الصدمة البريطانية تنبّه الأوروبيين لضرورة تصحيح أخطاء الاتحاد

الصدمة البريطانية تنبّه الأوروبيين لضرورة تصحيح أخطاء الاتحاد

06 يوليو 2016
رافضو الخروج من أوروبا يتظاهرون آملين بالبقاء(جوناثان نيكولسون/Getty)
+ الخط -
شكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إعلاناً لساعة الصفر في أوروبا من أجل استعادة قدراتها وتوازنها، على اعتبار أنه من السهل "فتح جبهة"، لكن من الصعب الوصول إلى سلام حقيقي. وبعد هذا التغيّر الأساسي، بات صناع القرار وقادة الاتحاد ينظرون إلى الأمور بشكل مختلف عما سبق، ويدعون إلى ضرورة تعزيز التماسك الأوروبي والكفاح من أجل إعادة قيادته بالاتجاه الصحيح، وهو ما يشير إليه أخيراً رئيس كتلة تحالف "التقدميين الاشتراكيين" في البرلمان الأوروبي، جياني بيتيلا، في مقابلة مع صحيفة "تاغس شبيغل"، قائلاً: "إن أوروبا في وضع حزين لكن لسنا كمن يقف في جنازة"، لافتاً إلى "أهمية الاعتراف بأن التصويت كان خطأ وله أبعاد تاريخية، ويتحمل مسؤوليته رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، باستخدامه الاستفتاء لاغراض سياسية داخل حزبه، وعليه مغادرة "داوننغ ستريت" حالاً، وعدم الانتظار حتى (شهر) أكتوبر/تشرين الأول" المقبل.

قصر نظر بريطاني
ويرى مطلعون أن بريطانيا هربت إلى مشكلة أكبر على المستويين السياسي والاقتصادي وأنها ستفقد الكثير من المزايا الآن. ويلفت خبراء أوروبيون إلى أن الاعتقاد بأن لندن يمكنها التعامل بمرونة مع التحديات العالمية بعد عزلتها، هو اعتقاد خاطئ، مشيرين إلى أنّ عمدة لندن السابق، بوريس جونسون، الذي دعم خيار "الخروج"، لم يكن يتوقع الفوز في التصويت، وما إن صدرت النتائج حتى خفتت أصواتهم جميعاً لأنهم باتوا متورطين، بعدما قاموا بتضليل الناخبين بأرقام كاذبة، وهم بحاجة لعدد كبير من الخبراء لاعتماد الآليات الناجعة من أجل خروج سلس من الاتحاد.

وعلى عكس ما يتوقعه البعض، فإن الكثير من المؤيدين الجدد لليمين الشعبوي في أوروبا سيعيدون التفكير بتوجهاتهم، بعدما تبيّن لكثير منهم حقيقة التبعات العملية التي ستنتج عن الانشقاق عن الاتحاد الأوروبي، وكونه سيتم التعامل مع بلدهم كبلد ثالث من خارج، وسيفقد المكانة الاقتصادية والشراكات داخل السوق الأوروبية المشتركة، وهذا ما سينعكس أقله على القدرة الشرائية للفرد، مع ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الضرائب إلا إذا تمّ اعتماد الحل النرويجي، الدولة غير العضو في الاتحاد، والتي تشكل أحد كيانات الفضاء الاقتصادي الأوروبي.

وعلى المستوى السياسي، يبدي مراقبون بعض التفاؤل استناداً إلى فرضية أن رحيل بريطانيا قد يتيح للاتحاد الأوروبي تسريع وتيرة تحقيق التكامل البعيد المدى على مستوى السياسة الخارجية والأمن، والتي وقفت بريطانيا دائماً بوجهها وعارضتها، فضلاً عن تحقيق مزيد من الرقابة الداخلية وتعزيز الميزانية الأوروبية، وتعميق الوحدة النقدية. ويرى البعض أنه ليس من مصلحة ألمانيا أن تقود الاتحاد الأوروبي وحدها، وهي لا تريد ذلك إنما تسعى دائماً لاستمزاج أراء القادة الأوروبيين على كافة الأصعدة، مع تقديرهم أن ألمانيا ستتحمل عبئاً مالياً إضافياً، من خلال مساهمتها في صندوق الاتحاد، وهو ما قدرته معاهد الأبحاث الاقتصادية بـ 2.5 مليار يورو سنوياً.

معالجة التشوهات
انطلاقاً من الواقع الجديد وما يرافقه من البحث في الثغرات، يرى مراقبون أنه لا بد من التركيز على العداء المتزايد بين المواطنين والاتحاد الأوروبي، والبحث في جذور المشكلة التي تسببت بالتشوهات في الاتحاد ومعالجتها. وتتمثل الخطوات الضرورية للتخلص من عناصر الخلل، بتصحيح التقشف الأوروبي الذي كان له آثار سلبية واسعة النطاق، والسعي لإحداث تغيير فعلي من خلال مكافحة البطالة، وتحفيز النمو وإيجاد المزيد من الاستثمارات، والبحث عن حلول مقنعة لأزمة اللاجئين من خلال إقامة استثمارات في البلدان المصدرة لهم، وحماية السواحل الأوروبية وإعادة توزيع من يتواجد منهم على أراضي دول الاتحاد بطريقة عادلة.


