هكذا يسعى الاحتلال لتحويل بؤر استيطانية رعوية بالضفة لمستوطنات كبرى

هكذا يسعى الاحتلال لتحويل بؤر استيطانية رعوية في الضفة الغربية إلى مستوطنات كبرى

07 سبتمبر 2022
خبير: استراتيجية الاحتلال تهدف إلى قوننة البؤر لتصبح مستوطنات قائمة بذاتها (Getty)
+ الخط -

يخشى الفلسطينيون من أن يتحول إجراء احتلالي بشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية تحت مسمى "مزارع رعوية" إلى تحويل تلك البؤر إلى مستوطنات كبرى تبتلع ما تبقى من أراضيهم.

يأتي ذلك في سياق عملية تهجير قسري وتطهير عرقي لعشرات آلاف المزارعين وأصحاب الأرض الأصليين والشرعيين من الفلسطينيين، بالإضافة إلى إضفاء الشرعية على ما هو قائم من مستوطنات تمنع الفلسطينيين من استغلال أراضيهم للزراعة وغيرها.

دولة فلسطينية بين التجمعات الاستيطانية

يصف خليل تفكجي رئيس دائرة الخرائط في بيت الشرق سعي سلطات الاحتلال لتكريس و"شرعنة" عشرات المزارع الرعوية والبؤر الاستيطانية التي أقامها مستوطنون في أنحاء الضفة الغربية بأنها "جزء من سياسة واستراتيجية الاحتلال الهادفة إلى قوننة هذه البؤر الاستيطانية، لتصبح بعد حين مستوطنات قائمة بذاتها، لا سيما أنّ هذا التوجه يتفق مع وجود اليمين الإسرائيلي في الحكم، الذي يجمع كافة أركانه على دعم الاستيطان، وعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية وحشرها ضمن تجمعات وكتل استيطانية من جميع الجهات، وبسط كامل السيادة والسيطرة على مناطق (ج) بالكامل".

ويؤكد تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنّ "شرعنة هذه المزارع الرعوية تشكّل جزءاً من عملية احتلال دائم للأراضي وتجاوز مسميات مثل المحميات الطبيعية، أو أراضي دولة، ما يعني في النتيجة استهداف التواجد البدوي الفلسطيني في هذه المناطق، حيث ينتشر البدو في شرق رام الله وفي كثير من الأماكن في الضفة الغربية، التي يتعمد الاحتلال في هذه المرحلة الاحتكاك بهم هناك، والضغط عليهم لإرغامهم على الرحيل".

ادعاء بأنها أراضٍ زراعية يهودية

هذا التوجه من قبل سلطات الاحتلال يكرس من طرفها محاولات الربط بين القديم والحديث بادعاء من قبيل أنه في هذه الأراضي كانت المزارع اليهودية قبل آلاف السنين، وهذا ما يفسر إعلان الاحتلال قبل فترة عن أكثر من مليون دونم من المنطقة الممتدة من شرق رام الله حتى مسافر يطا في الجنوب كحدائق قومية، وفق تفكجي.

يقول تفكجي: "وبالتالي لا بد لهم من إجلاء وطرد البدو على امتداد هذه المناطق. علماً بأن المرحلة الأولى من شرعنة هذه البؤر الاستيطانية يشمل نحو 40 بؤرة استيطانية تدعي سلطات الاحتلال أنها أقيمت على أراضي دولة".

السيطرة على أكبر قدر من الأرض

في تحليله لخلفيات هذا الإجراء المحتمل، يقول المدير العام لمركز أبحاث الأراضي – جمعية الدراسات العربية/ القدس جمال طلب، لـ"العربي الجديد: "استند المشروع الصهيوني منذ بداياته الأولى على فكرة السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية وطرد الفلسطينيين؛ أصحاب الأرض الأصليين، من أرضهم وتفريغها منهم أو تكثيفهم في تجمعات سكانية محصورة وتحويل طاقة العمل لديهم إلى طاقة عمالية خدمية لخدمة بناء دولة المشروع الصهيوني –إسرائيل".

وأضاف أنّ "المشروع الصهيوني عمل من أجل ذلك على تفكيك الارتباط السيامي بين الإنسان الفلسطيني وأرضه بكل السبل المتاحة، ولعل أهمها إضعاف الزراعة الفلسطينية وجعل مردودها قليلاً وتقوية الدخل الناتج عن العمل في مشاريع البناء الإسرائيلية والمصانع والخدمات الدنيا للمشروع الصهيوني، مما كان يضطر الفلسطيني لترك العمل الذي لا يحقق له مدخولات كافية (وهو العمل في الزراعة والأرض) ويسعى للعمل الذي يجني منه دخلاً عالياً (وهو العمل في مشاريع الاحتلال)".

