مفجِر قضية "ترامب-روسيا" لـ"العربي الجديد": بوتين مريض والصين التحدي

مفجِر قضية "ترامب-روسيا" لـ"العربي الجديد": بوتين مريض والصين التحدي المقبل

31 مايو 2022
ستيل: على الحكومات أن تكون صارمة مع روسيا (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل ثلاثة عشر عاماً، استقال كريستوفر ستيل من منصبه الحكومي بعد 22 عاماً أمضاها في جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية (MI6). ظنّ ستيل أنه بعد الاستقالة من منصبه كعميل للاستخبارات، سيحظى بحياة عائلية طبيعية وهادئة بعيداً عن صخب السياسة الخارجية والأزمات الدولية المرهقة. إلا أنه كان مخطئاً.

يقول ستيل في لقاء مع "العربي الجديد"، إنه كان متخوّفاً في البداية من قرار الاستقالة. قد تسعفه النقلة إلى القطاع الخاص في تحصيل أجر أفضل، كما ستتيح له حياة عائلية طبيعية هادئة، إلا أنها لن تشبع شغفه الأول في الإمساك بخيوط الأحداث والمستجدّات والأزمات.

لم يتأخّر ستيل في الوصول إلى موعد لقائنا به ولا دقيقة واحدة. كما أنه لم يصل أبكر ولو بأجزاء من الثانية. علاقته بالوقت مرّت بامتحانات كثيرة خلال عمله في الاستخبارات وبعدها، بين روسيا وفرنسا وأفغانستان والصين والولايات المتحدة الأميركية وبلدان أخرى كثيرة. "لا أعرف ما إذا كنت أشتاق إلى عملي في الاستخبارات. لكن عملي اللاحق في القطاع الخاص كان ممتعاً على عكس توقّعاتي ومخاوفي. سمح لي بالاحتفاظ بقدر من الانخراط في القضايا المهمّة وفي بلدان مختلفة"، يقول ستيل لـ"العربي الجديد".

ويضيف أن عمله السابق في الاستخبارات وخبرته الطويلة منحاه قدرة أكبر على فهم الكيفية التي تدير فيها الحكومات سياساتها وجيوشها واقتصادها وقطاع الأعمال الخاص بها، ويقول: "أعتقد أنني وآخرين في هذا القطاع ممن تقاعدوا من عملهم الاستخباراتي مع الحكومة وخاضوا أعمالاً تجارية خاصة بهم على مدى السنوات العشر الماضية، نمتلك منظوراً أفضل حول ما يجري، أكثر بكثير من أشخاص آخرين في الحكومة".

فضيحة ترامب وروسيا

أسّس ستيل بعد استقالته من الاستخبارات البريطانية شركة "Orbis" الخاصة لتحليل الأعمال، ولم يكن قد أصبح وجهاً إعلامياً، هو المتحدر من جهاز استخباراتي عمل في الظلّ لسنوات طويلة. إلا أن حياته اتّخذت منحى آخر عام 2016 بعدما تعاقدت شركته مع شركة استقصائية خاصة تعمل في الحملة الانتخابية للمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الأميركية هيلاري كلينتون.

نشر حينها ستيل ملفاً شهيراً مطلقاً فضيحة سياسية عن الروابط بين حملة دونالد ترامب الانتخابية والحكومة الروسية. تسبّب "ملف ستيل"، الذي نشر عام 2017، بضجة سياسية كبيرة وصل صداها إلى مكتب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. اختفى بعدها عن الأنظار هو وعائلته لفترة من الزمن بعدما اتّهمته الأوساط القريبة من ترامب بمحاولة "التزوير والتشهير". ولم يسافر إلى الولايات المتحدة منذ ذلك الحين لدواعٍ أمنية.

نشر ستيل ملفاً شهيراً مطلقاً فضيحة سياسية عن الروابط بين حملة دونالد ترامب الانتخابية والحكومة الروسية

في العام 2018، نُشرت وثيقة أعدّها الجمهوريون في الكونغرس الأميركي ورفع ترامب السرية عنها، تشكك بـ"شرعية وقانونية بعض الخطوات" التي اتخذها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل أثناء تحقيقهما بتواطؤ روسي محتمل مع فريق ترامب الانتخابي. إذ جرى التنصّت على المكالمات الهاتفية للمستشار الدبلوماسي السابق في فريق حملة ترامب كارتر بيج. وللحصول على إذن قضائي للتنصّت، استندت وزارة العدل ومكتب التحقيقات إلى المعلومات التي جمعها ستيل، ما جعله موضع شكوك.

