هل بات الكشف عن قتلة المتظاهرين "معضلة" في العراق؟

هل بات الكشف عن قتلة المتظاهرين "معضلة" في العراق؟

11 ديسمبر 2023
أدت التظاهرات إلى مقتل ما لا يقل عن 800 عراقي وجرح نحو 27 ألفاً آخرين (Getty)
+ الخط -

يتساءل نشطاء الحراك المدني والمحتجون في العراق حول نتائج التحقيقات والكشف عن قتلة المتظاهرين والنشطاء خلال تظاهرات الأول من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 وبعدها، والتي استمرت لأكثر من 14 شهرا وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 800 عراقي وجرح نحو 27 ألفاً آخرين. يأتي ذلك بعد مرور أكثر من عام على تعهد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بالكشف عن تفاصيل الملف والمتورطين فيه، وهو ما لم يحصل لغاية الآن.

ويعتبر مراقبون أن أي إعلان "حقيقي" عن الجهات المتورطة قد يفجرّ أزمة سياسية وأمنية، وخصوصاً أن أصابع الاتهام تشير إلى مسؤولين أمنيين بارزين في الدولة العراقية، وفصائل مسلحة نافذة مدعومة من إيران.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، تعهّد السوداني بكشف الحكومة عن المسؤولين عن قتلة المتظاهرين، مبينا في حديث للصحافيين أن "النظام السياسي في العراق يقوم على الالتزامات الدستورية، ومنذ الأيام الأولى لي في المنصب قمت بتعيين مستشار لحقوق الإنسان، وبعض التحقيقات تحتاج إلى مدة زمنية في إطار القانون، ولا يوجد أي موقوف في سجن أو موقف رسمي دون أمر قضائي، وحتى تمديد فترات الاعتقال يجب أن يعرض على القضاء".

مسألة معقدة في العراق

ويبدو أن إعلان هذه النتائج يمثل مسألة حساسة ومعقدة بالنسبة لجميع القوى السياسية في العراق، كونها تفتح باباً لمواجهة منظومة بأكملها لا تؤمن بالمساءلة، بل حتى أن الحديث في هذا الملف قد يشعل حرباً سياسية داخلية في العراق، بحسب عضو في ائتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

وقال هذا السياسي، لـ"العربي الجديد"، إن "قضية إعلان نتائج التحقيقات في قتل المحتجين يشبه ما يجري في حسم ملفات الفساد الأخرى في البلاد، فقد يؤدي إلى التضحية بشخصيات ثانوية لكي تبقى شخصيات كبيرة أخرى بعيدة عن الرأي العام والإعلام، وهذه سمة دائمة للنظام العراقي الحالي".

وأضاف أن "استخدام الملف وإدانة شخصيات ثانوية من قبل الحكومة الحالية، سيعتبر إنجازا لحكومة السوداني التي لطالما روجت لنفسها بأنها حكومة إنجازات دون سجل حقيقي يدعم هذه الدعاية، ولا بد من الاعتراف بأن الكشف الحقيقي وإعطاء التفسيرات والمعطيات كاملة بهذه القضية يعتبر معضلة".

في السياق، أشار سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي إلى أن "هذا الملف واجهته ثلاث حكومات متعاقبة في العراق، وهذا يدعو إلى التفكير في احتمالين، إما أن هناك جهات وقوى تمتلك نفوذا وتأثيرا كبيرا حيث تستطيع تعطيل أو إعاقة عملية التحقيق للكشف عن القتلة وتقديمهم للعدالة، أو عدم وجود إرادة سياسية صلبة لدى الحكومة للمضي في عملية الكشف عن القتلة حتى بلوغ نهاياتها وتشخيص القتلة وتقديمهم للمحاسبة".

وأضاف فهمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تلكؤ الحكومة وأجهزتها الأمنية في تنفيذ وعودها بهذا الشأن، يشير إلى وجود رابطة أو صلة ما بين الجهات النافذة التي تعطل عملية الكشف عن القتلة، وبين المسؤولين عن عمليات الاغتيال".

أما علي الدهامات، وهو شقيق الناشط المدني البارز أمجد الدهامات الذي اغتيل في محافظة ميسان بسبب اشتراكه في الاحتجاجات، فقد بيَّن أن "الأحزاب الحاكمة هي التي قتلت المتظاهرين، ولا نستطيع أن نذكرهم بالأسماء"، مستكملاً حديثه مع "العربي الجديد"، أن "هناك ضغوطات على رئيس الحكومة وحتى على القضاة المكلفين بجمع المعلومات الذين وصل عددهم إلى 14 قاضيا، وأغلبيتهم تركوا ملفات التحقيقات، كما جرى ردع بعض العائلات عن مواصلة سعيها لتحقيق العدالة".

ولفت الدهامات إلى أن "لجنة تقصي الحقائق المشكلة للتحقيق في قتل المتظاهرين بالعراق تسميتها لا تشبه الفعل، وعملها مقتصر على جمع المعلومات والتحقيقات التي حدثت في مراكز الشرطة الخاصة بالمنطقة الجغرافية لكل شهيد، ومن ثم تكتب تقاريرها وترفعها للأمم المتحدة، وهذا كل ما في الأمر"، معتبراً أن "الكشف عن قتلة المتظاهرين وإعلان أسماء المتورطين والجهات التي تنتمي إليها قد يؤدي إلى احتجاجات كبيرة".

وبحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إياد العنبر، فإن "أي إدانة للقائد العام، أو القادة الأمنيين أو السياسيين يمثل بداية فتح ملفات أخرى بالغة الحساسية، وتهدد وجود القوى السياسية، وملاحقة المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين، لذلك، فإن المنظومة السياسية تمثل العائق الأكبر أمام الإعلان عن نتائج التحقيقات".

وأضاف العنبر متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الموضوع طرحته الحكومة الحالية والسابقة لإيهام الرأي العام بأن هذا الملف من أولوياتها، حيث يعتبر هذا الملف ترويجا سياسيا وخطابا إعلاميا فقط".

بدوره، استذكر المراقب للشأن السياسي العراقي رفعت فياض حادثة محاكمة قاتل الباحث العراقي هشام الهاشمي ومجزرة الزيتون في الناصرية، وقال إنها "لم تسفر عن محاكمة المنفذين الميدانيين لعمليات القتل، بل جرت محاكمة شخصيات ثانوية".

وأكد فياض في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ضلوع قوى سياسية رئيسية في ملف قتل المتظاهرين هو الذي يعرقل إمكانية حسمه بشكل تام، وأن ما يجري مجرد محاولات لإغلاقه من خلال أحكام قضائية على بعض المنفذين، وقد يحكم عليهم بالسجن ومن ثم تهريبهم إلى طهران أو جنوب لبنان".

فياض: ضلوع قوى سياسية رئيسية في ملف قتل المتظاهرين هو الذي يعرقل إمكانية حسمه بشكل تام

واندلعت التظاهرات العراقية في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوبي العراق ووسطه.

وشهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، لا سيما بعد دخول جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، فيما لم تُحاسَب أي جهة متورطة في هذه الأعمال.

وتلخصت مطالب المحتجين بـ"الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين المدنيين الذين سقطوا خلال السنوات الماضية، ووضع حد لحكم السلاح ونفوذه، إضافة إلى تقوية سلطة القانون وإزالة التأثيرات الحزبية والسياسية عن مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين والمتسببين بسقوط محافظات عراقية بيد تنظيم داعش، على رأسهم (رئيس الحكومة الأسبق) نوري المالكي"، فضلاً عن مطالب أخرى تتعلق بالخدمات وتحسين الوضعين الاقتصادي والصحي.

المساهمون