هل يعرقل جهاز الأمن الوطني "الحوار" المصري؟

هل يعرقل جهاز الأمن الوطني "الحوار" المصري؟

27 يوليو 2022
ضياء رشوان يتولى دور المنسق العام للحوار الوطني (صفحة الحوار الوطني على فيسبوك)
+ الخط -

طفا إلى السطح مجدداً الحديث بشأن تباين المواقف بين أجهزة الدولة الأمنية في مصر، حول "الحوار الوطني" الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في إبريل/نيسان الماضي.

ومنذ اليوم الأول للدعوة الرئاسية للحوار، التي أطلقها السيسي على هامش حفل "إفطار الأسرة المصرية" خلال شهر رمضان الماضي، والأحاديث تدور في اللقاءات بين ممثلي المعارضة والمسؤولين المشرفين على الحوار الوطني في جهاز المخابرات العامة، حول جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، المعارض للحوار.

طبيعة دور جهاز الأمن الوطني بالحوار

ورأى قيادي في أحد الأحزاب المنتمية لـ"الحركة المدنية الديمقراطية" في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هدف إشارات المسؤولين في جهاز المخابرات العامة إلى موقف جهاز الأمن الوطني من الحوار، هو الضغط على ممثلي المعارضة المدنية الذين كانوا يطمحون إلى سقف عال للمطالب.

وأضاف أن "الجهاز اعتبر أن ممثلي المعارضة يعتقدون بأن السيسي، الذي خاصم السياسة منذ وصوله للحكم، لم يلجأ لها أخيراً، إلا بسبب وضعه المأزوم، سواء على المستوى الداخلي بسبب حالة السخط الشعبي نتيجة تزايد الأسعار التي وصلت لمستويات غير مسبوقة، أو على المستوى الخارجي، على وقع الضغوط المتعلقة بحالة حقوق الإنسان والحريات والتي كانت تستخدم للحصول على تنازلات منه بشأن مواقف مصر في قضايا الإقليم".


قيادي معارض: أُبلغ صباحي بعدم إصدار بيانات عن الحوار أو المعتقلين

وتابع القيادي: "ندرك جيداً أنه لا يوجد جهة في الدولة، مهما بلغ حجم نفوذها، قادرة على معارضة قرار لرئيس الدولة، في ظل الأوضاع الحالية التي بات فيها رؤساء كل الأجهزة والجهات السيادية يسعون لرضا الرئيس، الذي عدل القوانين حتى يكون صاحب الرأي الأول والأخير في اختيار رؤساء جميع الأجهزة والجهات، بما فيها السلطة القضائية التي كانت تتمتع بقدر من الاستقلال وفقاً للقوانين والدستور، قبل أن يقدم السيسي على تعديل الدستور، والقوانين المنظمة لعمل تلك الجهات".

وبحسب قيادي حزبي آخر بحزب آخر ضمن "الحركة المدنية الديمقراطية"، والذي شارك في الاجتماعات التنسيقية بين أحزاب المعارضة بشأن الحوار الوطني، فإن "مسؤولاً كبيراً في الدولة، أبلغ المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، بضرورة عدم إصدار أية بيانات خلال الفترة المقبلة، تنتقد مسار الحوار الوطني، أو من أجل الضغط على الرئيس لإصدار قرارات بالعفو عن سجناء".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد": أن "مطلب المسؤول الحكومي جاء بدعوى أن هناك غضبا من جانب الرئيس الذي اعتبر أن قوى المعارضة تنتهز الفرصة لإحراجه شخصياً".

وأوضح القيادي الحزبي: "رسالة المسؤول أكدت ما يثار بشأن أن هناك جهات في الدولة غير مرحبة بالحوار وتعمل على إفشاله، حتى تثبت للرئيس صحة رؤيتها وموقفها بأن فكرة الحوار قد تكون بداية لأزمات أكبر للدولة، وأنه مع فتح باب السياسة مجدداً لن يكون في المقدرة إغلاقه بعد ذلك".

وكشف أن "رسالة المسؤول الرسمي التي كُلّف صباحي بنقلها لباقي الأحزاب، تضمنت رسائل فرعية بأن ما يغضب المعارضة بشأن السجناء السياسيين وعدم الإفراج عنهم، لا يأتي من قبيل التعنت من جانب السلطة، وإنما نتاج مسار معقد متشابك تسعى فيه الجهة الدافعة والداعمة للحوار الوطني، في إشارة للمخابرات العامة، لتجاوز العقبات التي يضعها جهاز الأمن الوطني (المعني الأول بالتقارير الأمنية الخاصة بالسجناء السياسيين، وإبداء الرأي النهائي بشأنهم)".

من جانبه قال أحد السياسيين الذي يرأس حزبا من خارج الكتلة المدنية، إن "الحديث عن أن جهاز الأمن الوطني هو من يعرقل تقدم الحوار الوطني، ويعيق رؤية الرئيس، أمر لا يقبله عاقل أو أي سياسي يتعامل في المشهد المصري منذ حكم (الرئيس المخلوع حسني) مبارك".

وأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأمن الوطني قد لا يتقبل فتح المجال السياسي أو غير مقتنع بالحوار الوطني، وربما يكون رفع تقارير للرئيس تعبّر عن وجهة نظره، لكن في النهاية لا يجرؤ رئيس الجهاز أو وزير الداخلية نفسه على عرقلة مسار حدده الرئيس وأعلن تبنيه بنفسه، بل أكد أنه سيتم عرض نتائجه عليه".