يقول ستيل إنها "كانت مرحلة صعبة للغاية"، خصوصاً بالنسبة لعائلته التي سبق لها أن عاشت عدم الاستقرار بسبب عمله في الاستخبارات، وأيضاً بالنسبة له بعدما ترك عمله في العام 2009 معتقداً أن حياة طبيعية وهادئة في انتظاره.

وحول ما إذا كانت روسيا مستعدة لتكرار التدخل من أجل عودة حليفها ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات العام 2024؟ يقول ستيل إن "ترامب كان ضعيفاً بشكل فريد أمام الطريقة التي تعمل بها روسيا. لأنه لم يكن حكيماً في الأساس في كيفية إدارة السياسة والاقتصاد في العالم. لقد كان مغروراً ونرجسياً للغاية، ومن السهل استهدافه من منظور حكومة استبدادية كموسكو".

لا يعتقد ستيل أن التدخّل الروسي سيكون هو نفسه في الانتخابات الأميركية، بل سيتطور. ويشير إلى الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، فبعد أن كان واضحاً تدخّل روسيا في انتخابات عام 2017 ضد الرئيس إيمانويل ماكرون، كان أيضاً تدخّلها واضحاً في الانتخابات الأخيرة. يقول مع أنها "كانت في قلب أزمة كبرى، وجدنا عناصر من التدخل الروسي".

ويضيف: "لذلك سيكون من المدهش نظراً لهشاشة الديمقراطية الأميركية، ألا يكون هناك نوع من التدخّل في العام 2024، لكنه لن يكون كما كان في عام 2016 أو 2020، بل سيتطوّر"، ويتابع: "أعتقد أنه بحلول عام 2024 ستكون روسيا قد استُنزفت، لكن الصين لن تكون كذلك، وسيكون هذا هو التحدي التالي".

انهيار الاتحاد السوفييتي

انضمّ ستيل إلى جهاز الاستخبارات الخارجية بعد تخرجّه من جامعة كامبريدج عام 1986. فور انضمامه، عيّن تحت غطاء دبلوماسي في موسكو وكان شاهداً على انهيار الاتحاد السوفييتي ولم يكن قد تجاوز الـ26 من عمره. لحظة الانهيار "التاريخية" تلك، يتكئ عليها بعض الخطاب الروسي ليبرّر نزعته العدوانية على الغرب.

نوع من النقمة على الإذلال الطويل الذي تعرّضت له روسيا بعد الانهيار السوفييتي، كما يصفه بعض الباحثين في الملف الروسي. إلا أن ستيل يعارض بشدّة وجهة النظر هذه.

الاتحاد السوفييتي انهار من الداخل ولم يكن الغرب سبباً في انهياره

يقول إن روسيا في الحقيقة لم تتعرض للإذلال على الإطلاق لأن "الاتحاد السوفييتي انهار من الداخل ولم يكن الغرب سبباً في انهياره. بل على العكس تماماً، كان القلق الغربي واضحاً من الانهيار".

ويضيف: "أتذكر أن جورج بوش الأب ذهب إلى كييف عندما كنت هناك عام 1991، وألقى خطاباً عُرف حينها بخطاب (دجاج كييف)، حين طلب من الأوكرانيين ألا يصوّتوا من أجل الاستقلال وأن يحافظوا على مكانهم في قلب الدولة القومية، الاتحاد السوفييتي".

يتذكّر ستيل ذلك اليوم البعيد شارداً ومبتسماً، ثم يكرّر معارضته "بشدّة" لفكرة أن روسيا كانت قد تعرّضت للإذلال في أوائل التسعينيات، مضيفاً: "أعارض بشدة فكرة أن الغرب لم يكن كريماً مع روسيا. أنا شخصياً ذهبت للتفاوض بشأن ديون روسيا الخارجية في شتاء 1991 أو 1992 بعد الانهيار، وكنت شاهداً على السماح لها بعدم سداد أي رصيد أساسي من ديونها وكان ديناً ضخماً في ذلك الوقت. لذلك أعتقد أنها خرافة تنتمي إلى لغة الخطابات الرنانة. أعتقد أنها تنبع من الشعور بالاستحقاق الذي كان سائداً بشكل خاص لدى الـ"كي جي بي". ذلك الشعور بأنه يحق لروسيا أن تكون قوة عظمى وأن الله وهبها الحق في أن تؤخذ على محمل الجدّ على الساحة الدولية، ومنحها الحق في أن يكون لها مجال نفوذها الخاص وهذا ليس صحيحاً".

