نواب تونسيون يدافعون عن بند سحب الوكالة

21 فبراير 2023
مقرّ البرلمان التونسي بالعاصمة، مارس 2022 (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -

تختلف القراءات لآلية سحب الوكالة من النواب في البرلمان التونسي التي أدخلها الرئيس التونسي قيس سعيّد في الدستور الجديد، ففي حين يتخوّف خبراء قانونيون من تحويلها إلى سيف مسلط على رقاب البرلمانيين ومصدر إرباك لهم، يعتبر أعضاء في البرلمان الجديد أنها ستكون ضمانة لاستقرار المجلس الجديد وقطعاً مع السياحة البرلمانية.

وأدخل سعيّد قاعدة سحب الوكالة في الدستور الجديد الذي عرضه على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز الماضي، ثم ضمّنها في المرسوم الانتخابي الذي أصدره في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، قبل 3 أشهر من إجراء الدور الأول من الانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأتاح القانون الانتخابي سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية "في صورة إخلاله بواجب النزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النيابية أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح". واشترط القانون "تقديم عريضة سحب الوكالة معلّلة وموقعة من قبل عُشر الناخبين المسجلين بالدائرة الانتخابية التي ترشح بها النائب المعني، وذلك إلى الإدارة الفرعية للانتخابات المختصة، كما لا يمكن تقديم عريضة سحب الوكالة من النائب إلا مرة واحدة طيلة المدة النيابية (5 سنوات)".

واعتبر النائب الجديد المستقل، هشام حسني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الفصل 61 من الدستور نص على إمكانية سحب الوكالة من النائب وفقاً لشروط يضبطها القانون الانتخابي"، مضيفاً: "ولئن روّج البعض إلى أن هذا الأمر سيف مسلّط على رقاب النواب، فإني أفنّد ذلك بسببين، أولاً أن كل المؤسسات المنتخبة والتي منحت الثقة من أجل برنامج محدد، تُسحب منها الثقة في صورة عدم الإيفاء بتعهّداتها تجاه ناخبيها، وهذا من مظاهر الديمقراطية. كما أن ما عشناه خلال الدورات البرلمانية السابقة من سياحة حزبية وعدم مبالاة النائب بمشاكل الجهة التي ترشح عنها، جعل الناخب يشعر بالقهر والغبن والندم وهو عاجز عن محاسبة مرشّحه لمدة 5 سنوات كاملة، وهذه من أسباب عزوف الناخبين على عملية الاقتراع".


إبراهيم بودربالة: سحب الوكالة يتطلب إجراءات تكاد تكون مستحيلة

آليات صعبة لسحب الوكالة

وتابع حسني: "آليات سحب الوكالة صعبة جداً وتستوجب جمع تواقيع معرّف بها من طرف عُشر الناخبين في الدائرة، ثم في مرحلة ثانية عرض سحب الوكالة على التصويت بطريقة الاستفتاء، ممّا يجعل الأمر شبه مستحيل، والحال أن المرشّحين عجزوا عن تجميع 400 توقيع معرّف بهم عند جمع التزكيات".

وشددّ على أن "إمكانية سحب الوكالة تجعل النائب تحت رقابة ناخبيه، الذين منحوه الثقة وتكون له حافزاً للعمل لفائدتهم لا لجني امتيازات لفائدته الشخصية، كما ستكون عاملاً أساسياً في استقرار الكتل البرلمانية، وبالتالي كل البرلمان، بحكم القضاء على السياحة الحزبية".

من جهته، أكد رئيس المجلس الوطني لحركة الشعب، النائب عبد الرزاق عويدات، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "سحب الوكالة هو ضمانة على أساس ما قدمه النواب من وعود عند تقديم ترشيحهم، خلافاً للبرلمانات السابقة، فبعد حصولهم على تذكرة العبور للبرلمان، لا يوفون بتعهداتهم بسبب عدم وجود أي التزام مع الناخبين، وهو ما يفسر عدم انتخابهم مجدداً".

وبيّن عويدات أن "استقرار البرلمان المقبل مرتبط بتكون الكتل البرلمانية حسب ما ذكره الدستور، ومن ينتمي لكتلة لا يمكنه الالتحاق بغيرها إذا استقال منها، وبالتالي يبقى غير منتم لأي كتلة، وهي ضمانة استقرار الكتل".

وأفاد بأنه في "حركة الشعب هناك قاسم مشترك بين جميع نوابه، وهو المشروع الوطني الشعبي، مع خصوصية جهوية لكل نائب، وعلى هذا الأساس سنتعامل مع باقي الكتل والنواب ممن يتفقون معنا في الخطوط العريضة للبرنامج الوطني".

بدوره، أوضح عميد المحامين السابق، النائب عن تحالف "لينتصر الشعب"، إبراهيم بودربالة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "من الإيجابي في البرلمان أن غالبية النواب مستقلون وشاركوا في مساندة مسار 25 يوليو (2021، تاريخ إعلان الرئيس قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية) وما تبعه من إفرازات، وما يجمعهم هو مصلحة الوطن العليا".

