مستقبل مالي بيد روسيا عقب تضاؤل النفوذ الفرنسي

06 مايو 2022
تظاهرة في باماكو داعمة للروس، مايو 2021 (ميكيلي كاتاني/فرانس برس)
+ الخط -

تحول التحالف بين فرنسا ومالي إلى علاقة عدائية نشأت بعد انقلاب أغسطس/آب 2020 في باماكو. وبعد سلسلة من المؤشرات بين الطرفين، وضع الانقلابيون العسكريون في مالي حداً للاتفاقات الأمنية مع باريس، يوم الاثنين الماضي، بإعلانهم إنهاء اتفاق دفاعي مع فرنسا أُبرم في عام 2014، واتفاقين آخرين أُبرما عامي 2013 و2020 يحددان الإطار القانوني لحضور قوة "برخان" الفرنسية و"تاكوبا" المؤلفة من قوات خاصة من دول أوروبية عدة.

ويوم الثلاثاء، أكد وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، عبر التلفزيون الرسمي، أن انتهاء اتفاق عام 2014 يدخل حيز التنفيذ في غضون ستة أشهر، لكن الاتفاقين الآخرين أُنهيا بأثر فوري، وهو أمر اعتبر أن القانون الدولي يخوّله.

وصرّح ديوب: "اعتباراً من 2 مايو/أيار الحالي، انتهى أثر الاتفاق المتعلق ببرخان والاتفاق المتعلق بتاكوبا بالنسبة لمالي، وذلك يعني أنه منذ تلك اللحظة لا يوجد أساس قانوني لنشاط فرنسا في الأراضي المالية".

تداعيات الانسحاب الفرنسي

لكن انسحاب القوات الفرنسية ستكون له تداعيات على عمل بعثة الأمم المتحدة المكلفة تحقيق الاستقرار في مالي "مينوسما"، ويسمح تفويض مجلس الأمن الدولي لقوة "برخان" بتقديم الدعم لـ"مينوسما"، إذا طلبت الأخيرة ذلك "في حال وجود تهديد خطير ووشيك".

وقال المتحدث باسم البعثة أوليفييه سالغادو: "نقدر هذا الدعم، وهو جانب مهم في الجهود الهادفة إلى تعزيز أمن قوات القبعات الزرق (التابعة للأمم المتحدة)، وتسهيل إجراء عملياتنا لدعم السكان والمؤسسات المالية".

وأضاف: "إذا تطور الوضع بشأن هذه النقطة، فمن الواضح أن ذلك ستكون له تداعيات يتعين على مستوى البعثة أن نأخذها في الاعتبار في خطط التكيّف".

وشدّد على أن "مينوسما تواصل أنشطتها وتنفيذ تفويضها دعماً للماليين، وفي الوقت ذاته تتكيّف مع تطور الوضع على الأرض". من جهتها، اعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية، الثلاثاء الماضي، أن قرار المجلس العسكري المالي "غير مبرر"، مؤكدة أنها ستواصل انسحابها العسكري الجاري منذ أشهر والذي ينتظر أن ينتهي بحلول أغسطس/آب المقبل.

لافروف: مجموعة فاغنر موجودة في مالي على أساس تجاري
 

أما الاتحاد الأوروبي فاعتبر قرار مالي "مؤسفاً" لأن ذلك لا يعزّز خلق مناخ سلمي ولا التعاون ضد الإرهاب، حسبما أعلن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، أول من أمس الأربعاء.

وقال ستانو خلال مؤتمر صحافي: "لقد أخذنا علماً بهذا القرار الأحادي. إنه أمر مؤسف". واتهم المتحدث باسم الحكومة المالية الكولونيل عبدالله مايغا فرنسا بارتكاب "انتهاكات صارخة للسيادة الوطنية لمالي"، مستشهداً بقرار باريس إنهاء العمليات المشتركة مع القوات المالية في يونيو/حزيران 2021، والذي قال إنه اتخذ من جانب واحد.