التقارب الغربي مع بوتين

إلا أن الحديث عن الإذلال الذي تتعرّض له روسيا اليوم لا يبدو قابلاً للجدال كما كان عشية انهيار الاتحاد السوفييتي.

يوافق ستيل ويكرّر أن "الروس يتعرّضون للإهانة اليوم، لأنهم هم من أهانوا أنفسهم. فمنذ العام 2000، لم تعارض أي حكومة في الغرب إقامة علاقات جيدة مع روسيا. لكن موسكو تصرّفت دائماً بما يجعل ذلك الأمر مستحيلاً"، ويضيف: "على مدى السنوات الـ15 الماضية، كانت العلاقة مع روسيا تصادمية بسبب الطريقة التي تدير بها موسكو هذه العلاقات. لقد استخدمت إرهاب الدولة على الأراضي البريطانية. وعلينا الرد على ذلك".

ستيل: الروس يتعرّضون للإهانة اليوم، لأنهم هم من أهانوا أنفسهم

ألم تكن الاستخبارات البريطانية على علم مسبق بما أطلق عليه ستيل "إرهاب الدولة" على أراضيها؟ ألم تكن على دراية بـ"خطورة" النظام الروسي على الأمن الغربي والعالمي بشكل عام؟ يجيب ستيل: "نعم، أعتقد أن أولئك الذين درسوا (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين باكراً كانوا على علم بذلك. على وجه الخصوص بعد حوادث تفجير الشقق الروسية عام 1999 وجميع الأسئلة المحيطة بتلك السلسلة من التفجيرات حول هوية المسؤول عنها. وأعتقد أنه بمرور الوقت أصبح واضحاً بالنسبة إلينا أن النظام نفسه كان مسؤولاً".

ويضيف: "أي نظام مستعد لتفجير شعبه للوصول إلى السلطة والاستمرار في الحكم هو علامة تحذير من النوع الخطير للغاية. بمعنى آخر، ما حدث منذ ذلك الحين ليس مفاجئاً لكنه صادم من حيث الطريقة التي تدير بها الدولة الروسية شؤونها". ويحلو لستيل أن يطلق على فساد الدولة الروسية اسم "الخطيئة الأصلية" باعتبارها الأسطورة التأسيسية للنظام.

إدراك الاستخبارات البريطانية لـ"الخطيئة الأصلية"، كما يسمّيها ستيل، لم يوقف التقارب الغربي الروسي. يوضح ستيل أن محاولة التقارب مع بوتين بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 كانت مفهومة وإن كانت مؤسفة. "من المنطقي أن يحاول القادة الغربيون، لا سيما جورج بوش وتوني بلير، جرّ روسيا وبوتين إلى التحالف المناهض للإسلاميين والإرهاب، والذي فشل في النهاية لأن روسيا تبدو غير قادرة على إقامة علاقات ثقة وتحالفات مع أي دولة أجنبية في الحقيقة".

وعلى الرغم من فشل ذلك التحالف، نشأ في المملكة المتحدة، بحسب ستيل، بعد عام 2000 "لوبي تجاري في قطاع الأعمال، غضّ الطرف عن جنح النظام الروسي وطبيعته. لقد رأوا فيه فرصة للربح وشيئاً من الاستقرار حتى وإن كان استقراراً سلطوياً واستبدادياً، إلا أنه يبقى استقراراً".

يقول ستيل إن المستفيدين من هذا اللوبي في المملكة المتحدة "كانوا يعتقدون في البداية أنهم قادرين على التعامل مع هذا النظام وإدارته خارجياً، حتى وإن كان يدار داخلياً بطريقة لا تتوافق مع قيم الديمقراطية. وأعتقد أن هذا كان الخطأ الأساسي".

