التوتر السعودي ـ الإيراني بشأن الحج...خلاف سياسي بغطاء ديني

التوتر السعودي ـ الإيراني بشأن الحج...خلاف سياسي بغطاء ديني

07 سبتمبر 2016
التراشق الإيراني - السعودي بشأن الحج (فرانس برس)
+ الخط -
كان عدم التوافق السعودي ـ الإيراني الأبرز في موسم الحج، هذا العام، إذ لم توقع طهران اتفاقية الحج مع الرياض، مما أدى إلى دخول العلاقات بين البلدين، المقطوعة دبلوماسياً إلى مراحل جديدة من التصعيد.

ويشهد موسم الحج، منذ عام 1979، توتراً إيرانياً ـ سعودياً، يرتكز على اختلاف الرؤى السياسية بين البلدين، علاوة على الاختلافات الطائفية، إلا أن طهران حرصت هذه السنة، على تصوير السعودية باعتبارها تمنع المسلمين من أداء مناسك الحج، واتهامها بعدم الكفاءة، بينما تعتبر السعودية، الحج، من أهم أولوياتها إسلامياً.

وتعود جذور التوتر الحالي المباشرة، إلى العام الماضي، بعد أن أدى تزاحم الحجاج في مشعر منى، إلى وفاة 769 حاجاً، بحسب إحصائيات سعودية، بينما أشارت مصادر أخرى، إلى وقوع قرابة ألفي حالة وفاة.

ورأت إيران نفسها معنية بشكل مباشر بحادثة منى لسببين، أولهما أنّ عدد الحجاج الإيرانيين الذين لقوا حتفهم كبير، مقارنة بباقي الجنسيات، إذ بلغ قرابة 464 حاجاً. أما السبب الثاني، فإن من بين هؤلاء الحجاج، شخصيات إيرانية حساسة، على رأسهم، الدبلوماسي الإيراني، غضنفر ركن آبادي.

بعد حادثة منى، صعّدت إيران هجومها على السعودية، إثر إعدام الرياض الشيخ نمر النمر، في يناير/تشرين ثاني 2016، حتى أن المتظاهرين الإيرانيين اقتحموا مبنى السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مشهد، لترد الرياض بقطع علاقتها الدبلوماسية مع طهران.

هددت إيران بدايةً، أنها لن ترسل بعثة للحج، هذا العام، ثم قامت لاحقاً بالتباحث مع الجانب السعودي بشأن البعثة الإيرانية، المباحثات التي وصلت إلى طريق مسدود. وأشارت الرواية الإيرانية إلى أن السعودية فرضت شروطاً غير مقبولة على البعثة الإيرانية، بينما أكّدت السعودية أن إيران تريد أن تمنع حجاجها "لسبب يخصها". وكانت وزارة الحج السعودية قد أكدت في وقت سابق أن إيران تريد فرض شروط تخل بأمن الحجاج، وتسييس الحج.

وفي هذا السياق، رأى مراقبون أن من أهم الطقوس التي يصر الإيرانيون على أدائها أثناء الحج، ما يطلقون عليها "مسيرة البراءة من المشركين" والتي تدعو للبراءة من المشركين والكفار بما يشبه التظاهرة، وتراها السعودية مسيرة سياسية، لا تتعلق بالجوهر الديني للحج، خاصة أنها مستحدثة من قائد الثورة الإيرانية، روح الله الخميني.

وهذا العام، بدأ المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي الهجوم على السعودية، مع دخول شهر ذي الحجة، قبل يومين، باتهام الرياض بأنها لم تأخذ الحج بشكل جدي. وأضاف أن هناك من يرجح أن حادثة منى "وقعت بشكل عمدي". كما كرر اتهامات إيران المعتادة للسعودية، أنها "تدعم المجموعات التكفيرية التي أغرقت المنطقة بالدماء وأججت الصراعات والحروب الأهلية في الإقليم".

وطالب خامنئي العالم الإسلامي بالتفكير جدياً في "اختيار طرف بديل كي يتسلم زمام مناسك الحج ويشرف على إدارتها، وجدد اتهام السعودية بمنع الحجاج الإيرانيين من الذهاب إلى المشاعر المقدسة.