وعلى الرغم من تأثر الاتحاد الأوروبي بخروج بريطانيا، إلا أن عدداً من الخبراء الاقتصاديين يجزمون بأن الاتحاد قادر، في ظل بوجود دول مثل ألمانيا وفرنسا، على إعادة الإمساك بزمام المبادرة، شرط المصارحة والتواصل بكثير من البساطة مع الناس من أجل القيام بما هو أفضل لأوروبا، وتحويلها إلى منارة ذات أثر كبير في العالم. ومن بين الخطوات التي يمكن القيام بها، هناك الاتصال بالمجموعات التي تضمها القوى التقدمية والمجتمع المدني للتفكير معاً من أجل مستقبل أفضل لأوروبا. بموازاة ذلك، ينبغي على بعض الدول التخفيف من الأنانية والتمعن في حالة الإحباط التي تضرب الكثير من المجتمعات الأوروبية، وإصلاح ميزانية الاتحاد وزيادتها، وتطوير إدارة الاقتصاد الأوروبي الذي يجمع بين السياسة الاقتصادية والمالية، أي تليين ميثاق الاستقرار الأوروبي والبحث في عناصر أساسية واستراتيجية لمكافحة أزمة اليورو، على حد تعبير نائب المستشارة الألمانية، وزير الاقتصاد، سيغمار غابريال.

ومع الحديث عن إجراء استفاء جديد، وعلى الرغم من التظاهرات الشعبية التي تشهدها لندن للمطالبة بالبقاء في أوروبا، يؤكد خبراء بالشؤون الخارجية الأوروبية أن الديمقراطيات تتجاوز في مثل هذه الحالات البرلمانات، وبالتالي من المستبعد أن يصوت البرلمان البريطاني ضد إرادة الشعب، علماً أن الاستفتاء غير ملزم من الناحية الدستورية، وباستطاعة البرلمان عدم المصادقة عليه، مشيرين إلى أن المخرج يكون بطرح الثقة بالحكومة من قبل البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة.

مخاطر اقتصادية
مع التهليل الذي لقيه نتائج الاستفتاء في بريطانيا من قبل العديد من الرافضين للوحدة الأوروبية والتوقعات بأن تعمد عدد من الدول إلى إجراء استفتاءات مماثلة، من شأنها التبشير بنهاية الاتحاد الأوروبي، يرى خبراء أن تفكك الاتحاد صعب المنال، أقله على المدى المتوسط. إلا أنهم يبدون تخوفهم من استمرار انعدام التوازن بين شمال وجنوب أوروبا، ومن تجدد الأزمة في اليونان. ويشير الخبراء إلى ما قاله رئيس الوزراء التشيكي، بوغوسلاف سوبوتكا، من أن خروج بريطانيا سيؤدي إلى موجة من القومية والانفصالية في أوروبا"، وذلك بعدما عززت النتائج معنويات الأحزاب الشعبوية، وعلى رأسها حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف في فرنسا، بزعامة مارين لوبان، التي طالبت بإجراء استفتاء مماثل، في حين وصفت السياسية الألمانية المنتمية لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، بياتريكس فون ستورش، الاستفتاء البريطاني بـ"اليوم التاريخي"، فيما طالب بدوره رئيس حركة "خمس نجوم" في إيطاليا، بيبي غيرللو، باستفتاء على عضوية بلاده في منطقة اليورو.

لذلك، يجمع عدد من مديري معاهد أبحاث اقتصادية ألمانية أن هذه التطورات توفر مخاطر اقتصادية هائلة، وإذا ما بدأت دول اليورو تذوب ببطء، ستكون بالتالي الدول المثقلة بالديون في جنوب أوروبا أول الضحايا، وعلى الدول المتبقية أن تتحمل الخسائر المتوقعة للبنك المركزي الأوروبي. في المقابل، يرفض آخرون فكرة تفكك منطقة اليورو ويعتبرها الخبراء بانها غير واقعية لأن العضوية في الاتحاد والسوق الداخلية تحمل الكثير من الفوائد الاقتصادية، وهو ما يؤكد عليه مدير معهد أبحاث "كارنيغي أوروبا" في بروكسل، يان تيشو.

انطلاقاً من كل ذلك، يجب اعتماد المرونة في التعامل لأن الدول الأوروبية ليست فقط ذات ثقافات متنوعة لكن لديها هيكليات اقتصادية وأخلاقيات عمل مختلفة جداً، كما أن أوروبا تسير بسرعات مختلفة، وينبغي على الدول صاحبة الاقتصادات القوية مساعدة الدول الأعضاء الواقعة في جنوب القارة والضعيفة اقتصادياً، والتي وصلت نسبة البطالة في عدد منها إلى حوالى 30 بالمائة، وهو ما سيساعدها في أن تتمكن من اللحاق اقتصادياً وبصورة تدريجية بها، ولتتكيف مستقبلاً مع الواقع المستجد وإيجاد نواة أوروبية متجانسة، وردم الهوة بين المجتمعات الطبقية المتزايدة في أوروبا بفضل اعتماد سياسات إصلاحية جريئة تسمح بإنهاء الأزمة بدون تغييرات مؤلمة في هيكليتها.

المساهمون