ملك تلاحقه الفضائح.. خوان كارلوس الإسباني في قبضة محاكم بريطانيا

ملك تلاحقه الفضائح.. خوان كارلوس الإسباني في قبضة محاكم بريطانيا

15 ديسمبر 2021
تشكل القضية حرجاً لرئيس وزراء إسبانيا (Getty)
+ الخط -

تواجه العائلة المالكة، وحكومة اليساري بيدرو سانشيز في إسبانيا، معضلة سوء سمعة القصر بين مواطني المملكة وفي الشارع الأوروبي، والإفصاح عما إذا كان الملك السابق خوان كارلوس يتمتع بالحصانة، قبل مثوله أمام محاكم بريطانيا.

فعلى خلفية دعوى قضائية تلاحق ملكها السابق خوان كارلوس الأول، الذي اضطر للتنازل عن العرش، بحسب الصحافة الإسبانية والأوروبية، في 2014 لولي عهده فيليب السادس، تجد مدريد نفسها في مواجهة محرجة بسبب اتهامات لخوان كارلوس، من بينها استغلال منصبه بتوجيه الاستخبارات الإسبانية لمطاردة عشيقته السابقة.

وبعد عودة الملك السابق من الإقامة في المنفى (من أبوظبي، التي اضطر للسفر إليها في 2020 بعد فتح تحقيق بحقه وبتسوية مع نجله)، يجد نفسه أمام دعوى قضائية رفعتها عشيقته السابقة وسيدة الأعمال الدنماركية-الألمانية كورينا لارسن، أمام المحاكم البريطانية، تتهمه فيها بمطاردتها ومراقبتها. وبحسب ما تذهب إليه الصحافة الإسبانية، فإن التهم الخطيرة الموجهة من لارسن إلى الملك السابق تشمل "التهديد بالقتل، واقتحام السكن، ومراقبة ممنهجة".

ويأتي الحرج للقصر في مدريد على خلفية أن محكمة أجنبية، بريطانية، بسبب إقامة لارسن الدائمة فيها، ستنظر في الاتهامات الموجهة لخوان كارلوس بشأن استعانته بالاستخبارات الاسبانية لتحقيق أقصى ضغط على عشيقته السابقة.

وبالفعل، استمع القاضي البريطاني ماثيو نيكلين، في بداية ديسمبر/كانون الأول، إلى حجج أطراف القضية، على أن يقرّر بعد بضعة أسابيع ما إذا كان سيطالب بمثول ملك سابق في بلد أوروبي أمام محاكم لندن. وتُعتبر تلك النقطة قضية ساخنة بين المملكتين المتحدة (بريطانيا) والإسبانية.

تشمل التهم الخطيرة الموجهة إلى الملك السابق "التهديد بالقتل، واقتحام السكن، ومراقبة ممنهجة"

ويثير مثول خوان كارلوس، إذا قرّر القاضي نيكلين ذلك، حساسية كبيرة بحسب ما ذهبت صحيفة "إل باييس" الإسبانية يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول، في تغطيتها لهذه القضية. وبالنسبة للقاضي البريطاني، نيكلين، وفقاً للصحيفة الإسبانية، فإن الأمر "سيكون أسهل لو أن العائلة المالكة الإسبانية أوضحت بجلاء أن خوان كارلوس جزء من الأسرة الملكية".

سرّ "العشيقة" وتفاصيل القضيّة

وانكشف سرّ وجود "عشيقة" للملك خوان كارلوس بعد أن كان في رحلة صيد برفقتها في 2012 في بوتسوانا الأفريقية، وسط أزمة اقتصادية كانت تضرب مدريد. وتزامن الكشف مع اتهامات بتلقي الملك رشاوى بنحو 100 مليون دولار، لتمرير صفقات خارجية لشركات إسبانية (قطار سريع في السعودية)، بحسب قاضٍ سويسري حقق في حيثيات القضية ضد ملك إسبانيا السابق، ما أدى إلى هزة ضربت القصر، ودفعت بولي العهد فيليب السادس إلى إقناع والده في 2014 بالتنازل له عن التاج، والانسحاب من الحياة العامة، حتى لا تتداعى سمعة المملكة، وللحدّ من الأضرار، قبل أن تعود القضية مجدداً إلى دائرة الضوء.

قضية "العشيقة" السابقة، لارسن، مرتبطة بصورة مباشرة بتلك الأموال، ما عرّضها بحسب رأيها إلى المضايقات والملاحقات، وتتهم خوان كارلوس والمخابرات الإسبانية بالوقوف خلفها.

وفي بعض التفاصيل التي أشارت إليها الصحافة الإسبانية، فإنه جرى تحويل المبلغ إلى حساب مؤسسة تديرها في أحد "الملاذات الضريبية". لارسن اعتبرت مبلغ الـ100 مليون دولار "هدية حب" وتعويضاً عن "أضرار" افتضاح علاقتها كعشيقة له أثناء رحلة بوتسوانا.

