ترامب... طيران فوق عش الوقواق

بشير البكر

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
21 يناير 2017
9AF843AE-36D0-482B-BD51-B02A40934F3B
+ الخط -




جاء خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في حفل تنصيبه، مخيّباً لآمال المراقبين الذين كانوا يراهنون على أنّ الرئيس الجديد لن يدخل إلى البيت الأبيض بذات الخطاب الشعبوي الذي درج عليه خلال حملته الانتخابية.

ومنذ فوز المرشح الجمهوري على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، دارت نقاشات على مستويات مختلفة، من حول التوجهات العامة لسياسة ترامب.

وكان لاستشارة رجالات الخبرة من داخل الحزب الجمهوري ومن خارجه، والتعديلات التي حصلت على صعيد الفريق الحكومي أكثر من مرة، صدى إيجابي في الأوساط الداخلية والخارجية من منطلق أنّ الرئيس الذي يفتقر إلى تجربة فعلية في الحكم، ربما، يصغي إلى صوت العقل ويعيد النظر بالأطروحات التي اعتمدها للنجاح في حملته الانتخابية، وهي لا تقتصر فقط على توجهات صادمة في السياسة الخارجية، وإنّما أيضاً هناك وعود انتخابية أطلقها ترامب تختص بقضايا داخلية أميركية، تتمثّل في التراجع عن إنجازات حققتها إدارة باراك أوباما في الصحة والشؤون الاجتماعية والاقتصاد.

رغم أنّ الرئيس ترامب شكّل فريقاً غير متجانس ومتضارب التوجهات، فقد ظل العالم يأمل، حتى اللحظة الأخيرة، أن يأتي خطاب القسم ليضع خارطة طريق واقعية للمرحلة الأميركية المقبلة، وتنزع فتيل القلق المخيّم على الأوساط المحلية والدولية، ولكنّ الرجل أصرّ على السير حتى النهاية في طريق التصعيد والاستفزاز والعدوانية والتناقض، ورغم أنّه كان يتحدّث كرئيس فإنّه لم يخرج عن نطاق الشعارات الانتخابية، بل إنّ نشوة النصر رفعت من درجة هرمون الأدرنالين لديه وجعلته يحلق فوق الواقع، بعيداً عن أوجاع أميركا والعالم وحتى العصر، إلى حد أنّه بدا في لحظة من الخفّة يشبه الديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي في شطحاته ذات الطابع الشعبوي الفانتازي، حين كان يلغي الدولة الليبية، ويشطب الحكومة، ويعتبر ليبيا جماهيرية، والحكومة لجنة شعبية.

في أول وصلة من خطاب القسم بدا ترامب يتماهى مع القذافي، حين اعتبر أنّ واشنطن تستأثر بالثروة الأميركية، في حين أنّ بقية المناطق لا تحوز نصيبها منها على نحو عادل، وهو هنا لعب على وتر حسّاس وخاطَب قطاعاً جماهيرياً كان له دور أساسي في إيصاله إلى سدة الرئاسة، فقد وجّه جانباً رئيسياً من حملته الانتخابية للتلاعب بمشاعر الأميركيين العاديين الذين يعيشون في الأرياف والهوامش، والذين فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم بسبب سوء التخطيط الاقتصادي في العقدين الأخيرين، ومن جرّاء حروب الولايات المتحدة الخارجية في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، ومن دون أن يراعي أنّ سلفه أوباما استطاع حلّ مشكلة البطالة، وقبل أن يغادر البيت الأبيض، كان قد حقّق فائضاً في سوق الوظائف، ووفّر خلال ولايته الثانية أكثر من 13 مليون وظيفة.