ويضيف أن الخطأ الثاني هو "عدم فهمهم لثقافة الأصفار التي جسّدها بوتين، وطبعاً هي ثقافة الـ(كي جي بي) التي أتى منها. نظراً لخلفيتي، كانت لدي فكرة جلية عن الفلسفة المهيمنة أو الموقف السائد للنظام، والذي يمكن اختصاره بأن روسيا تكسب فقط على حساب الغرب والعكس صحيح".

وعن تقرير لجنة الاستخبارات والأمن حول النفوذ الروسي في السياسة البريطانية والذي تمّ منع نشره، يقول ستيل: "كان محرجاً من بعض النواحي لما يتطلّبه من تغيير حقيقي في التوجّه من قبل الحكومة البريطانية. لقد أوصى التقرير مثلاً بتشريع قانون تسجيل العملاء الأجانب، ما يمثل تهديداً مباشراً للمصالح المالية للعديد من الأشخاص الذين تحتاجهم الحكومة. أنشطة هذه الجماعات التي تنوب عن الأطراف الفاعلة السيئة في روسيا، ستصبح شفافة بموجب القانون، وقد يواجهون عواقب جنائية في القضاء".

كان ستيل أحد الشهود المستقلين على التقرير وعلى عمل اللجنة المكلّفة بإعداده، يقول إن المرحلة التي انتهى بها إعداد هذا التقرير بين عامي 2018 و2019، شهدت "نمو ذلك اللوبي ومجموعة المصالح المختبئة خلف الكواليس بقوة كبيرة، مقابل إصرار الطرف الآخر على عدم التحرك بسرعة وعدم التحرك بعيداً في الإجراءات التي أوصي بها".

وحدث هذا في الفترة التي سبقت الانتخابات العامة في بريطانيا حيث كان تمويل الأحزاب السياسية أحد القضايا الكبرى الجاري تداولها في تلك الأثناء.

يرى ستيل "أن المشكلة بدأت في القطاع المالي، فلم تكن هيئات تنظيم الأموال قوية بما يكفي لردع الفاعلين السيئين عن المشاركة بأموالهم، ما دفع الروس إلى الاستمرار في الدفع مع إدراكهم أنهم لو استطاعوا الدفع باتجاه القطاع المالي والتوغّل في هذا المجال، سيسهل عليهم حينها الدفع باتجاه السياسة وتعزيز مكانتهم وترسيخها بحيث يصعب انتزاعهم بعدها".

ويتابع: "من المحزن أن تتطلّب إعادة التفكير في هذا المنطق حدثاً راديكالياً، كغزو روسيا الواسع النطاق لأوكرانيا. أشخاص مثلي أمضوا السنوات العشر الماضية في الصراخ عالياً حول خطورة هذا الأمر، اليوم فقط بات صراخنا يؤخذ على محمل الجد".

عملاء روس داخل بريطانيا؟

لم تتوقّف التقارير الصحافية والأبحاث في الأشهر الماضية التي تلت الغزو الروسي عن الحديث عما يسمّيه البعض "تواطؤاً" بين مصالح الحكومة البريطانية والأوليغارشية الروسية. ما يفسّر بحسب البعض عدم إقدام بريطانيا على تسليح وتدريب الجيش الأوكراني بعد العام 2014.

ستيل: لدي شكوك كثيرة حول وجود عملاء روسيين مؤثرين وأصحاب نفوذ في بريطانيا

يوضح ستيل لـ"العربي الجديد" بعض أسباب ذلك "التقاعس": "لم نكن ندرك بداية أن الأوكرانيين قادرون على القتال، كما أنهم قد يسيئون استخدام هذه المعدات. لكن علينا تأمّل الأمر بشكل أعمق والسؤال عمن كان يعارض ذلك بالفعل وعمن كان يضغط في هذا الاتجاه وراء الكواليس؟ ليست لدي إجابة واضحة أو دليل حاسم، لكن لدي شكوكاً كثيرة حول وجود عملاء روسيين مؤثرين وأصحاب نفوذ في بريطانيا كانوا يجادلون طوال الوقت ضد سياسة من هذا النوع، وهذه كانت أولوية بالنسبة إليهم".

ويكشف هذا الأمر عن تناقض هائل بين حجم الدعم الذي قدّمته بريطانيا لأوكرانيا على خلفية التقارير العلنية التي نشرتها الاستخبارات البريطانية محذّرة من الغزو قبل حدوثه بأشهر، وبين تواطؤ الحكومة البريطانية مع بعض الأقلية الروسية صاحبة النفوذ الكبير.

