباتت روسيا تعتبر البادية السورية منطقة نفوذ لها، ولهذا عارضت مساع لعقد "صفقة" مع تنظيم "داعش" تقضي بخروج مسلحيه من مدينة الرقة باتجاهها. كما يسعى الروس إلى السيطرة على محافظة دير الزور ذات المساحة الجغرافية الواسعة والمقدرة بأكثر من 30 ألف كيلومتر مربع، لتكون معادلاً لمحافظة الرقة التي باتت منطقة نفوذ للولايات المتحدة الأميركية من خلال "قوات سورية الديمقراطية".

وبات من الواضح أن عدم تبلور تفاهمات روسية-أميركية جدية حيال شرقي سورية يحول دون تحقيق "انتصارات" على تنظيم "داعش" ينهي وجوده في سورية. ولكن التقدم الذي تحققه قوات النظام في البادية السورية، وريف الرقة الجنوبي الشرقي سوف يجعل منها قوة متقدمة في الصراع على دير الزور. ومن المتوقع أن تشهد دير الزور معارك كبرى في الخريف المقبل، إذ باتت المعقل الأهم للتنظيم في سورية، خاصةً في ريف المحافظة الشرقي، والذي يمتد على مساحة تقدر بأكثر من 100 كيلومتر، ويضم مدينتين هامتين هما: الميادين والبوكمال.