وأكد بودربالة أن "سحب الوكالة يتطلب إجراءات تكاد تكون مستحيلة، إلا إذا كان هناك من لا يحضر بصورة مستمرة وغير ذلك، وبالتالي إجراءاتها صعبة وكل نائب مطالب بالتواصل مع ناخبيه".

أما النائب المستقل، رياض جعيدان، فاعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "سحب الوكالة يمثل ردة فعل دستورية، ومنصوصا عليها أيضاً في المرسوم الانتخابي، على بعض المظاهر التي أفقدت الشعب التونسي ثقته في بعض النواب، الذين خانوا ثقة ناخبيهم وتميزوا بالسياحة البرلمانية أو الغيابات المتكررة أو عدم تنفيذ وعودهم الانتخابية من دون أن يكون هناك رقيب أو حسيب".

واستحضر: "مشاهد العنف التي عاشها البرلمان السابق وتضارب المصالح وعديد الشوائب التي جعلت الشعب التونسي يفقد ثقته في كل ما هو برلمان ونائب".

ورأى جعيدان أنه "بسحب الوكالة يصبح النائب محل مساءلة ومراقبة من الناخب، والجميع يجب أن يكون محل مساءلة وفق شروط يحددها القانون". وتابع: "ننتظر تركيز المحكمة الدستورية التي ستوضح عديد المسائل على غرار سحب الوكالة".

وأضاف: "إذا أحسنا حوكمة المجلس بين النواب والحكومة والمجتمع المدني والمواطنين بصفة تشاركية، يمكن أن ننجح في تحقيق الاستقرار، وإذا ابتعدنا طبعاً عن الصراعات السياسية والحسابات الضيقة وركزنا على إصلاح البلاد اقتصادياً".

الآلية الدستورية لسحب الوكالة

وأثارت اتهامات سعيّد لعدد من المرشحين وتهديدهم بسحب الوكالة منهم، تساؤلات حول هذه الآلية الدستورية التي وضعها في دستور 2022 وما تؤسس له من تدخّل الجهاز التنفيذي في السلطة التشريعية ومدى مخالفتها للدستور.

وبيّنت أستاذة القانون الدستوري، هناء بن عبدة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "سحب الوكالة هي آلية دستورية بيد الناخبين وليست بيد رئيس الجمهورية ولا السلطة التنفيذية، إذ إن عُشر الناخبين هم من يقدمون طلباً لسحب الوكالة من النائب عبر عريضة موقّعة يقدمونها إلى هيئة الانتخابات وتستدعي الهيئة النائب وتعلمه بها، وبدوره يمكنه الاعتراض على العريضة أمام المحكمة الإدارية، كما يمكن للهيئة رفضها وللناخبين الاعتراض أمام المحكمة الإدارية في حالات رفضها".

وأضافت: "إذا ثبت تقصير النائب من المحكمة الإدارية، نمرّ إلى عملية استفتاء على سحب الوكالة والتصويت يكون من كل الناخبين".


هناء بن عبدة: سحب الوكالة هو آلية دستورية بيد الناخبين وليست بيد رئيس الجمهورية

وأفادت بن عبدة بأنها "آلية دستورية وضعها الرئيس بيد الناخبين في الدستور ولا يسمح للسلطة التنفيذية بالتدخل فيها". ولفتت إلى أن "تهديد الرئيس في تصريحاته بسحب الوكالة من المرشحين للمجلس النيابي فيه تدخّل من رأس السلطة التنفيذية في السلطة التشريعية، إذ حسب دستور 2022، عملية سحب الوكالة تكون بين الناخب وممثله في السلطة التشريعية ولا علاقة للسلطة التنفيذية في هذا الأمر".

وتابعت بن عبدة: "لا نعلم إلى ماذا يستند رئيس الجمهورية بالحديث عن التزوير في وقت تتمسك الهيئة بنظافة الانتخابات وأنها الأنظف منذ قيام الثورة وهذا غريب جداً"، مشيرة إلى أنه "سبق للرئيس اتهام كل الانتخابات السابقة بأنها مزورة وفاسدة، والحال أنه صعد إلى سدة الرئاسة بأحد هذه الانتخابات التي تقول الهيئة إن فيها مالاً سياسياً فاسداً".

وفي السياق، كان أستاذ القانون الدستوري، خالد الدبابي، قد وصف في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، سحب الوكالة بأنه "سيكون سيفاً مسلطاً على رقاب النواب الجدد، فكل نائب ترى فيه السلطة التنفيذية تهديداً أو عدم انضباط لتعليمات الرئاسة ولسياساتها سيقع تهديده حتى نهاية ولايته".

وأفاد بأن ''هذه الآلية تمثل عامل إرباك لعمل البرلمان باعتبار أن النواب سيشعرون بتهديد متواصل وسيخضعون لضغط ناخبيه". وذكر الدبابي بأن "تهديد النواب ليس بغريب عن رئيس الجمهورية، فقد عوّدنا الرئيس منذ تقلده لمنصبه على خطاب المعارض، وليس خطاب الممسك بالسلطة على الرغم من جمعه كل السلطات بعد 2021".

المساهمون