يقول ستيل إن ثمة فرقاً بين مجتمع الاستخبارات وبين الحكومة. "أولوية الاستخبارات هي إعلاء مصالح الأمن القومي فوق أي شيء آخر. أما الحكومة وإن كانت مطالبة أيضاً بهذا الدور، فلديها في الواقع مصالح أخرى مهمة، مثل الاستثمار الأجنبي وفرص العمل والتجارة. وعليها أن تأخذ كل ذلك في الحسبان وعليها أن تحدّد الأولويات بين تلك الأشياء".

ويشير إلى أن "حجّتنا في الاستخبارات كانت أن روسيا تمثل حدّاً خطيراً من التهديد، ما يجعل مواجهتها هي الأولوية. لم يكن ممكناً أن نجادل في هذا الأمر قبل ستة أو تسعة أشهر".

لم توقف هذه التحالفات "السرية" بين بريطانيا وبعض المتنفذين الروس، المخاوف من ردّ انتقامي روسي سبق لموسكو أن تطرّقت إليه في العديد من المناسبات. إلا أن ستيل يستبعد مثل هذا التهديد، قائلاً "أستبعد أن تستخدم روسيا السلاح النووي، إلا في حال تعرّضت أراضيها وربما حتى عاصمتها بشكل خاص لهجوم عسكري. وهذا ما تقوم عليه عقيدتهم العسكرية. أعتقد أن الأمر يتعلق بأن نكون أقوياء وأن نرسل الرسائل الصحيحة. يتعلق الأمر بأن نكون مسلحين بالشكل الصحيح وأن يكون لدينا نظام ردع ذي مصداقية، وهذا ربما قد يفتقر إليه الجيش البريطاني الذي تقلّص حجماً إلى النصف في السنوات العشرين الماضية".

وربما ليس السلاح النووي وحده ما يهدّد أمن المملكة المتحدة التي تعرّضت سابقاً لعمليات أمنية على أراضيها، كحادثة تسميم الضابط الروسي السابق سيرغي سكريبال عام 2018. يقول ستيل إن من المفارقات أن تحدث هذه العملية "عندما كنا في الواقع نرضي روسيا بدلاً من معارضتها"، ويضيف أن "أحد الأسباب التي لم تجعلنا نشهد مثل تلك العمليات في الولايات المتحدة هو أن بوتين يهابها ويخشى من عواقب مثل هذا الاختراق".

ويقول ستيل إن على الحكومات أن تكون صارمة مع روسيا وواضحة بشأنها، وأن ترد بطريقة قوية على سياساتها. "أعتقد أنه كان علينا قطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا منذ العام 2018 بعد حادثة سكريبال. وأعتقد أنه كان ينبغي علينا دفع دول أخرى للقيام بذلك في الوقت نفسه. كنا بطيئين للغاية ومتردّدين"، ويتابع: "إن لم نفهم هذا النظام بشكل عميق وإن لم نعرف بدقة من يديره ومن هو القوي فيه، لن نتمكن من إلحاق الأذى به".

ويعتبر ستيل أن طرد 20 ضابط مخابرات من إحدى السفارات لا يؤذي روسيا بشكل فعّال، "ما يؤلمها هو فضح الفساد داخلها ومعاقبة المقرّبين من بوتين. وهذا يختلف تماماً عن الردّ الدبلوماسي التقليدي".

إلا أن الروس كانوا يستهدفون عبر السنوات وبشكل تدريجي النخبة الحاكمة في بريطانيا. وهذه النخبة، بحسب ستيل، ليست أعضاء البرلمان أو وزراء الحكومة فحسب، بل أيضاً هم أشخاص على المستوى الرفيع في مجال إدارة أعمال الشركات ووسائل الإعلام، ما يجعل الاستهداف مؤثراً بطرق عديدة.

ويعتقد ستيل أن الجانب الروسي استخدم المال بذكاء شديد لإغواء المؤثرين في صناعة القرار في المملكة المتحدة، قائلاً: "الكثير من الروس الذين يأتون إلى هنا يتمتعون بمصداقية كبيرة. حضاريون ويتحدثون الإنكليزية بطلاقة. يبدون وكأنهم يمثلون بلداً يشبه بلدنا أكثر من البلدان الأخرى. وبالطبع هذا لم يكن صحيحاً. وما تغاضت النخبة الحاكمة في بريطانيا عنه هو الجانب المظلم من روسيا، وهو جزء مهم جداً من ثقافتها وتاريخها".