كما اعتبر، اليوم الأربعاء، خلال لقائه عائلات ضحايا حادثة التدافع في منى، أن ما حصل يدل على سوء إدارة المناسك.

وذكر أن "السعودية لم تقدم حتى اعتذاراً شفهياً للمسلمين، كما أن تجاهل ما حدث يعني كذلك أنه لا يوجد ضمانات لمنع تكرار الواقعة ذاتها"، داعياً العالم الإسلامي لمحاسبة السعودية.

وفي السياق ذاته، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن حكومة بلاده لن تتجاوز ما حدث في منى، معتبراً أن ما حصل العام الفائت يضاف لسجل الجرائم السعودية، بحسب وصفه.

ونقل موقع الرئاسة الإيرانية عن روحاني، اليوم أيضاً، إن "السلطات السعودية هي التي وقفت بوجه مشاركة الإيرانيين في حج هذا العام"، متهماً المسؤولين عن تنظيم الحج بالتقصير، وإنّ طواقم الإنقاذ لم تتخذ خطوات سريعة لمساعدة المصابين.

ورأى روحاني أن ما يحدث بين طهران والرياض، والذي تشجع عليه دول أخرى يأتي للضغط على بلاده، قائلاً إن المشاكل لا تتعلق بتدافع منى وحسب، وهو ما كان من الممكن حله حسب رأيه، لكن السعودية تصر على ارتكاب جرائم في الإقليم وتدعم الإرهاب وتقصف المدنيين في اليمن، حسب قوله.

من ناحيته، أكد مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أنّ الخارجية الإيرانية مازالت تتابع ملف ضحايا منى من الإيرانيين، مضيفاً أن هناك سبلاً عدة لتحصيل حقوقهم من المملكة، ومنها اللجوء للمؤسسات الحقوقية الدولية.

ونقلت وكالة "فارس" عن ولايتي كذلك، إن "الرياض ستندم في المستقبل على فعلتها، بحيث ستتابع طهران كل الملفات لمحاسبتها".

بدوره، علّق ولي العهد السعودي، محمد بن نايف بن عبدالعزيز، على تصريحات خامنئي بالقول "ما تثيره وسائل الإعلام الإيرانية وبعض المسؤولين الإيرانيين، لا يستند إلى المصداقية والموضوعية وهم يعلمون قبل غيرهم أن السعودية قدمت للحجاج الإيرانيين كبقية حجاج بيت الله الحرام كل التسهيلات. إلا أنه في حج، هذا العام، تقدمت بعثة الحج الإيرانية بمطالبات تخالف مقاصد الحج وما تلتزم به بقية بعثات الحج الأخرى، وتعرض أمن الحج والحجاج بمن فيهم الحجاج الإيرانيون للخطر".

وأضاف أنّ "الطلبات الإيرانية تخالف قدسية المكان والزمان، والسعودية لن تسمح بأي حال من الأحوال بوقوع ما يخالف شعائر الحج ويعكر الأمن ويؤثر على حياة الحجاج وسلامتهم من قبل إيران أو غيرها". كما شدد على أنّ "الجهات الإيرانية هي التي لا ترغب في قدوم الحجاج الإيرانيين لأسباب تخص الإيرانيين أنفسهم في إطار سعيهم لتسييس الحج وتحويله لشعارات تخالف تعاليم الإسلام وتخلّ بأمن الحج والحجيج، وهذا أمر لا نقبله، ونقف بحزم وقوة ضد من يعمل على الإخلال بالأمن في الحج".

وفي سياق الرد السعودي أيضاً، أكد وزير الحج والعمرة السعودي، محمد بنتن، أنّ جميع الحجاج الإيرانيين القادمين من أوروبا وأميركا وأستراليا ونيوزيلندا وأفريقيا الذين تقدموا للحصول على طلبات تأشيرات القدوم إلى الحج حصلوا عليها، وهم الآن موجودون بمكة المكرمة، وسيؤدون مناسكهم، ويعودون إلى ديارهم سالمين غانمين، كرد على اتهام السعودية بمنع الإيرانيين من الحج.

ويهدف تصريح الوزير السعودي إلى إسقاط الاتهمات الموجهة إلى السعودية، باعتبارها تمنع الإيرانيين من أداء مناسك الحج، ووضع القضية في إطارها الخلافي مع الحكومة الإيرانية.