هل يكون البلطيق بعد البلقان الساحة الثانية لتدخل الأطلسي في أوروبا؟

هل يكون البلطيق بعد البلقان الساحة الثانية لتدخل حلف الأطلسي في أوروبا؟

22 يونيو 2022
مخاوف من مواجهة بين روسيا وحلف الأطلسي (شين غالوب/ Getty)
+ الخط -

هزّ العصا الروسية اليوم بوجه الجارة ليتوانيا، والرد الأميركي من خلال التذكير بالبند الخامس من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يوفر الحماية لأعضائه، ومنها ليتوانيا، رفعا من منسوب المخاوف من أن تفيض حرب روسيا إلى خارج وعائها الأوكراني.

التخوف هذا يعود إلى بدايات الحرب بعد أن ظهرت بوادر التعثر على الحملة العسكرية الروسية، خاصة أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، توعد بالتصدي لكل من يعاكس أو "يقف" في طريقه من الدول المجاورة أو غيرها. وكانت دول البلطيق الثلاث، الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا)، مرشحة للاستهداف الروسي. فالكرملين ألمح أكثر من مرة بنيته، بل عزمه، على خلخلة إن لم يكن تفكيك المعادلة الأمنية الأوروبية التي أقامتها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية والتي مددتها إلى عتبة الدار الروسية بتوسيع عدد البلدان المنضوية بحلف شمال الأطلسي.

البلدان الثلاثة تقع على الحدود الروسية وتشكل بحكم صغر حجمها وإمكاناتها، النقطة الرخوة بالنسبة إلى موسكو في الحلف. ورأت بعض الأوساط أن هذا الاحتمال ينبغي أخذه على محمل الجدّ لو تعذر على موسكو تحقيق مرادها في أوكرانيا. فالرئيس بوتين "لن يرضى" بنهاية مخيبة لمغامرته، وبالتالي قد لا يتردد في توسيع دائرة الحرب إذا اقتضى الأمر، برغم خطورة المجازفة في ذلك.

ووفق الجنرال الأميركي المتقاعد مارك هارتلينغ، والأدميرال جيمس ستافريدس، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا "لم تحقق لموسكو حتى الآن أياً من أغراضها الاستراتيجية". التقدم الذي أحدثته القوات الروسية شرقي أوكرانيا "بطيء"، مع التسليم بأن موسكو ستحسم المعركة في نهاية المطاف، وقريباً لمصلحتها في منطقة دونباس.

وفي الأيام الأخيرة ساد قدر من القلق في واشنطن، في ضوء المناشدات الأوكرانية التي بدت أقرب إلى نداءات الاستغاثة والإسراع في مد كييف بالأسلحة الفعالة، على إثر اشتداد الضربات الروسية الصاروخية والقصف المدفعي الكثيف.

وأكدت الجهات المعنية في واشنطن أن شحنات الأسلحة "متوالية" والمزيد "على الطريق"، ولو أن الكميات خاصة في الراجمات البعيدة المدى تبدو "أقل من المطلوب" لمواجهة الدب الروسي. وربما لهذا السبب تبدي كييف بعض التأفف بين الحين والآخر.

وبالرغم من ذلك، يسود الاعتقاد أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا كان في الأشهر الأربعة الماضية "مكلفاً" من النواحي كافة. وخطاب بوتين أخيراً في بطرسبورغ حمل مؤشرات في هذا الخصوص. تنويهه ببطولات القوات وتماسك المواطنين ونجاحات القطاعات الاقتصادية في احتواء التداعيات، فُسِّرَت من زاوية أنها محاولة لشد العصب وشحذ الهمم. كذلك بدت إشاراته إلى أن "ما لدينا من أسلحة" غير معروفة وتلويحه بما يشبه حرباً اقتصادية تشمل العالم، في تلميح إلى حجب تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية.

في هذا السياق أُدرِج تحذيره لتوانيا على إثر القيود التي وضعتها على البضائع العابرة لأراضيها إلى جيب كاليننغراد الروسي والتي عزتها لتوانيا إلى العقوبات الأوروبية المفروضة على مثل هذه البضائع. لكن موسكو التقطت الخطوة لتوجيه ما يشبه الإنذار إلى "الأطلسي".

الناطق باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، رد هو الآخر بتذكير الكرملين بالبند الخامس من ميثاق الحلف الذي يؤكد أن "تعرض عضو فيه للاعتداء، هو اعتداء على الجميع". ضمناً هزّ العصا الأميركية لموسكو. طبعاً ما زالت المنازلة كلامية. لكن الخشية من أن تتصاعد إلى درجة يصبح معها التراجع صعباً، خاصة أن احتمالات دق باب التسوية لم يحن بعد، ولو أن الخيار موجود على الطاولة، ومن المتوقع أن يتبلور أكثر وتنشط المساعي بشأنه بعد معركة دونباس.

لكن لا ضمان بتوقف العمليات بعد هذه المعركة. الترجيحات أن المسألة طويلة وإلى مزيد من التعقيد قبل الانفراج غير القريب. وفي ذلك وصفة لتطورات ومفاجآت قد تُدخل الأزمة في مسار آخر مختلف تماماً، وقد يخرج عن السيطرة حسب ما تنذر به معطيات اللحظة الراهنة. والتخوف هنا من احتكاك في البلطيق يؤدي إلى تدخل حلف شمال الأطلسي، الذي لو حصل يكون الثاني من نوعه على الساحة الأوروبية بعد تدخله في حرب البلقان في تسعينيات القرن الماضي. لكن هذه المرة لو حصل ذلك، العواقب لا تقاس بتلك التي أدى إليها التدخل في صربيا وحرب كوسوفو.

المساهمون