يمين أم يسار... معي أم ضدّي؟

19 مارس 2017
الشعب غير معني بصراع النخبة السياسية (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

يحتفل التونسيون، اليوم الإثنين، بعيدهم الوطني، في ذكرى الاستقلال عن المستعمر الفرنسي في 20 مارس/آذار من العام 1956. ويستجمعون كل ما مرّ بهم من أحداث على مدى ستة عقود، جرّبوا خلالها ألواناً من الحكم وإدارة الشأن العام، وشهدت تحولات وخيارات سياسية مختلفة، من المدرسة الاشتراكية في الستينيات إلى بداية الليبرالية في السبعينيات. كما عرفوا خلالها انقلابات سياسية، وحتى عسكرية، وتغيّرات فكرية وثقافية هامة غيّرت المجتمع التونسي وبدّلت طموحاته وآماله، وانتهت بقيام الثورة وتغيير نظام الحكم وإرساء الديمقراطية التي يعضّون عليها بأسنانهم خوفاً من ضياعها، وسط ما يتهددها من مخاطر من الداخل والخارج.

وبالرغم من أن التونسيين طووا معارك عديدة، وتجاوزوا صراعات كثيرة على امتداد السنوات، إلا أن هناك معركة تبقى قائمة على الدوام، ويبدو أنها لن تنتهي، هي معركة اليمين واليسار بكل شحنتها الأيديولوجية وتداعياتها الانقسامية وخطورتها على مشهد هشّ للغاية وقابل بسرعة للاشتعال... ويمكن لناره أن تحرق الجميع. ولئن يبدو طبيعياً أن يتغذى هذا الصراع باستمرار في تونس، لأنها معركة لم تأخذ حظها من الجدال الفكري، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما حدث في أوروبا، ولأن انتخابات ما بعد الثورة وتحالفاتها طرحت ميزاناً فكرياً أيضاً أكثر مما هو سياسي، ولأن صراعات الشرق العربي بدأت تستعيد أسئلة قديمة بين المعسكرين التقليديين، روسيا وأميركا، على اختلاف المشهد وأسبابه وتداعياته كلياً، لكل هذه الأسباب أصبح كل شيء يدار في تونس وفقاً لهذا الصراع، مهما كان صغيراً أو كبيراً، وعادت التصنيفات بكل عنفها السياسي لتحدد إذا ما كنت تنتمي إلى هذا المعسكر أو ذاك، وهي بالمناسبة شأن لا يتعلق إلا بالنخبة السياسية، لأن الشعب غير معني تماماً بهذه الصراعات التي يرى أنها هامشية ولا تعنيه بالمرة.

في آخر جلسة في البرلمان، ذهبت الحكومة لتعرض منح الثقة إلى وزيرين جديدين. واستمرت الجلسة إلى آخر الليل، لكن المداخلات، التي تجاوزت المائة، لم تتعرض أصلاً للوزيرين أو الوزارتين، وتم منحهما الثقة في نهاية الأمر. وفي الأثناء كان الشعب يتابع مباشرة معركة المعسكرين: يمين أم يسار؟ وأنت معي أم ضدي؟