وأضاف أن قرار فرنسا بسحب قواتها من البلاد في فبراير/شباط الماضي اتُخذ "مرة أخرى من دون تشاور مع الشركاء الماليين". ويأتي قرار العسكر الماليين، بعد أربعة أشهر على طرد السفير الفرنسي في باماكو جويل ميير في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد اتهامه بـ"التدخل" في شؤون البلاد.

كما أمر العسكر في الشهر نفسه، القوات الدنماركية بالخروج من البلاد نتيجة التداعيات مع فرنسا. واتهم الجيش المالي الفرنسيين بعجزهم عن وضع حدّ للمسلحين في شمال البلاد.

وإضافة إلى الخلافات مع باريس، فإن باماكو اصطدمت مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس"، مطلع العام الحالي، بعد قرارها تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في فبراير الماضي، فضلاً عن وضع إطار زمني مدته خمس سنوات قبل تسليم السلطة للمدنيين.

وقرر قادة "إيكواس" إغلاق حدود بلدانهم مع دولة مالي وتجميد أرصدتها لدى المصارف ومنع التحويلات المصرفية، وسحب كافة الدبلوماسيين من باماكو، وإلغاء كافة أشكال التعاون معها، كذلك المساعدات المالية باستثناء الأدوية والمواد الغذائية.

في المقابل، تمسك العسكر بقرارهم رافضين التراجع أمام "إيكواس"، على وقع تقديرات غربية بوجود دعمٍ روسي عبر نشر مرتزقة "فاغنر" في مالي. واعتبر الانقلابيون أن "الروس الموجودين في البلاد هم مدربون عسكريون".

من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مع شبكة "ميدياسيت" الإيطالية، الاثنين الماضي، إن "مجموعة فاغنر موجودة في مالي وليبيا على أساس تجاري".

باماكو اصطدمت مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس"، مطلع العام الحالي

 

وشدّد على موقف موسكو الرسمي بأن "لا علاقة لفاغنر بالدولة الروسية". وأضاف لافروف أن موسكو "أوضحت ذلك لزملائنا الفرنسيين عندما أصبحوا قلقين بعدما اتفقت فاغنر مع حكومة مالي على تقديم خدمات أمنية".

وتابع لافروف في المقابلة: "أخبرني زميلي العزيز جان-إيف لودريان وكذلك (مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي) جوزيب بوريل في سبتمبر/أيلول 2021 بصراحة بأن روسيا ليس لديها ما تفعله في أفريقيا، لا عبر القنوات الحكومية ولا من خلال الشركات العسكرية الخاصة، لأن أفريقيا منطقة ذات أهمية للاتحاد الأوروبي ولفرنسا".

وبمعزل عن حديث لافروف الأخير، فإن الفرنسيين يستشعرون تراجعاً مقلقاً لنفوذهم في مالي، وفي منطقة الساحل الأفريقي (تضمّ بالإضافة إلى مالي، كلا من بوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا والنيجر).

الفشل العسكري الفرنسي

ويُعدّ الفشل العسكري في حسم الصراعات مع المجموعات المسلّحة، التي تستلهم أفكار تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، من أهم مسببات تراجع النفوذ الفرنسي.

وتُرجم التراجع بانقلاب مالي في مايو 2021، ثم انقلاب بوركينا فاسو في مطلع العام الحالي. كما وقع انقلاب في غينيا في سبتمبر الماضي، ومحاولة انقلابية في غينيا بيساو في يناير الماضي.

ومع تجدد الانقلابات في بقعة كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي سابقاً، يظهر واضحاً أن مالي متيقنة من تراجع النفوذ الفرنسي. وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تراجع المعسكر الغربي عموماً، وإفساح المجال لمزيد من التوغلات الروسية في عمق القارة الأفريقية، بعد انتظارها طويلاً في جمهورية أفريقيا الوسطى.

ومع أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبدى مراراً اهتمامه بالساحل الأفريقي، إلا أن تراجع القوات الفرنسية من دون تمكين الجيوش المحلية، سيفسح المجال لتغلغل قوى دولية أخرى، أو تمدد الجماعات المسلحة.

(العربي الجديد، فرانس برس)