الملك خوان كارلوس اعتبر أن المبلغ المحول ليس هدية، بل هو جزء من أعمال كان يقوم بها مع لارسن، وبعد مطالبات متكررة له بالحصول على المبلغ، "بدأ بمساعدة جهاز الاستخبارات الإسباني (سي إن آي)، بملاحقتي"، بحسب ما تذكر كورينا لارسن، التي قدّمت شهادتها عن بعد لمحكمة تحقيق إسبانية في القضية في بداية العام الحالي، 2021، وذكرت أن مندوباً من المخابرات الإسبانية أبلغها بأنه لا يضمن حياتها وحياة ابنها.

وتدحرجت القضية أكثر، بالاستعانة بالجهاز الأمني، نحو الدخول عنوة وسراً إلى منزليها في موناكو وسويسرا. "لم يُسرق شيء، وتركت فقط نسخة من كتاب حول وفاة (الأميرة البريطانية السابقة) ديانا"، بحسب ما ذكرت لارسن، وأكدت أنها تلقت "تهديدات هاتفية بالقتل".

ومن القضايا التي تضرّ القصر الملكي الإسباني واستخدام الاستخبارات لمساعدة الملك السابق، أن سكن لارسن في لندن، حيث تقيم بشكل دائم، تعرض لأكثر من مرة إلى مضايقات ومراقبة، وأطلقت في أحد المرات طلقة على كاميرا المراقبة، وزرعت أجهزة تجسس عليها داخل مسكنها، وفي غرفة نومها.

حصانة.. لا حصانة

وبناءً على تلك الأحداث في لندن تحديداً، رفعت الشكوى أمام المحاكم البريطانية، وخصوصاً ربطها بمرحلة ما بعد تنازل خوان كارلوس عن العرش في 2014، واستمرار استخدامه لجهاز الاستخبارات في تحقيق أهدافه الشخصية. وتستفيد لارسن من قوانين مدريد التي تسقط الحصانة عن الملك السابق، رغم تمتعه في إسبانيا بلقب "الملك الفخري" ومناداته بـ"صاحب الجلالة". وفي المقابل، فإن بريطانيا تنتهج سياسة الحصانة لأصحاب السيادة وأسرهم، بمن فيهم الملوك الأجانب (sovereigns and their households)، بحسب ما ذهبت "إل باييس" في تقرير عن مجريات الجدل القانوني المرافق لبداية النظر في الدعوى.

على الجانب الآخر، تشكل القضية حرجاً لرئيس وزراء إسبانيا اليساري بيدرو سانشيز، الذي يتوجب عليه أن يجيب القاضي البريطاني في القضية ماثيو نيكلين، بشأن وضع خوان كارلوس في سلّم القوانين الإسبانية لتجنب نيكلين "تفسير القانون الدستوري الإسباني" على طريقة محامي لارسن بأن الحصانة سقطت بتنازله عن العرش.

سانشيز يجد نفسه في معضلة حقيقية، كونه المسؤول عن الردّ الرسمي على المحاكم البريطانية، إذ إنه إذا ساعد الملك السابق بمنحه حصانة، فإنه سيثير غضب اليسار والكتالونيين المعارضين أصلاً لبقاء إسبانيا مملكة. وفي المقابل، يضغط اليمين لمنح خوان كارلوس الحصانة، معتبراً أن تركه يواجه الاتهامات بمثابة خيانة وطنية، بحسب ما ذهب إليه حزب "الشعب" اليميني المحافظ، الذي توعد بخلق مشاكل خطيرة للحكومة اليسارية إذا تخلت عن خوان كارلوس الأول، كما أشارت صحيفة "إل كونفيندثيال".

وخلال الأسابيع القادمة، ستنتهي النيابة العامة الإسبانية من التحقيق في قضايا ضد الملك السابق، بما فيها اتهامات بالاحتيال الضريبي، بتسوية يدفع من خلالها 5 ملايين يورو، وهو ما سيمكنه من العودة سريعاً للعيش في المقر الملكي "لازارزويلا"، وبالتالي يعطي انطباعاً بأنه يمتلك حصانة.

وكان المدعي العام في جنيف قد أعلن، الاثنين، أنه أغلق تحقيقاً في مزاعم بغسل أموال له صلة بملك إسبانيا السابق خوان كارلوس، لعدم كفاية الأدلة، في حين تم فرض غرامة على البنك الخاص المعني في التحقيق الجنائي الذي استمر ثلاثة أعوام.

وقال المدعي العام إيف بيرتوسا، في بيان، إنه توصل إلى أن مئة مليون دولار دفعتها السعودية في عام 2008، أودعت في حساب مؤسسة فلسطينية في بنك "ميرابود" الخاص، لكنه لم يتمكن من إثبات صلة ذلك بعقد مُنح في وقت لاحق لإسبانيا لإنشاء وصلة لقطار سريع في السعودية.

وقال البيان إنه تم إسقاط التهم الموجهة لخمسة أشخاص بغسل الأموال، في حين فُرضت على البنك غرامة قدرها 50 ألف فرنك سويسري (54100 دولار) لعدم كشفه عن الحساب. ولم يكن خوان كارلوس ضمن الخمسة الموجهة لهم اتهامات (الدولار = 0.9242 فرنك سويسري).

المساهمون