ميناء غزة: مساعدة إسرائيل أم "تجميل الصورة الأميركية"؟

ميناء غزة: مساعدة إسرائيل أم "تجميل الصورة الأميركية"؟

31 مارس 2024
وزير الخارجية الأميركي رفقة وزير الأمن الإسرائيلي (شاول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في خطاب حالة الاتحاد، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن خطة لبناء ميناء عائم في غزة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، في محاولة لتخفيف الأعباء الأخلاقية لدعم أمريكا لإسرائيل في الحرب.
- الأهداف من إنشاء الميناء تشمل تعزيز الحضور الأميركي بالشرق الأوسط، دعم التطبيع الإقليمي الإسرائيلي، والتعامل مع التنافس الصيني واستنزاف روسيا، بالإضافة إلى احتواء المقاومة الفلسطينية.
- تدشين الميناء يهدف لعزل حماس وإغلاق الحدود مع مصر، مع ترحيب إسرائيلي بالخطوة كوسيلة لاستعادة السيطرة الأمنية على غزة، مما يؤثر على حصار غزة والتوازنات العربية بتراجع دور مصر وتصاعد دور الإمارات وقطر.

بعد مرور خمسة أشهرٍ على حرب الإبادة على قطاع غزّة، جاءت إشارة الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه عن حالة الاتحاد (7/3/2024)، بشأن تشييد "ميناءٍ عائمٍ" على ساحل مدينة غزّة، لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية. إذ تحاول واشنطن التخفّف من "الأعباء الأخلاقية" لدعمها المطلق لإسرائيل في هذه الحرب، ما يطرح تساؤلاتٍ مشروعةً عن توقيت طرح مشروع "ميناء غزّة"، وعلاقته بسياسة إدارة بايدن تجاه الحرب، وترتيبات "اليوم التالي"؛ إذ لم تحدث "تحولاتٌ جوهريةٌ" في المقاربة الأميركية لقضية فلسطين، أبعد من مستوى "التغير "الجزئي" في الخطاب، إذ ظهر "الاستياء" الأميركي من عدم تجاوب حكومة بنيامين نتنياهو مع نصائح واشنطن، على نحوٍ ما، كما جاء في تصريحات زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر (14/3/2024)، التي اعتبر فيها نتنياهو "عقبةً كبيرةً أمام السلام"، كونه يخضع، في كثيرٍ من الأحيان، لمطالب وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي إيتمار بن غفير.

واستطرادًا في تحليل الأهداف الأميركية/ الإسرائيلية من إنشاء "ميناء غزة"، ثمة أربعة عوامل توضح سياق هذه الفكرة بالنسبة للسيناريوهات المستقبلية للحرب؛ أولها علاقة الميناء بالسياسة الأميركية تجاه فلسطين، وإقليم الشرق الأوسط إجمالاً؛ تنطوي الفكرة على تعزيز الحضور الأميركي المباشر في الإقليم، إذ جرى تعديل أولويّات إدارة بايدن قبل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، التي كانت تبحث عن "إنجازٍ" ما في سياستها الخارجية، عبر التركيز على ثلاثة عناصر؛ أولاً؛ تعزيز جهود التطبيع الإقليمي الإسرائيلي، لا سيّما بين الرياض وتل أبيب، وثانياً؛ التركيز على استنزاف روسيا في أوكرانيا، واستكمال تطويقها وتحجيم نفوذها، والعمل على حرمان الرئيس فلاديمير بوتين من قطف ثمار عدوانه على أوكرانيا، وثالثاً؛ التعامل مع تصاعد التنافس الصيني الأميركي.