تحرك متوقع ضد بوتين

وعن صحة التقارير حول محاولة لاغتيال بوتين أو احتمال الانقلاب عليه من الدوائر المحيطة به، يعود ستيل بالتاريخ إلى ألمانيا النازية قائلاً "عندما بدأوا في خسارة الحرب، أقدم ضباط على هذه الخطوة وتآمروا ضد أدولف هتلر وحاولوا قتله. لذلك أعتقد أنه من الممكن تماماً بالنظر إلى مدى كارثية هذه الحرب (الأوكرانية) بالنسبة لروسيا، ليس فقط بالمعنى العسكري، ورأينا كل الجنود الروس الذين قُتلوا وجُرحوا، لكن أيضاً استراتيجياً على المدى البعيد".

ويعتبر أنه "لو توقفت أوروبا عن شراء المحروقات الروسية، سينتهي الاقتصاد الروسي وسينتهي أمرهم. سيكون لديهم الناتج المحلي الإجمالي نفسه لدولة أفريقية".

ستيل: أشخاص كثر في النظام الروسي لن يجلسوا صامتين أمام الحقائق الكارثية، وسيكون هناك تحرك ضد بوتين

ويرى ستيل أن أشخاصاً كثر في النظام الروسي "لن يجلسوا صامتين أمام هذه الحقائق الكارثية، وسنشهد نقطة الانهيار في لحظة ليست ببعيدة، وسيكون هناك تحرك ضد بوتين"، إلا أن أي تحرك ضدّه، بحسب ستيل، "سيأتي من الأجهزة الأمنية وليس من الجيش. فلو نظرنا إلى التاريخ الروسي سنرى كيف كان الجيش خاضعاً باستمرار لأجهزة الأمن. هذا عدا عن أن قسماً من دائرة بوتين الداخلية كان غائباً خلال الغزو الأخير".

ويرجّح ستيل أن بعضهم يتمركز في موقعه منتظراً الوصول إلى السلطة بعد عقد صفقة مع الغرب بحجة أن هذه الحرب لم تكن خيارهم ولا قرارهم. "سيقولون إنهم أكثر واقعية وبإمكانهم عقد صفقة من نوع ما. وأظن أن هناك عدداً من الأشخاص من دائرته الضيّقة يُطلق عليهم تقليدياً اسم (المتشدّدين) وهم متحدرون من الأجهزة الأمنية يعيشون في حالة ترقّب لما سيحدث".

كان ستيل من أوائل الذين تحدّثوا عن مرض بوتين. يبتسم ستيل قائلاً إنه لم يدرس الطب ولا علاقة له بالتشخيص. لكنه مع ذلك يبدو مقتنعاً لسبب من الأسباب بأن بوتين "مريض بشكل واضح".

ويتحدث عن أن التقارير التي تردهم من أشخاص يعملون بالقرب من الرئيس الروسي تشير إلى عدم قدرته على إنجاز اجتماع لمدة ساعة من دون تدخّل فريقه الطبي المكلّف بضخّه بالأدوية على مدار اليوم. كما تشير التقارير إلى اختفائه بين الحين والآخر لفترة من الزمن، ما يؤكّد إصابته بمرض خطير كالسرطان أو الباركنسون.

ويعتقد ستيل أن مرض بوتين هو السبب الأساسي وراء غزوه لأوكرانيا، ويقول "هذا الغزو هو إرث تاريخي بالنسبة إليه. إعادة بناء الإمبراطورية السوفييتية، هو بالضبط ما يريد بوتين أن يرتبط به تاريخياً"، ويضيف: "يريد بوتين أن يتحول إلى شخصية أسطورية تبعث على الخوف. يريد أن يتذكّره التاريخ على أنه نقيض ميخائيل غورباتشوف".

يُذكر أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نفى الأحد، التكهنات بأن بوتين مريض، قائلا إنه لا توجد أي إشارات تدل على إصابته بأي مرض. ورداً على سؤال من محطة "تي أف 1" الفرنسية، قال لافروف: "لا أعتقد أن الأشخاص العقلاء يمكن أن يروا في هذا الشخص علامات مرض أو اعتلال". وأشار لافروف إلى أن بوتين، يظهر بشكل علني "بشكل يومي".