وحول ما يثار بشأن "رفض جهاز الأمن الوطني للحوار" من جانب المسؤولين بجهاز المخابرات العامة وأسباب ذلك، قال السياسي: "ظني الشخصي أن الأمر في مجمله يأتي في إطار تقاسم الأدوار، كون الهدف الرئيس هو أن يستمر هذا الحوار لأطول فترة ممكنة، من دون أن يمثل ضغطاً حقيقياً على صانع القرار أو السلطة، خصوصاً في ظل الأوضاع الدولية الراهنة، التي يخاطب فيها رئيس الدولة الحكومات الغربية والولايات المتحدة خصوصاً، من أجل المساعدات الاقتصادية، التي عادة ما تكون مرهونة بأوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة".

وشدّد السياسي على أنه "لو أن الأمور سارت بطبيعتها وبسلاسة، فلن يستمر هذا الحوار تحت أي ظرف أكثر من شهر، خصوصاً أن كل الملاحظات والتعديلات المقترحة من المعارضة والخبراء جاهزة، ولا تنتظر سوى موافقة الرئيس. كما أن ملف السجناء السياسيين لا يحتاج لأي شيء كي يتم إغلاقه سوى بقرار من الرئيس نفسه، لكن لا بد من افتعال أزمات حتى يكون التأخير مبرراً، وتكون إطالة المدة مبررة أيضاً، مع إثارة الشد والجذب من وقت لآخر، حتى نستمر لفترة طويلة وكأن هناك حالة حوار وطني وسياسي تعيشها مصر، ويروج لها الرئيس في كل فعالياته وزياراته الخارجية".

استمرار اعتقال المعارضين

وعلى الرغم من مطالبة القوى المعارضة المستمرة بالإفراج عن السجناء السياسيين كمقدمة طبيعية وشرط للدخول في حوار مع السلطة، إلا أنه وبعد مرور نحو 4 أشهر لم يتم العفو سوى عن 6 سجناء سياسيين، وإخلاء سبيل 417 آخرين (لم يتم إسقاط القضايا المرفوعة ضدهم).

في المقابل، وفي الفترة نفسها خلال الأسابيع القليلة التي تلت الدعوة لإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي وتشكيل لجنة الحوار الوطني، جددت المحاكم حبس ما لا يقل عن 4432 سجيناً سياسياً (بالإضافة إلى أولئك الذين جددت النيابة احتجازهم)، فضلاً عن الاعتقالات الجديدة، بمن في ذلك الصحافيون على الأقل، وذلك بحسب ما رصده المركز المصري لحقوق الإنسان.

وفي السياق، وبعد أسابيع قليلة من الإعلان عن الدعوة للحوار الوطني، صدر الحكم على السياسيين عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد القصاص، القياديين في حزب سياسي مسجل، بالسجن لمدة 15 و10 سنوات على التوالي، بعدما امتد احتجازهما الاحتياطي 4 سنوات.

وحُكم أيضاً على الباحث أحمد سمير سنطاوي بالسجن لمدة 3 سنوات، وإغلاق التحقيق في واقعة تعرض الباحث الاقتصادي أيمن هدهود، للتعذيب حتى الموت أثناء احتجازه لدى الشرطة، على نحو يضمن إفلات قاتليه من العقاب.


لم يتم الإفراج عن العديد من السجناء السياسيين بل أُفرج عن 6 منهم فقط

بدوره، واصل الناشط علاء عبد الفتاح، الذي قضى معظم السنوات العشر الماضية خلف القضبان، في إضرابه عن الطعام (لما يتجاوز 100 يوم) للمطالبة بحقوقه الأساسية المكفولة بموجب لائحة السجون المصرية، وسط رفض السلطات والمجلس القومي لحقوق الإنسان الاعتراف بمطالبه، أو حتى مجرد الاعتراف بإضرابه أو زيارته.

وأفرجت السلطات الأمنية على مدار الأشهر القليلة الماضية، عن عدد من المعتقلين المشهورين في قضايا الرأي والحريات، فضلاً عن مجهولين في قضايا عدة.

لكن يبقى الحل الوحيد الملموس بالفعل لاستشعار جدوى الإفراج عن المعتقلين على حد سواء، هو الإفراج دفعة واحدة عن جميع معتقلي قضايا سياسية محددة، أو حتى على مستوى ملفات القضايا، كالإفراج دفعة واحدة عن المحبوسين احتياطياً، أو عن كبار السن وذوي الأمراض.

وسبق أن اعتبر مركز "القاهرة لحقوق الإنسان" في قراءة له لمسار الحوار الوطني، أن "هذا الحوار لا يستهدف الشروع في عملية إصلاح، أو الالتفات لأزمة حقوق الإنسان، نظراً لغياب ضمانات التمثيل العادل للمعارضة في الحوار، وتجاهل السلطات لمطالبها، إلى جانب عدم جدية المبادرات المشابهة التي أعلنت عنها الحكومة سابقاً، بل إن قرارات العفو الرئاسي أتت عن بعض المسجونين السياسيين، وهو ما يؤكد أنها لا ترقى لتكون علامة على البدء في عملية إصلاح حقيقي، في ظل استمرار احتجاز عشرات الآلاف، وتواصل عمليات القبض على العديد منهم".

المساهمون