الواضح في هذا السياق، أنّ سياسات واشنطن هي أكثر بكثيرٍ من مجرد ردود فعل على عملية طوفان الأقصى (7/10/2023)؛ فنحن إزاء استراتيجيةٍ أميركيةٍ/ إسرائيليةٍ/ غربيةٍ لاحتواء صعود المقاومة الفلسطينية وحصارها، وضرب إمكانية قيامها بتغيير المعادلات العربية والإقليمية لصالح قضية الشعب الفلسطيني، إذ تركز واشنطن على حرمان الشعب الفلسطيني من أيّ دعمٍ محتملٍ عربيٍ أو إقليميٍ أو دوليٍ، مع استمرار احتكار إدارة عملية التسوية، لإبعاد القوى الدولية الأخرى عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بما يضمن "الهيمنة الأميركية"، التي تُوظف لدعم إسرائيل، وإدماجها في المنطقة، وتعزيز "أمنها المطلق"، ما يفسّر نقل وزارة الدفاع الأميركية كمياتٍ كبيرةٍ من الأسلحة إلى إسرائيل، بغية منع حزب الله من فتح جبهةٍ أخرى، وكبح إمكانية توسع الصراع الإقليمي من ناحيةٍ أخرى، ناهيك عن قرار نشر حاملتي الطائرات أيزنهاور وجيرالد فورد في الشرق الأوسط.

إنّ طرح إدارة بايدن تدشين ميناء غزّة، يأتي في سياق مساعدة الحليف الإسرائيلي على إغلاق الحدود مع مصر تماماً، واستكمال عزل حركة حماس

يتعلق العامل الثاني بمواقف مختلف الأطراف من ميناء غزّة، لا سيّما موقف الطرف الإسرائيلي وترحيبه بالخطوة الأميركية، بوصفها "اقتراحاً إسرائيلياً" منذ البداية، يضمن عودة السيطرة الأمنية الإسرائيلية على مناطق قطاع غزّة، المحاذية لمستوطنات غلاف غزّة، إضافةً إلى انخراط قبرص والمفوضية الأوروبية (ودولٍ كثيرةٍ) في الجهد الأميركي.

يتعلق العامل الثالث بالانعكاسات المحتملة لتدشين ميناء غزّة على قضية حصار غزّة، وموقع حركة حماس في المعادلات الفلسطينية القادمة؛ إذ لا يمكن فصل موضوع الميناء عن الهجوم الإسرائيلي المحتمل على رفح، والمحاولات الإسرائيلية لاستمالة بعض العشائر والشخصيات الفلسطينية. وعلى الرغم من تزايد احتمال تخفيف حصار غزّة (منعاً لكارثةٍ إنسانيةٍ، وتفشي المجاعة في القطاع)، فإن الأرجح هو استمرار السياستين الإسرائيلية والأميركية في استهداف حماس، وضرب قدراتها على الإدارة والحكم والقتال، كما تجلّى من إعادة اقتحام قوات الاحتلال مجمع الشفاء، واغتيال قائد عمليات الشرطة في قطاع غزّة، العميد فايق المبحوح (18/3/2024).

يتعلق العامل الأخير بآثار تدشين ميناء غزّة على ترتيب الأوزان والأدوار العربية؛ إذ تتراجع أهمّية معبر رفح، وبالتالي مكانة مصر، بسبب إحجامها عن استخدام نفوذها في الضغط على واشنطن، والاكتفاء بمناشدة ضغط واشنطن لكبح جماح الانفلات الإسرائيلي (لا سيّما في رفح ومحور فيلادليفيا)، في حين يتصاعد دور الإمارات بسبب قدراتها المالية وتماهيها مع السياسات الأميركية، لا سيّما في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كما يبرز الدور الدبلوماسي القطري في الوساطة والدفع نحو صفقة تبادل أسرى، ووقفٍ دائمٍ/أو مؤقتٍ لإطلاق النار.

وأيضاً يبرز تصاعد التوتر في البحرين الأحمر والعربي، بسبب مهاجمة جماعة أنصار الله (الحوثي) السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، ودخول الجماعة طرفاً ضاغطاً على المواقف الأميركية والبريطانية والإسرائيلية، عبر الربط بين وقف هجماتهم، ووقف حرب غزّة وحصارها، ما يعني تحسن وضع جماعة الحوثي إقليمياً.

يبقى القول إنّ طرح إدارة بايدن تدشين ميناء غزّة، يأتي في سياق مساعدة الحليف الإسرائيلي على إغلاق الحدود مع مصر تماماً، واستكمال عزل حركة حماس عن أيّ طريقٍ للإمدادات، مع احتمال أن يكون من ضمن أهداف بناء الميناء تسهيل "الهجرة الطوعية" لسكان قطاع غزّة، وهو هدفٌ لطالما ردده عددٌ من الوزراء في حكومة نتنياهو.