خطاب ترامب في شقّه الاقتصادي يبدو مثل خطاب زعيم اشتراكي، جاء كي يخلّص المسحوقين من البؤس الذي يعيشون فيه، لكنّ المفارقة هي أنّ الشعارات التي رفعها بدت مربكة وغير مفهومة، لأنّ الرئيس الجديد نفسه غير مؤمن بهذه الشعارات من جهة، ومن جهة ثانية هي غير ممكنة التحقيق، وتحتاج إلى تنازلات من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة أولاً، الذين حقّقوا ثروات هائلة في فترة العولمة بفضل الانفتاح الاقتصادي على المستوى الدولي، ورخص الأيدي العاملة خارج الولايات المتحدة والتطوّر التكنولوجي الكبير.

وإذا أراد ترامب أن يطبّق رؤيته، سيصطدم مع هذه الشريحة أولاً، وهذا أمر غير ممكن لأنّ بعضها يشكّل فريقه الحكومي، عدا هذا لن يجد من يسانده من داخل الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وعندها سيلقى نفسه في مواجهة مفتوحة مع الإعلام الذي لا يكنّ له ودّاً منذ زمن طويل.


شعار ترامب الذي سيحسب عليه: "أميركا أولاً"، وهو إضافة إلى شقّه الحمائي الذي يريد نسف قواعد العولمة، يجاهر بأسلوب القوة لتحقيق طموحات "أميركا القوية"، وهذا توجّه يشمل تغيير المقاربات كافة، من التعاطي مع حلف الأطلسي الذي يعتبره فاقداً للأهلية، حتى مواجهة الإرهاب الذي أصبح اسمه في قاموسه "الإرهاب الإسلامي". هذا التنطّع يفتح صفحة جديدة لن تكون أقل أعبائها رفع موازنات التسلّح، وفتح جبهات خارجية.

لا تبدو طريق ترامب مفروشة بالحرير، وكلّ المؤشرات تتجّه إلى أنّ رياح المعارضة القوية، سوف تهبّ ضده من عدة اتجاهات، فالرجل خسر شعبيته قبل أن يبدأ ممارسة مهامه، وهو يحوز على أدنى شعبية في تاريخ الرؤساء الأميركيين قدرها 40 في المائة، على عكس سلفه أوباما الذي دخل البيت الأبيض وغادره، وهو يحظى بشعبية قدرها 60 في المائة.

إدارة ترامب ستكون مزيجاً من شركة يتمتع رئيس مجلس إدارتها بتفويض ضيّق ومحدود، وحين يعجز عن الوفاء بوعوده سيجد نفسه محشوراً في الزاوية. شخص عنيد ومزاجي، يمثّل دوراً لا يؤمن به، وقد يقوده ذلك إلى تصرفات تؤدي إلى إسقاطه بسرعة.

ما ينتظره العالم من الولايات المتحدة، هو أن تضع ثقلها الفعلي من أجل حلّ مشاكل البشرية في الحروب والفقر والأمراض والتعليم واحترام حقوق الشعوب، ولا يريد المزيد من التمييز والعنف المستشري بسبب السياسات الرعناء للرئيس الأميركي الأسبق بوش.





ذات صلة

الصورة

سياسة

أعرب المشتبه به في محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رايان ويسلي روث عن رغبته في القتال والموت في أوكرانيا.
الصورة
دونالد ترامب في مكتبه في نيويورك، 1987 (Getty)

منوعات

من المقرر طرح فيلم "ذي أبرنتيس" The Apprentice المثير للجدل والمستوحى من سيرة دونالد ترامب، في صالات السينما الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول
الصورة
كامالا هاريس تلتقي الناخبين في ميلووكي ويسكونسن 24/7/2024 (حسابها على إكس)

سياسة

أظهر استطلاع جديد أنّ نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس تحظى بشعبية أكبر من ترامب عند الناخبين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً.
الصورة
متظاهرون يحملون أعلام فلسطين، ميلووكي 15 يوليو 2024 (جاسيك بوكزارسكي/الأناضول)

سياسة

لليوم الثاني على التوالي واصل ناشطون التظاهر من أجل غزة، ورفعوا لافتات "فلسطين حرة" و"غزة حرة" أمام مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي بولاية ويسكونسن