عمل المشروع الصيهيوني على تفكيك الارتباط السيامي بين الإنسان الفلسطيني وأرضه بكل السبل المتاحة

وتابع طلب: "ما يحدث اليوم يتسق مع تلك الفكرة التي بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر مع الهجرات الصهيونية الأولى لفلسطين واستمرت حتى اليوم"، مشيراً إلى" سيطرة المشروع الصهيوني على معظم الأراضي الزراعية الفلسطينية المتاحة للمصادرة".

ومضى قائلاً في هذا السياق: "سيطروا على مصادر المياه وأنشأوا المستوطنات الزراعية والصناعية والدينية والعسكرية والأكاديمية، ولم يتبق متاحاً للفلسطينيين في الضفة الغربية مثلاً سوى ما نسبته 38% من مساحة الأراضي وهي المصنفة (أ) + (ب)، ولا يحوزون سوى على نسبة ضئيلة من الأراضي المصنفة (ج) التي يعيث الاحتلال فيها هدماً وتدميراً لكل مسكن أو منشأة أو مزرعة أو بئر مياه أو جدار استنادي".

ولفت إلى أنّ مجلس المستوطنات "يقوم بدعم مطلق من حكومات أعضاؤها مستوطنون ببناء وتوسيع وشرعنة المستعمرات القائمة والسعي لإنشاء بؤر استعمارية جديدة هدفها ليس اقتصادياً ولا ينجم عن حاجة سكانية كما يدعون، بل هدفها الأساس هو السيطرة على قطع أراضٍ فلسطينية جديدة لم يتمكنوا من السيطرة عليها بشتى السبل التقليدية".

منهج استيطاني عدواني جديد

يشير طلب إلى أنه عندما يصبح المستوطن مزارعاً وراعي أغنام وأبقار ولديه الحق من دولة الاحتلال (حق القوة) بأن يطلق مواشيه في الأراضي الزراعية الفلسطينية لترعى كما تشاء بحماية جيش الاحتلال، فإنه وقتذاك لا يحق للفلسطيني صاحب الأرض والزرع التصدي لها وطردها، وإن فعل ستكون النتيجة أن يتم ضربه أو جرحه أو اعتقاله وتغريمه، وإن اصطدم بالمستوطن فإنه سيقتله "دفاعاً عن النفس" حسب الادعاء المعروف.

وأضاف المدير العام لمركز أبحاث الأراضي – جمعية الدراسات العربية/ القدس: "عندما نعلم أنّ دولة الاحتلال وحكومات الاستيطان الإسرائيلية هي التي تضع المغريات للمستعمرين الصهاينة بمنحهم المسكن والأثاث والحظائر الزراعية والمعدات والعدد اللازمة والأغنام والأبقار، وتمنح المستعمر راتباً شهرياً مغرياً للعمل في هذا الحقل الغريب عليه أصلاً، وتترك له عائد عمله كمكافأة، عندها نعرف حجم العدوان على الأرض الفلسطينية وحجم الانتهاك لحقوق المالك الفلسطيني، ونعرف أيضاً مرامي هذا الاحتلال الاستيطاني التهجيري الاستبدالي بطرد الأصحاب الأصليين واستبدالهم بالكذب على التاريخ والدين والإنسانية".

معايير وشروط

ومن بين معايير وشروط النظام الجديد لإقامة هذه المزارع الرعوية أن تسكنها عائلة مستوطنين واحدة، إلى جانب عمال وعدد محدود من المباني، واستصدار "أصحابها" تصاريح لرعي المواشي وتصاريح بيطرية.

في حين يوجد حالياً نحو 50 بؤرة استيطانية كهذه في الضفة الغربية تسيطر على 240 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين، أو ما يشكل حوالي 7% من مساحة المناطق المصنفة (ج)، وفقاً لمنظمة "كيرم نيفوت" لمراقبة الاستيطان.

وفي هذا الصدد، تشير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أنه، خلال السنوات الخمس الأخيرة، سيطرت أربع مزارع استيطانية كهذه على منطقة مساحتها 19 ألف دونم، "وأغلق المستوطنون فيها، بمساعدة الجيش بشكل كامل إمكانية توجه فلسطينيين إلى أراضيهم التي تبلغ مساحتها 20,866 دونماً، والتي كانوا يزرعونها ويرعون مواشيهم فيها في الماضي".

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد كشفت، في يونيو/ حزيران الماضي، عن مخططات للمستوطنين للاستيلاء على حوالي مليون دونم من أراضي الضفة الغربية المحتلة الواقعة ما بين القدس والبحر الميت، على أن تشمل أراضي مقامة عليها أماكن دينية إسلامية ومسيحية، ومن ضمنها مساحات واسعة من الأراضي شرق القدس في المنطقة المعروفة بـ E.1، حيث يسعى اليمين الإسرائيلي إلى البناء في هذه المنطقة في محاولة لربط المنطقتين شمالي الضفة الغربية عن جنوبها، وعزل القدس عن محيطها الفلسطيني من الناحية الشرقية.